نجم آل خميس.. بداية فقيرة.. وحياة احترمت الفقراء رحل الخميس تاركة بصمات حياة توزّعت بين تاروت والبحرين
سنابس: ليلى العوامي
لم يكن الخميس الماضي، يوماً عادياً في القطيف ضواحيها، إذ عمّ الحزن أرجاء المحافظة، وكان مصدره سنابس بجزيرة تاروت، بعد إعلان خبر وفاة الحاج نجم حميد خميس آل خميس، إحدى الشخصيات المعروفة في القطيف والبحرين.
في ذلك اليوم، ملأت الدموع أعين كل من عرف الفقيد أو سمع عنه وعن أعماله.. في ذلك اليوم، ترحم الجميع على الحاج نجم، سائلين الله أن يغفر له ويجعل مثواه جنة الخلد، نظير ما قدم لوطنه وأبناء منطقته من خير وفير، وأعمال جليلة.
ما في جيبه.. لغيره
وعندما بدأنا في “صُبرة” رصد السيرة الذاتية للفقيد، متتبعين مراحل حياته، لم نكن نتوقع هذا الإجماع من أبناء “نجم” وأصدقائه ومعارفه على صفات الرجل وخصاله، واصفين إياه بأنه إنسان مؤمن بربه أشد الإيمان، خيّر، كريم، مرح، عطوف، معطاء، ما في جيبه ليس له، وإنما للأرامل والمطلقات والفقراء، يعشق الصدق والمساواة والعدل، ويكره الكذب والظلم والخداع، فضلاً عن كونه أباً وزوجاً مثالياً، يدرك قيمة الأسرة، ويقدر مكانة الشباب في بناء أي أمة.
وبقدر الحياة الصعبة والفقر، التي نشأ عليها “نجم” مع أسرته في القطيف، ثم البحرين، بقدر النعم التي رزقه بها الله، عندما عاد مرة أخرى للقطيف، للعيش فيها، مُسخراً نفسه في خدمة مجتمعه، ليبقى الحاج نجم اليوم علماً على رأسه نار، في القطيف، يعرفه الصغير والكبير.
عائلة بسيطة
ينتمي الحاج نجم، لعائلة بسيطة، لم تتخد من غناها وسيلة للشهرة والذيوع، بقدر ما اتخذته طريقاً لحب الخير، ومساعدة الناس، عمل والده بمزرعته بتاروت إلى جانب تربية الحيوانات مثل الأبقار، وبسبب بعض الظروف، أضطرت العائلة للهجرة إلى البحرين، فذهب نجم مع والديه للعيش هناك.
وكانت أمه متزوجة سابقاً برجل من عائلة “الخضيمي”، توفي بعد أن أنجبا ولداً اسمه “مبارك”، لتتزوج بعد ذلك من حميد خميس آل خميس، وتنجب نجم حميد خميس.
من الصفر.. في البحرين
في البحرين، بدأت العائلة حياتها من الصفر، وعاشت حياة صعبة، فقد عمل والده حميد (حمالي) لدرجة أن قوت يومه، كانت حبة من التمر، لكنه جاهد من أجل كسب الرزق لأسرته.
توفي الحاج حميد، وذهب الأخوال لأخذ نجم والعودة به إلى تاروت، بعد أن أنهى الإجراءات الرسمية، واستخرج حفيظة النفوس، وهناك عبارة كتبها نجم تحت صورته في حفيظة النفوس، التي قام بتكبيرها وتعليقها بمنزله، وتقول العبارة: “من هنا بدأت رحلة حياتي إلى طريق مجهول، لا يعلم خفاياه إلا الله سبحانه وتعالى، البداية كانت بأن أعود إلى البحرين، حيث تركت أمي وأخي رحمهما الله، ولكن مشيئة الله وعطف وحنان أهلي وأقربائي هنا في القطيف، حال بيني وبين العودة إلى البحرين، أما النتيجة، فكانت حياة سعيدة جداً لنا جميعاً، إذ بعد مضي عام تقريباً على التحاقي بشركة أرامكو، بعثت برسالة إلى أخي من أمي مبارك الخضيمي رحمه الله، بأن يهيئ نفسه ويأتي مع أمنا العزيزة إلى هنا بالقطيف، وهذا بالفعل ما حصل وتكللت العودة للوطن بالنجاح، وذلك في يونيو من عام 1955م”.
البداية من تاروت
جلس نجم في منطقته تاروت (سنابس)، وبدأ من الصفر في بعض الأعمال، لكن الحياة فتحت له أبوابها، وبدأ حياته العملية بشركة أرامكو السعودية، وكان نجم مكافحاً، ويحب العمل، وتزوج من امرأتين من البحرين، وثالثة من السعودية (ابنة خاله)، وأنجب 9 ذكور و٦ اناث، نشأوا جميعا على التسامح ومساعدة الأخرين وحب العلم والتعلم، وهو ما ساعده على تكوين أسرة مترابطة، يحترم بعضهم بعضاً، ولا يقبل الشقاق والخلاف بينهم.
