قلب مفتوح 2] الحالة الأهمّ في العناية المركزة

حبيب محمود

مثلما تُسلّم أمرك في غرفة العمليات؛ تسلّمه في العناية المركزة. الفارق؛ هو أنك ـ في الأولى ـ لا تشعر بشيء، ولا ترى شيئاً، ولا مجال لأن تقلق أو تتوتر أو حتى تفهم.

وفي الثانية؛ قد ترى وقد تسمع وقد تشعر، حتى وإن لم تُدرك أين أنت ومن يتولّى أمرك.

تخضع تماماً، تماماً تماماً. ومثل طفلٍ مطيعٍ؛ وجدتني أردّ بالإيجاب على صوت امرأة سألتني: هل تستطيع التنفس..؟

ثم قالت: سوف ننزع عنك أنبوب التنفس.. هل أنت مستعد..؟ فأجبت بالإيجاب أيضاً.

ثم قالت: نريدك أن تسعل، ليخرج “البلغم” من صدرك. امتثلتُ طائعاً، ثم انتبهتُ إلى عملية تنظيف لمحيط فمي.

ولا أتذكّر شيئاً بعدها.

(2)

في الليلة الأولى من العناية المركزة؛ انتبهتُ إلى ارتباك ممرضتين. كانتا مهتمّتين جداً، كأنما رفعت إحداهما وضع جذعي في السرير، ثم وضعت جهازاً مطاطياً على أنفي وفمي.. ثم شعرتُ بأنها تفعل ما يُشبه تحفيزاً لرئتي. كان الجهاز “يشفط” هواء الرئة على نحو خاطف، وكأنه يريد منها أن تعمل..!

كنتُ واعياً لما يجري، وخاضعاً بلا أي رد فعل.

ثم انتبتُ إلى وجود طبيب عند قدميّ.. كان يتحدث بهدوء، وفهمت من نبرة صوته وبعض كلماته أنه يوجه بإعطائي علاجاً ما.

ثم لا أدري ماذا حدث.

(3)

الملايين من البشر يخضعون يومياً للعناية المركزة في مستشفيات العالم. ما الذي يجعل من حالتك أو حالتي مهمة حتى تُروى أو تُكتب..؟

على مستوى ما يجري في العالم؛ لستَ أكثر من “جرمٍ صغير”. إنما على المستوى الذاتي “فيك انطوى العالم الأكبرُ”..!

و “الذات أسمى من الآخر”.. هكذا يقول الفلاسفة؛ وتجربة العناية المركزة لـ “سين” من الناس؛ هي أهم تجربة بشرية على الإطلاق عند هذا الـ “سين”. وبين 22 و25 يناير كنتُ هذا الـ “سين” الذي انطوى فيه العالم الأكبر. هناك الملايين مثلي، إلا أنني الحالة الأهمّ عندي. وتلك هي طبيعة البشر.

وعلى سرير المرض؛ لا قيمة لشيء في هذه الحياة. وحيدٌ في غرفة، ترعاك أيادي الممرضات، تتوالى عليك الأدوية، والإبر، وتراقبك أجهزة من حولك، لا تعرف كيف تعمل. ولكنك لو أطللتَ على نفسك من خارج الغرفة؛ لارتعبتَ.

في اليوم الثاني؛ دخلت عليّ شابة في سنّ ابنتي. عرّفت بنفسها. إنها من العلاج الطبيعي. أشارت إلى كرسيّ إلى جانب السرير. لم أره من قبل. وطلبت إليّ أن أنهض وأجلس عليه، تمهيداً لممارسة المشي..!

تململتُ من الفكرة برمّتها، وأجبتُ بالسلب.

أمشي بعد يومٍ من عملية بهذه الخطورة..؟

بعد دقائق؛ دخلَ عليّ طبيب مصري؛ وطلب إليّ الطلب ذاته، ولكن بنبرة جادة، وحازمة.. وقال “لازم تمشي”..!

إن شاء الله.

بعدها؛ عادت الشابة؛ فانصعتُ إلى ما كنتُ قد أبيته من قبل.

ثم مشيت أصعب 20 متراً في عمري كله..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×