السعوديون في الخارج.. سفراء العلم و الطموح و الابتكار

دانة العلقم
منذ طفولتي وأنا أرى السياحة على أنها بوابة الثقافات وجسر بين الشعوب، ومع الوقت أصبحت أدرك أهميتها كأداة للحفاظ على التراث و تطوير المدن.
عندما أزور أي مدينة كنت أتأمل كيف أن لكل مدينة بصمتها الخاصة، وأتساءل دومًا.. كيف يتم تنظيم هذه التجارب؟ كيف يتم تخطيط المواصلات باختلاف أشكالها وجهاتها؟ كيف يتم تقديم تجربة سياحية لا تنسى للزوار؟، هذه التساؤلات دفعتني لأخذ القرار بدراسة إدارة الضيافة الدولية في سويسرا كونها أفضل الدول لتعليم هذا المجال وكون هذا التخصص المدخل المثالي لفهم السياحة من منظور عالمي.
واكتشفت أنه ليس مجرد مجال اكاديمي، بل عالم متكامل من التخطيط و الإدارة و الابتكار. ما زاد شغفي بالسياحة هو أنني أعلم كم أن وطني يمتلك كنوزًا سياحية علينا أن نبرزها وندير تقديمها للعالم باحترافية.
في سويسرا، لمست ما تقدمه السفارة والقنصلية وكذلك الملحقية الثقافية من دعم مستمر لأبنائها في الخارج، حيث أن كل شخص يعمل في هذه المؤسسات الحكومية وبمختلف المناصب يرى أننا تحت رعايتهم وأن كل ما نمر به يعنيهم وكانوا يرحبون بنا دائمًا قائلين “حياكم أي وقت، هذا بيتكم”.
لم يكن دورهم مجرد الإشراف الأكاديمي، بل كانوا بمثابة المستشارين في كل ما يتعلق بالحياة في بلد الابتعاث، سواء في الأمور الاجتماعية، الإدارية أو القانونية، مما يمنحنا إحساسًا بالأمان بوجود عائلة وبيت يحتضننا في الغربة. هذا الدعم هو جزء من نظام متكامل يساعد المبتعثين على النجاح أكاديميًا ومهنيًا.
الابتعاث بعد رؤية 2030 ليس فقط فرصة أكاديمية، بل أصبح جزءًا من استراتيجية تهدف إلى تأهيل الكفاءات الوطنية السعودية بما يتماشى مع سوق العمل ومتطلبات تنفيذ البرامج التحولية الوطنية، و أصبح وسيلة لاكتساب المهارات والخبرات التي يحتاجها الاقتصاد السعودي في القطاعات الجديدة والناشئة.
كمبتعثة في مجال إدارة الضيافة والسياحة، أرى الابتعاث وسيلة لتأهيل السعوديين بمهارات تعزز تنافسية المملكة كوجهة سياحية عالمية. فنحن لا نمثل أنفسنا فقط، بل إننا سفراء، ملتزمين بتطبيق ما نتعلمه لتطوير قطاع السياحة السعودي.
خلال دراستي الأكاديمية، اكتسبت معارف ومهارات وخبرات من خبراء دوليين في مجال السياحة، ما جعلني أدرك أهمية الابتكار والتكيف مع المتغيرات العالمية، فعلمت كيف تدير الدول المتقدمة مواردها السياحية، وتبني استراتيجيات واضحة لجذب السياح، كل هذا شجعني على أهمية تطبيق ما اتعلمه والمشاريع السعودية.
من هنا نعلم أهمية رؤية 2030 التي نراها جميعًا كهدف أساسي وعلينا جميعا أن نساهم في تحقيق هذا الهدف كلٌ في مجاله وتخصصاته، فالرؤية لم تكتفِ بتوفير التعليم فحسب، بل أكدت على توجيه التفكير في كيفية تطبيقه لبناء مستقبل أكثر ازدهارًا للسعودية وتحقيق التحول الوطني.
كما أن الحكومة تعمل على ربط الطلاب المبتعثين بالقطاعات المستهدفة أثناء دراستهم، من خلال شراكات مع الجهات الحكومية والشركات الكبرى، بحيث يعود المبتعث وهو يمتلك شبكة علاقات مهنية وخبرة عملية تجعله قادرًا على الاندماج في سوق العمل فورًا.
إحدى أهم الفرص التي استفدت منها كانت تجربتي كسفيرة لنيوم في جامعتي، حيث اكتسبت مهارات قيادية وبنيت شبكة علاقات مهنية واسعة. هذه التجربة منحتني خبرة عملية أهلتني للدخول لسوق العمل، كما منحتني الفرصة لحضور أهم المؤتمرات كسوق السياحة العالمي في لندن ومنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس ومعرض برلين الدولي للسياحة وغيرها الكثير.
قبل الابتعاث، كنت أعتقد أنني أعرف نقاط قوتي، لكن التجربة كشفت لي أبعادًا جديدة عن نفسي. تعلمت التكيف مع البيئات الجديدة، وإيجاد الحلول بدلًا من الاستسلام للصعوبات. من ناحية أخرى، الابتعاث علمني أن الحياة لا تسير دائمًا كما هو مخطط لها، وأن القدرة على التكيف مع التغيرات هي مهارة لا تقدر بثمن. في البداية، كنت أشعر بالإحباط عندما أواجه عقبة غير متوقعة، لكن مع مرور الوقت، تعلمت كيف أكون أكثر مرونة، وأبحث عن الحلول بدلًا من التركيز على المشكلة نفسها.
الطلاب المبتعثين اليوم لا يعودون فقط بشهادات، بل يعودون بمهارات القيادة، التفكير الاستراتيجي، والتعامل مع الثقافات المختلفة، مما يجعلهم مؤهلين للمساهمة في تطوير القطاعات الوطنية بأساليب حديثة وعالمية.
في يوم التأسيس، أجدها فرصة للتعبير عن امتناني لوطني، المملكة العربية السعودية، التي منحتني هذه الفرصة الثمينة لخوض تجربة الدراسة في الخارج. الابتعاث بالنسبة لي رحلة تطور ونمو، أكسبتني مهارات وخبرات لن أنساها مدى الحياة. ونحن كسعوديين، نتبنى رؤية تقودنا إلى التفوق في جميع المجالات وذلك بفضل رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي يلهمنا جميعًا كشباب سعودي طموح. كما أشكر كل من كان له دور في دعمي خلال هذه الرحلة، أتمنى أن أكون خير سفيرة لبلدي وأن أحقق إنجازات تعود بالنفع للمملكة دائمًا.