ولم ينس نجم هواياته، فهو محب لتربية الطيور، كان يربيها في حديقة منزله، وتوارث عنه أولاده هذه الهواية، كما كان يهوى كتابة المقال، وصدرت له مقالتان في مجلة “قافلة الزيت” التي تصدرها أرامكو.
لقب آل خميس
ولنجم قصة مع لقبه. ويقول ابنه محمد: “كان والدي صغيراً حينما عاد إلى المملكة، حيث ذهب لإصدار بطاقته، سأله الموظف عن اسمه فقال له: “نجم حميد خميس”، ونسي لقب عائلته وهو “بن جمعان”، فكتبه الموظف نجم حميد خميس آل خميس.
وهناك قصة أخرى لنجم مع لقب عائلة زوجته. ويقول ابنه محمد أيضاً: “جدي لأمي كان حينما يُنجَب له ولد، يموت، وفي زمن والدي كانوا يلبسون ثوباً له كُم واسع، اسمه “الثوب الحساوي”، فنذر والدي إذا أعطاه الله الولد، سيلبسه ثوباً حساوياً، وبالفعل استجاب الله له، وأنجب ولداً، وأوفى الأب بالنذر وألبسه الثوب الحساوي، مما جعل الناس ينتقدونه ويلقبونه بـ”الحساوي”، فجرت عليه، ونسي اللقب الرئيسي لعائلة الأم، وهي “بن جمعان”.
شهادة الدكتورة سلوى
وتقول ابنته الدكتورة سلوى “توفى والدي يوم الخميس الماضي، عن عمر يناهز ٨٢ عاماً، قضى ربعها الأول يتيم الاب في البحرين، عمل بكل جد واجتهاد، ليُبعد الفقر والفاقة عن أمه وأخيه غير الشقيق، تعلم القرآن في وقت مبكر، والتحق بالمدرسة، إذ كان حريصاً على العلم، بالرغم من قسوة الحياة وشظف العيش، عاد الى الوطن، واشتغل بشركة أرامكو، وتدرج في عمله بالشركة، وعاش ربع حياته الثاني في قرية سنابس، يحمل هموم الناس والمنطقة، كان كريماً معطاءً، لا تعلم يسراه ما تقدمه يمناه، وكان حريصاً كل الحرص على العلم، لم يرض لابنائه مستوى تعليمياً، اقل من الجامعة، حتى صنع منهم الدكتور والمهندس والطبيب والمتخصص”.
وتضيف سلوى “كان الوالد انساناً متسامحاً كثيراً، يشهد الجميع بانسانيته، يحب الحق، ولا يقبل الباطل”. وتتابع: “قضى والدي الربع الثالث من حياته في مدينة الدمام، يعرفه القاصي والداني، يحترمه الناس من جميع المذاهب والملل، يكره العنصرية والفرقة، يُجالس الناس البسطاء والمشايخ، وكان كريم الاخلاق، قريباً من ربه في عباداته وعطاءاته، وعاش ربع حياته عمره الاخير بين الدمام والبحرين، ورغم ذلك، لم يكن بعيداً عن أسرته، بل كان حريصاً على أن يتواجد معهم وبينهم في كل المناسبات، يتفقد أبناءه وأحفاده، وأبناء أحفاده، يحترم الكبير منهم، ويحنو على الصغير، كان يعتبرهم أهم انجازته في الحياة”.
وتابعت سلوى “لا يتردد والدي في مساعدة المحتاج، كما كان يساعد كل من يلجأ اليه، يده ممدودة دائماً، لا يرد طالباً، كان قريباً من ربه في جميع عباداته، حتى وهو في أصعب حالاته المرضية، لا يصلي إلا في المسجد، يحفظ جميع الادعية والأذكار عن ظهر قلب، حريص على أداء الفرائض والنوافل، ملازم لكتاب الله في القراءة، وعندما أنهكه المرض في أيامه الاخيرة، وبالرغم من ذلك، لم يكن يشتكي ولا يتململ ذكر الله على لسانه، والحمد والشكر، ديدنه حتى وافته المنية حامداً لربه راضياً بقضائه”.
حس فكاهي
أما ابنته “أم يحيى”، فقالت: “الوالد ـ يرحمه الله ـ كان عنده حس فكاهي، يحب أن يمزح مع الكبير والصغير، كريم جداً لأبعد الحدود مع الجميع، محب للأعمال الخيرية، لدرجة أنه كان معروفاً عند الجمعيات الخيرية بعطاياه، وهو أيضا كافل للأيتام، بنى مستوصف “طب الهادي” بسنابس لمساعدة الناس في منطقته، وجهزه بطاقم طبي وأجهزة، وجعل رسومه قليلة”.
