هل نتمكن من معرفة كيف يتجدد نشاط الدماغ أثناء النوم؟

ترجمة عدنان أحمد الحاجي

 

مقدمة غسان علي بوخمسين، صيدلاني أول، مستشفى جونز هوبكنز

النوم عملية بيولوجية يمارسها أكثر الكائنات الحية، من ذبابة الفاكهة إلى الحيتان، وهو يندرج ضمن العمليات الحياتية اليومية الضرورية، كضرورة تناول الطعام والإخراج وغيرها من العمليات الحيوية للحفاظ على صحة جيدة ومديدة وخالية من الأمراض بإذن الله.

البحث المترجم الذي بين أيدينا، يحاول فيه الباحثون شرح عملية حيوية مهمة جداً يقوم بها الجسم أثناء النوم، وهي عملية تنظيف وتنقية الجهاز العصبي المركزي من السموم والمواد الضارة. هذه العملية كانت معروفة سابقًا، ولكن لم تُعرف تفاصيلها الجزيئية الدقيقة. هدف هذه الدراسة هو الكشف عن هذه التفاصيل الدقيقة، في محاولة لفهم العملية بشكل أفضل.

ما لفتني في هذه المقالة، كصيدلي ممارس، هو كشف الدراسة عن التأثير السلبي لأحد الأدوية المنومة الشائعة، وهو دواء zolpidem، في عملية التنقية والتنظيف للجهاز العصبي. هذا الكشف يضيف سببًا جديدًا للتحذير من استعمال هذه الأدوية لمدة طويلة، حتى لو كان لدواعي طبية وتحت اشراف طبي. ومما يستوجب التنبيه عليه أكثر هو الزيادة المفرطة في السنوات الأخيرة في استهلاك قطاع واسع من الناس الأدوية المساعدة على النوم غير الخاضعة للرقابة، مثل أدوية الحساسية، ومرخيات العضلات، والأدوية النفسية، والأعشاب.

 وهذه الأدوية لها أعراضها الجانبية العديدة، والاعتماد عليها للحصول على نوم ولو بجودة متدنية يُعد خطأً جسيمًا. بل قد لا تنتهي المشكلة عند هذا الحد، بل تتجاوزه، وذلك بسبب أن هذه الأدوية قد تتداخل مع عمليات حيوية ضرورية تجري أثناء النوم، مما يزيد من خطورة هذه الممارسة في الأمد الطويل، لذلك لابد من الحذر والانتباه من الاعتماد على هذه الأدوية الضارة بالصحة.

وأخيراً أختم بمقولة جميلة وقديمة (من زان نومه زان يومه)

الدراسة

حين تضع رأسك على المخدة لتنام هذه الليلة وتحلم بأشياء غريبة ورائعة، يعتقد باحثو علم الأعصاب أن دماغك يمر بدورة تنظيف لطيفة، فيغسل بها ما يعادل يوم كامل من النواتج الثانوية السامة استعدادًا ليوم جديد لاستشراف المستقبل.

ولكن الآليات وراء جهاز التطهير العصبوني هذا لم يوصف وصفًا تفصيليًا بعد.

قام باحثون من جامعة كوبنهاغن مؤخرًا بتوظيف مجموعة من التقنيات لتتبع الارتفاعات والانخفاضات الدقيقة في مستويات النواقل العصبية وحجم الدم والسائل النخاعي في الفئران أثناء قيامها بنشاطاتها اليومية.

لا تساعدنا نتائج الدراسة على معرفة كيف يقوم الدماغ بتجديد نشاطه أثناء الليل فحسب، بل تكشف لنا أيضًا عن جانب سلبي غير متوقع للأدوية الشائعة التي تساعد على النوم، مثل أمبيان Ambien  [الاسم التجاري لدواء zolpidem المستخدم لعلاج الأرق والمساعدة على النوم (1)].

شبكة الصرف البيولوجية في الدماغ هذه والتي تُعرف تقنيًا بـ الجهاز الغليمفاوي (2)، والذي يُطلق عليها تجملًا “شبكة الصرف الصحي [لتصريف الفضلات في الجهاز المركزي العصبي” (2)]، هي بمثابة مصطلح تشريحي مستجد في كثير من النواحي، حيث تم التعرف عليه في الفئران قبل أكثر من عقد بقليل (3).

وقد نجحت الدراسات الجارية منذ ذلك الحين في تتبع شبكة التصريف هذه في أدمغة البشر، وكشفت أن الجهاز الغليمفاوي يسحب السائل الشوكي إلى عمق الدماغ لحمل المواد التي قد تسبب الضرر، لو كانت تركيزاتها عالية، إلى الخارج. بعض هذه المواد الضارة (النفايات الدماغية) لها علاقة بمرض ألزهايمر (4).

