ما الذي يجري في السعودية…؟!
حبيب محمود
تحوّلاتٌ عميقة، ولكن على طريقة مؤسسات الدولة، لا على طريقة الذين يصنّفون أنفسهم معارضين. هذا ما يجري في المملكة العربية السعودية راهناً. ولا يبدو أن في الأمر سرّاً، أو غموضاً. وليس على سقف التوقّعات أن يتردد في فهم المستقبل الآتي، المستقبل القريب، لا المتوسط، ولا البعيد..!
تحوّلاتٌ عميقة جداً في دور هذه المؤسسات في الناحية الاجتماعية على وجهٍ خاصّ. الدولة رفعت قيوداً كثيرة خلال العامين الماضيين. بصيغة أخرى؛ كفّت أيدي المتشدّدين عن التدخل في شؤون الناس. ومعضلة المعضلات ـ في السعودية ـ كانت تتركّز في تغلغل هؤلاء المتشدّدين في مفاصل مؤثرة حتى في التشريعات والتنظيمات. هذه التشريعات صنعت ألواناً من الرُّهاب والتابوهات، وضربت أسواراً وهمية لا وجود لها إلا في عقول من يظنّ أنه مندوبٌ من الله، سبحانه وتعالى.
ومن الطبيعيّ أن يصنع مثل هذا الواقع معارضاتٍ تتخطّى الرأي الاجتماعي إلى الرأي السياسي. فيظهر من يصنّفون أنفسهم معارضين سياسيين ليحمّلوا الدولة مسؤولية أخطاء المتشددين، حتى في أمور ليست من السياسة في شيء..!
وعلى هذا كان المطالبون بالتغيير يخلطون حابل السياسي بنابل الاجتماعيّ. ومن يقرأ خطاب المعارضين يُمكنه فهم كيف أن التعبير عن الرأي الاجتماعي يقفز إلى “هجاء” السياسة العُليا، وعلى طريقة: يجب أن تفعل الدولة، ويجب ألّا تفعل الدولة، ويجوز لها كذا، ولا يجوز لها كذا..!
ومثل هذا الخطاب لا يرضى عن الدولة حتى لو غيّرت وعدّلت واتجهت إلى الهدف نفسه الذي يسعى إليه المعارضون. وهذه المناكفات سوف تستمرّ في التوالد حتى وإن اتّبع الوطن ملة المعارضين أنفسهم، وفعل ما يشتهون.
الإصلاحات في الداخل السعودي واضحة، واضحة جداً، ويوماً بعد يوم تُبعد مؤسسات الدولة نفسها عن التدخل في شؤون الناس اجتماعياً، ليمارس كلٌّ منهم دوره ضمن حرّيته التي لا تمسّ حرية الآخرين. وإذا تربّى المجتمع على هذا التفكير؛ فإنه يتحضّر ـ عملياً ـ لما هو أشدّ حساسية من الحريات الاجتماعية..!
إذا آمن السعوديون بأن حرية كل فردٍ منهم تنتهي عند حرية الآخرين؛ وإذا فهموا ـ عملياً ـ بأن الرجل والمرأة إنسانٌ معاً، وإذا سقطت شوفينيات اللون والقبيلة والإقليم والمذهب.. إذا وصلوا إلى هذا المستوى من النُّضج، وسقطت تابوهات الوهم التي كرّسها المتشدّدون في الأجيال؛ فإن مستقبلهم ماضٍ إلى ما هو أفضل..!
وفي مرحلتنا الراهنة؛ تعيش السعودية تحوّلاتٍ جديدة، تحوّلاتٍ بدأت بتحجيم مستوى التشدُّد، واتخاذ قراراتٍ شجاعة لم تكن تخطر على بال، حتى في الماضي القريب..!
تحوّلات عميقة؛ علينا أن نضاعف استعدادنا لها.