ويعاود ابنه محمد الحديث مرة أخرى قائلا: “أبي لا أعداء له، متسامح ومساعد للجميع، ويداه سخية جداً، ارتبط بمنطقة سنابس، التي ارتبط بها حتى آخر أيامه، استثمر في أعمال الخير، وهو اليوم شخصية معروفة في سنابس، ويكفي أنه مؤسس نادي النور، ورئيسه الأول، في منتصف عمره، وعرف عنه الصلاح، يقوم بمهمات صعبة لمساعدة أبناء المنطقة”. ويتابع “أتذكر قبل ما يقارب 45 سنه كيف كان يسعى لتحصيل المساعدات المالية اللازمة لإنشاء نادي النور، ورافقته في الذهاب لمنطقة الخبر، لتحصيل مبالغ من بعض الرياضيين هناك، حيث واجهتنا صعوبة في يوم شديد الحرارة، كدنا نموت عطشاً بعد أن علقت سيارتنا في الرمال، ورغم ذلك، أصر على إكمال الرحلة، والحصول على دعم الرياضيين”.
ويضيف محمد: “كان أبي معروفاً في منطقه البحرين، وخاصة سترة، فلديه زوجتان من البحرين، مساعداته الخيرية هناك معروفة. وكان ملازماً على التصدق للفقراء، حتى انه في آخر حياته، كان عنده إصرار على ان إيصال تبرع إلى مسؤول في المسجد الذي كان يصلي فيه في كل أسبوع، مع العلم ان ذاكرته كانت ضعيفة، بسبب استعمال الأدوية الكيميائية لعلاج مرض السرطان، كان في كثير من الاحيان، يقول لزوجته “أم حسين” “خذي النقود للفقراء”، وترد عليه “أعطيناهم من أسبوع فقط”، وبعد فترة بسيطة، يكرر الطلب نفسه منها، لانه لا يتذكر”.
زملاؤه يترحمون عليه
وقال محمد علي تلاقف عن صديقه نجم: “هو أول رئيس لنادي النور، دفع الكثير من ماله الخاص، لتسجيل النادي في الرئاسة العامة للشباب آنذاك، شخصية محبوبة من الجميع، لدماثة خلقه وحسن طباعه والابتسامة لا تفارق محياه, كان ضمن الوفد المسافر للرياض قبل ٦ سنوات تقريباً، للقاء الأمير نواف بن فيصل للمطالبة باستكمال منشآت النادي، وكان ذلك في رئاسة أبو رياض العبيدي، أسأل الله أن يرحمه يغفر له”.
أما صديقه الآخر هلال آل احبيل (أبو صدقي)، فيقول: “هو مُحب للشباب، ويرى أنهم عماد أي أمة، له صفات أعجز عن ذكرها، وهي من سجاياه المميزة، حزنت جدا لمرضه ووفاته زادتني حزناً، نذر نفسه في خدمة النادي، كان يعمل بلا كلل”.
رئيس نادي الهلال
ويمتدح ميرزا آل حسن الجهود التي بذلها صديقه الحاجج نجم في القطاع الرياضي، لخدمة منطقته، ويقول: “هو آخر رئيس لنادي الهلال بسنابس الذي تم تغيير اسمه لاحقا إلى نادي النور، وبالتالي هو أول رئيس للنور، ويعتبر أحد الرموز الرياضية المعروفة بالمنطقة، وصاحب فكرة تسجيل النادي لدى رعاية الشباب، كان يذهب مع بعض الاخوة لمتابعة المعاملة، وغم العقبات، تم تسجيله، كان سخياً وكريماً مع ناديه، يدفع من جيبه الخاص لشراء مستلزمات النادي واللاعبين بمختلف الألعاب، كان ينتقل من العمل مباشرة إلى النادي، وأحيانا يترك زوجته (ام محمد) في سيارته، لساعات على باب النادي، لانجاز ما يمكن انجازه، وكنا نلتقي معاً في النادي أو في مجلسه أو مزرعته المنزلية، حيث تظللنا شجرة العنب، ونتناول وجبة الإفطار أو الغداء، وشخصياً اعتبره معلمي، علمني حب الناس والتواضع والاخلاص ومحبة النادي والناس، باختصار هو رمز من رموز المحافظة”.
وأضاف آل حسن: “بعد سنتين من تسجيل النادي، ولظروف خاصة، استقال من رئاسة النادي، لكن اتصالاتنا وتواصلنا معه لم ينقطع قبل وبعد مرضه، كنت اسأل عنه، في يوم وفاته، جاءني الخبر كالصاعقة، ففرت من عيني دمعة حزن، حضرت مراسم تشييعه ودفنه، رغم حالتي الصحية الصعبة، لأنه أخ أحببته وأحبه الناس، لحس خلقه، لم يتعال على أحد، بل كان متواضعاً وسنداً لي وللجميع”.