أَحَـاْدِيـثُ الـشِـتَـاءِ عَـلَـى شَـاْطِـئ الـخَـلِـيْـجِ العَربِي مَعَ طَهَ حُسَين.. الـحَـدِيـثُ الأَول ضَـوءُ الـقَـمـرِ عَلَى جَنَاحِ النُّحَامِ

مُـظَـاهِـر بِـن عَـلِـي آل خَـمِـيْـس

ما يربو على ربع قرن من الزمن السَارِي التقيت الدكتور طه حسين كثيرًا ! مصادفةً.. ولم يعد اللقاء إلا أن يكون مصافحةً في تلك اللقاءات الأولى، أفكارٌ عامة وكلمات سطور مقتضبة، وفوق هذا قصة حياة! رغم كَونِه زَائِرٌ دَائِمٌ لـِ الدِيوانِ الفِكرِي لـِ الشَيخِ الوَالدِ – رَحِمهُ اللَّٰه تَعَالَى -.

ثم التقيته في قاعات الدرس والمكتبات لساعات متطاولة، كانت الآراء فيها كسيوفٍ مشرعة تقابلها تروسٌ مدرعة!
يقين ينطق به صوت رخيم من سيد الشك في عصر النهضة العربية، وأشرعة شك تحركها رياح الشباب من مجتمع بُنيَتُهُ في لحظته الثبات.

مضى عقدان على تلك اللقاءات وفي (مِجَرِّ أرْسَانِ الجِيَادِ) كانت ليلة شتوية على شاطئ الخليج يُطرِبُهَا (تَرْجِيعِ نُوتيٍّ وزَجْرِ حُداةِ) كان هناك جلسا!

بدأ الحديث ليس كما يَتخَيلُ المُتَأدِبُونَ الدكتور طه حسين ! . [أَزْمَة] مَقَالةٌ بصمت الحديث أدارها، فكانت رَشفَة فَنَاْجِيْلِ القَهْوَةِ وَنَفثُ السِيجَارِ مَعَ طَهَ حُسَيْن.

كان يَتَأملُ الكَونَ بـ ظلمة سمائه و سواد ليله، وهو قاهر الظلام ! وطائر النُّحَام الكبير على شاطئ الخليج مأخوذ بـ توردِ بياض جسده، وانثناء جذعه، وضوء القمر على جناحه!

وصوتُ موجُ البحر يعزفُ اتصال المعرفة من (خَاْصِرَة العُرُوبَةِ وَ الوَطَنِ) إلى كل بحار العلم.
كان لـ القمرِ الأحمرِ بريقُ الذهبِ على صفحةِ الماء المظلم ! يتيه الخليج.. خليجنا العربي بجماله التاريخي! كـ آلهة الجمال الفينقية ابنة أرضه!

وطَهَ حُسِين، يَقولُ: [أَزمَة] فـ يستَعِر الموج، ويتابع [ لَا تَمِس السِياسَةَ، وَلَا تَمِس الاقتِصَادَ وَلَا يَمِس شَيئ مِنْ هَذِه الأَشَياءِ التَي نَكلَفُ أَشدَ الكَلفِ بِالتَفكِيرِ فَيهَا…]. سألهُ بعض النوارسِ المُهَاجِرة: أي أزمةٍ هي تلك التي تُحدِثُ عنها؟!

أجاب: [ التُراثُ العَربِي وَإِخراجُهُ إِلى النُورِ… “وَتلكَ الظُلمة” التَي نُحَاولُ أَن نَجلُوهَا بَينَ حِينٍ وَحِينٍ… وَأَينَ يَقعُ التُراثُ العَربِي… فِي أَكثرِ سَاعَاتِ اللَّيلِ وَ النَّهَارِ… وَمعَ ذَلِك فَأنَا أَكتُبُ حَولَ التُرَاثِ العَربِي حَفِيًا بِه! مُهتَمًا لَه].
كانت الصورة السَاكِنةُ لِـ العَمِيد تُقابِلُهَا صُورَةٌ مُتحَرِكَةٌ لـِ الطَبِيعَةِ مِن حَولِهِ، صَوتُه الفَصِيحُ مَع الجُوقَةِ المُوسِيقِية الكَونِية.

تَحدث الزِقزَاق الطائر المهاجر الآخر ذي اللونين الأبيض والأسود: يَا تُرى هل تَرَى لـ إحياء التراث العربي من فائدة في عالمنا المعاصر؟! يا دكتور طه حسين.

أنا [مُشفِقٌ عَلَيهِ أَشدَ الإِشفَاق مِنْ إِهمَالِهِ وَلَاسِيمَا فِي هَذِهِ الأَيَام التِي نُرِيدُ أَنْ نُقَيمَ فِيْهَا حَيَاتَنَا عَلَى أُسُسٍ مَتِيْنَةٍ وَنُرِيْدُ أَن نُثبِتَ شَخصِيتِنَا لِنستَطِيعَ مُقَاوَمة َمَا يُكَادُ لَنَا!
مِنْ أَلوَانِ الكَيتِ الذَي يَجِدُ فِيهِ المُستَعمِرُوَن وَأَعوَان المُستَعمِرِين!
وَلَنتَلقَى أَنوَاعَ الثَقَافَاتِ الحَدِيثَةِ مُنتَفِعِين بِهَا دُونَ أَنْ نُفنِي فِيهَا عُقُولِنَا! وَقُلُوبِنَا! وَضَمَائِرنَا! وَأَذوَاقنَا! وَشَخصِيتِنَا بِوجَهٍ عَامٍ ! ] .

قُلتُ يَا عَمِيْدَ الأَدبِ العَربِي: إِذًا إِحَيْاءُ التُرَاثِ العَربِي ضَرُورَة؟!
التفت بَعدَ نَفثَة وشَرفَة قَائِلاً: يَا ابَنَ الشَيْخِ عَلِي .

[إِحَياءُ التُرَاثِ العَربِي إِذَنْ ضَرُورَةٌ لَا تَقَبل جِدَالاً! وَلَا اختِلَافًا! بَل شَيء يُؤمِن بِه كُلُ مُثَقَف وَكُلُ آخِذ بِأَسبَابِ العِلمِ !

وَكُلُ مِن يُفكِرُ بِإِيقَاظِ الأُمَةِ العَربِيةِ وَردِ شَبابِهَا إِلَيهَا أَو رَدِهَا إِلَى شَبَابِهَا لِتَقَوى بَعدَ ضَعفَ وَتَنشَط بَعدَ كَسلِ وَتَذكُو جَذوَتِهَا بَعدَ خَمُودِ] .

تَسيرُ الأَحَادِيث وَالأَفكَار والليَالِي ، وَينقَطِع مِنهَا مَا سَيوصَل فِي ( الـحـديـث الـثـانـي ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×