المنجور يأتي بالمخالف والمختلف وينسحب من المدنية.. ويتلو نصوصه.. منتصباً شعر وموسيقى وجمهور يُجيد الإنصات في أمسية منتدى اليراع

القطيف: ليلى العوامي

شعر وموسيقى، وجُمهور يُجيد الإنصات، وشاعر يُريد أن يغيّر عادة مناسبات الشعر في القطيف. وبدلاً عن جلوسه إلى منصّة، يجاوره وصيفٌ يُقدّمه؛ وقف حسين المنجور منتصباً، وعن يمينه العازف طيلة الأمسية التي نظمها منتدى اليراع، واستضافها مقرّ الرواد في حي الشاطيء القطيفي، مساء البارحة.

كأنها أمسية شعر خاصة بـ “الومضة الشعرية”. المنجور الذي بدأ الكتابة منذ سن الـ 13 في قريته الريفية، أم الحمام، قبل 30 عاماً؛ وقف البارحة أمام ناس الشعر، وحاول ـ حسب ردّه على أسئلة صُبرة ـ “التخفف من المدنية بشكل انسحابي”.  وقال “عانينا بنوع من الاغتراب في المقاهي والمدن الحديثة.. نحن أبناء القرية متى ما وجدنا الأماكن البسيطة جداً في المقاهي الشعبية (القهوة) وليس (المقهى) بجسيماته الحالية؛ فإننا نكون أكثر إبداعاً.. أنا هربت من المدنية إلى القرية”.

أنا أغرق

وعن الإنسان في قصائده؛ قال “الإنسان هو الأول في كل شيء، فليس هناك قصائد دون إنسان.. فالطبيعة معبرة عن الإنسان وليس الإنسان معبراً عن الطبيعة.. أنا أغرق في الطبيعة، ففيها إحساس”.

وقال “نصوصي معاصرة وبعيدة عن المدارس الشعرية المختلفة.. المدرسة الرمزية عندي تحولت إلى شيء من التراث.. ومعظم نصوصي ترمز إلى الإنسان وبساطته”.

وسألناه عن عدم استماعنا في نصوص الليلة عن المرأة فأجاب “لست بالشاعر الميال إلى التغزل بالمرأة، ولكن في الفترة الأخيرة أرى أن التعبير عن الألم يشمل الذكر والأنثى في مجتمعنا، فأصبح التعبير عن المرأة ينسحب إلى الرجل والعكس صحيح.. الحس تجاه الشيئ يسقط في الشيء الموازي له”.

وعن الخيال قال “أي كتابة هي انفصال عن الواقع مكانياً واستحضار الواقع من جديد ممازجة بالخيال.. فأنا أميل إلى تخليص النص الشعري وغربلته من الموسيقى المثقلة له.. فكلما تخفف النص من الموسيقى زادت شاعريته.. إنهما فنان منعزلان، فمن يمتلك أذناً موسيقياً وحساً شعرياً سيعرف أن لكل واحد منهما عالمه”.

شذرات

هذا ما قاله الشاعر عن شعره. أم الحضور فلهم كلمتهم أيضاً. ووصف الشاعر غسان الخنيزي الأمسية بأنها “كانت جميلة وتجربة الشاعر كانت مميزة بنصوص قصير قد نسميها بـ “الشذرات” تميزت بالتواضع في الروح،  بطرح مختلف.. فكرة موقف الشاعر من الحياة اللامبالاة الجادة في رشاقة كبيرة في التعبير، وهي ما تعرف برشاقة المخيلة.. وبالتأكيد التجربة تضيف إلى التنوع الموجود لدى الشاعر.. وتجربة المنجور تجربة ممتدة في التطور وهذا ما شعرت به”.

تضاد

أما الشاعر فريد النمر فقال “أمسية رائعة فارعة وجميلة بالنصوص التي قدمها الأستاذ المنجور.. أوصلنا إلى الذائقة العليا.. الى قصيدة النثر والموضة المكثفة.. وأدخلنا الى التضاد الفكري داخل النص الواحد، في الصورة والمعاني التركيبية.. لعلها هزة لوجدان الشعراء والمتلقين.. وهذا ما احسسته هذه الليلة مع التناغم الموسيقي”.

جو مُحزن

الشاعر والمترجم رائد أنيس الجشي قال “أمسية قُدمت بشكل مختلف ومغاير.. أعتقد أن الشاعر قدم فيها أكثر من تجربة.. ومن رأيي الشخصي كانت الموسيقى جيدة، ولو كانت منفصلة لتمتعنا بالتنوع الذي قدمه الشاعر المنجور، بحيث كانت الموسيقى متجهة لجو محزن كثيراً، وهي جميلة لكنها ضغطت على المشاعر الأخرى للشاعر”.

في حين قال الشاعر علي مكي الشيخ “المنجور الشاعر ينفتح على فضاء الحرية الفكرية وهو يشعرن بياض النص ليلة حالمة بين الحرف والموسيقى.. لامس الشاعر خلالها ذائقة الحضور بالكثير من الجمال”.

التفاتات

معلم اللغة العربية حسين الفرج؛ قال “أمسية رائعة حقا.. المنجور استطاع جذب أنظار الجمهور الذي تفاعل معه بشكل واضح، عشنا متعة جمال اللغة وانسياب الأفكار والخيال السابح الذي سافر بنا حيث رقة الكلمات وعذوبة الإلقاء”.

وعلى الجانب النسائي قالت الشاعرة ريم مال الله “لأول مرة أحضر للشاعر وأعجبتني قصائده، وجدت أن لديه التفاتات جميلة وتشبيهات جميلة، والحضور جميل جداً.. وأنا من عشاق الومضات التي تميز بها لأنها مختزلة.. كلمتان ثلاث تفسر لك آلاف المعاني.

 

من نصوص الأمسية

كُنَّا

كنا صغارا يسكرنا الهواء كما يفعل بالطائرات الورقية

مرحين كفراشات ما بعد الغبش بملابس تقطر ضحكاً بين الأزقة الترابية وأفياء السدر واللوز

 نتقافز كانفجارات قطرات المطر في برك الماء الصغيرة

وترتعش مفاصلنا باللذة الباردة لدغدغة النسمات كنا حيث لا شيء

كتلك الطمأنينة التي كانت تعبث بنا

وحشة البحر

ليس للبحر أخوة وليس له أصدقاء

ليس للبحر الا المساكن والأغنيات الحزينة والغرباء

في الماضي

سقتُ قطيعا من الذئاب

 في ليلة حارة

أتذكر جيدا ذلك الغروب

وحفنةً نبّاحة

 لم يكن يعجبهم إلا صوتي الأجش

مررنا بساقية تائهة

كان يغازلها صبيان

عندما لمحانا ارتجف الكبير كمن رُش بثلج

بيد أن الصغير ربط قلبه بعصا غليظة

وشتتنا

كان صغيرا ومنتصبا كإله

مزقنا كريح ونكاية بذلك عبدناه

ذبابة الفلم

الذبابة التي تسللت من الفلم

 وطنّت بخفاء

أربك جسدي الساكن

بصعقة خوف وهمي

جعلني أنتفض وأنا أكشها

 أعادت الكرة ثانية

وكأنها نسر يحوّم حول فريسة

مما اضطرني أن ألوّح بعصبية

 لطردها

ها هي قد رجعتْ داخل المشهد

لتكملَ الفلم

ولتجلسَ بتهذيب مفرط

وهي تحك ذراعيها بصمت

فوق أنف الكلب الميت

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×