الدراسات، التي تناولت كيف يقوم الدماغ بإخراج المواد الضارة إلى جهاز إزالة النفايات الضارة للتخلص منها بشكل إيقاعي، تشير إلى أن أنماط الموجات الدماغية، التي تُنسّق كمجموعة بواسطة خلايا عصبية، هي التي تنسق عملية التطهير هذه. بيد أن نتائج هذه الدراسات اعتمدت عادةً على نماذج حيوانية تحت التخدير، مما ترك تساؤلات عن كيف يمكن لدورة النوم والاستيقاظ الطبيعية إدارة جهازها الغليمفاوي (جهاز الحيوانات الغليمفاوي).

ليس هذا فقط، بل بدأ البعض في الطعن في بعض الافتراضات الأساسية لهذه العملية، مثل ما إذا كانت في الواقع عملية تعتمد على النوم بحال من الأحوال (5).

“الدافع وراء هذه الدراسة كان للحصول على فهم أفضل لما وراء تدفق السائل الذي يدفع به الجهاز الغليمفاوي أثناء النوم، وما إذا كانت بعض الأفكار المستخلصة من هذه الدراسة لها نتائج عامة لفهم مكونات النوم الترميمي restorative sleep  [النوم يساعد الجسم على إصلاح وتجديد المكونات الخلوية الضرورية للوظائف البيولوجية بعد أن تصبح مستنفدة طوال النهار (6)]،” حسبما قالت مايكين نيدرغارد Maiken Nedergaard،   المؤلف الرئيس والمدير المشارك لمركز أبحاث الطب العصبي الانتقالي (أو التحويلي) بجامعة روتشستر.

ولتتبع عملية تنظيف الدماغ إلى جذورها الفسيولوجية، طور الباحثون طريقة جديدة لزراعة ألياف بصرية تسمح لهم بتسجيل ديناميكيات تدفق السوائل في أدمغة الفئران وهي تجري بحرية نسبية داخل أقفاصها.

وبوضع علامة على الناقل العصبي نورإبينفرين (7) وزرع ألياف بصرية لتنشيط الجينات الحساسة للضوء المصممة في أنسجة دماغ الحيوان، تمكن الفريق من مراقبة ارتفاع وانخفاض مستوى إزالة الفضلات من أدمغة الفئران أثناء نومها وأثناء استيقاظها.

النتائج التي توصل اليها الباحثون دعمت نتائج دراسات سابقة (8) أثبتت أن النورإبينفرين يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية بشكل منتظم على مدى نبضات استمرت حوالي 50 ثانية، تليها تذبذبات طفيفة في حجم الدم في جميع أنحاء الدماغ.

العلاقة بين تذبذب مستويات افرازات الناقلات العصبية وتغير حجوم الدم كانت أكثر بروزًا عندما كانت الفئران في حالة نوم الحركة غير السريعة التي تندر فيها رؤية الأحلام مقارنة بحالة الاستيقاظ، أو في مرحلة نوم حركة العين السريعة التي تكثر فيها الأحلام (9).

وعلاوة على ذلك، فقد أثبتوا من خلال التجربة أن هذه النبضات دفعت في الواقع بالسائل الغليمفاوي إلى التوغل بشكل أعمق في الدماغ، مما يؤكد الدور الذي يلعبه النوم العميق في التخلص من المواد الضارة التي خلفها نهار من التفكير الجاد والمركز.

وتقول المؤلف الأول للدراسة، باحث علم الأعصاب ناتالي هاغلاند (10) Natalie Hauglund:  “هذه النتائج، مع ما نعرفه عن الجهاز الغليمفاوي، ترسم الصورة الكاملة للديناميكيات داخل الدماغ، وكانت هذه الموجات البطيئة، والإثارات الدقيقة، والنورادرينالين هي الحلقة المفقودة.”

ليس أي نوم مهما اتفق بغض النظر عن جودته سينفع أيضًا في عملية التطهير. واستلهامًا من الادعاءات بأن الأدوية المساعدة على النوم (11) مثل زولبيديم (1) – الذي يباع تحت اسمه التجاري أمبيان – يمكن أن تغير مراحل النوم (12، 13)، اختبر فريق البحث التأثير الذي قد يحدثه الدواء، إن وجد، في عملية التطهير، ووجد أنه يقلل من التذبذبات ويعرقل قدرة السائل النخاعي (14) على الانسياب ليجد طريقه إلى أعماق الدماغ.

إن نقل هذه النتائج إلى البشر ستعتمد على عمل المزيد من التجارب، بالرغم من أنه من المؤكد أن أدمغتنا وأدمغة الفئران تتشابه في العمل.

ولكن هذا لا يعني أن أدوية النوم لا أهمية لها، بالرغم من أن معرفة أنها تأتي مع تكلفة محتملة لقدرتنا على التخلص من الفتات العصبي اليومي قد يكون لها دورها في القرارات المستقبلية حول أفضل السبل للحفاظ على صحة أدمغتنا.

نُشر هذا البحث في مجلة سيل (15) Cell.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/زولبيديم

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/جهاز_غليمفاوي

3-https://www.science.org/doi/10.1126/scitranslmed.3003748

4- https://www.sciencealert.com/alzheimer-s-disease

5- https://www.nature.com/articles/s41593-024-01638-y

6- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK482512/

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/نورإبينفرين

8- https://linkinghub.elsevier.com/retrieve/pii/S0960982221012811

9-  https://ar.wikipedia.org/wiki/نوم_حركة_العين_غير_السريعة

10- https://www.urmc.rochester.edu/news/story/common-sleep-aid-may-leave-behind-a-dirty-brain

11- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1389945713017218

12- https://academic.oup.com/jbcr/article-abstract/36/1/137/4568880?redirectedFrom=fulltext#google_vignette

13- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/صحة-عامة/دورة-النوم

14- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/فيزيولوجيا/السائل-النخاعي

15- https://www.cell.com/cell/abstract/S0092-8674(24)01343-6

المصدر الرئيس

https://www.sciencealert.com/we-might-finally-know-how-the-brain-refreshes-itself-at-night

 

 

‫2 تعليقات

  1. الدماغ مثل القلب والدورة الدموية يعملون دون توقف ولكن عند النوم يكون العمل أقل سرعة !
    أما الاحلام فهي تأتي او تكون من العقل الباطن وتعبر مافي البال والخاطر او الوسواس والذي هو كذالك لا يتوقف عن العمل ولكن نشاطه يكون أقوى عند النوم الهادىء .. وعندما ينام المريض او الحزين او الخائف تجده يرى احلام وكوابيس وما يخاف منه ولهذا ؛ في الروايات يكره النوم مع البكاء او الحزن الشديد قبل ذكر الله مثل قراءة سورة بس (او ماتيسر) ومثل أية الكرسي !
    وكما ان بعض الادوية والاطعمة تسبب النوم مثل الحليب وربما النعناع والفوطن لانها تهدىء ؛ هناك بعض السور عندما يقراءها المصاب بالارق او التعب ينام وقد يطول نومه لدرجة الخمول مثل قراءة (سورة التوبة خاصة) وسورة يس ! ؛ يذكر احد الأطباء ان خط الكتابة للطالب او أي شخص يعكس حالته النفسية فاذا كان متقنا وجميلا هذا يدل على استقرار حالته ام إذا كان مخربطا وغير واضح فهذا يدل على حالة القلق ؛
    ولهذا حبيت اذكر سورة التوبة التي تساعد على تجميل خط الكتابة وكذالك الحالة النفسية وربما الجمال لمن اراد ومن الله التوفيق !
    أخير أي شخص يسمع معلومة جديدة عليه أن يتاكد من أهل الاختصاص قبل تطبيقها وكمثال عندما يسمع أن شرب الحليب يسبب النوم وتكون هذه المعلومه جديدة فعل من اراد الاستفادة أن يسأل عدة مصادر مثل الأطباء لان الناقل ليس مثل المصدر ، وقد يكون الحليب ليس فيه مضرة ولكن غيره فيها خطورة !

  2. هذه بعض الحلول العملية لنوم أفضل:

    1- التزم بجدول نوم ثابت:
    حتى في العطلات، لتثبيت الإيقاع اليومي.

    2- اجعل غرفتك مظلمة وباردة:
    درجة الحرارة المثلى للنوم هي 18°م.

    3- تجنب الكافيين بعد الظهر: يستغرق 8 ساعات ليختفي من الجسم.

    4- ابتعد عن الشاشات قبل النوم بساعتين:
    استبدلها بالقراءة أو التأمل.

    5- لا تُجبر نفسك على النوم:
    إذا لم تنم خلال 20 دقيقة، انهض وافعل شيئًا مملًّا.
    معلومه مفيدة تستحق التطبيق للحصول على نوم هادئ ومفيد لصحتك

    جعله الله في ميزان حسناتكم جميعا ودمتم بصحة وسلامة

    مقالات مفيدة تستحق التقدير منكم ومن كل من يسعى لنشر المعرفة والمفيدة ذات بعد علمي وموثقه من مصادر معتبرة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×