[مقال] أثير السادة: حبيب.. على بوابة الذاكرة
أثير السادة
من بين الأسماء الدارجة في هذه الجغرافيا المطلة على البحر، بحر الحزن وبحر المغامرات، يتقدم اسم حبيب، يحدث أن تقع على هذا الاسم في ممرات الحياة هنا كثيرا، فإن كنت ممن لا تحضرهم كربلاء، ستحسب أن رغبات الحب ترسم لوحات من الرومانسية على باب الأسماء، وستذهب مخيلتك باتجاه الشرفات التي تذكرك بكل قصص الحب في الذاكرة العربية..
في حضرة “حبيب” الاسم أنت تقف على تخوم التاريخ، تصغي عندها إلى وقع النصال على النصال، حيث الريح تحمل قصصا عن ساعات التضحية في حصار الموت، هنا حبيب يختلف عن حبيب المعاجم اللغوية، وعن حبيب الذي تألفه الجالية الباكستانية والهندية، وهي تنتقي أجمل الأوصاف في لغتنا لتهبها لأبنائها..حبيب الذي يسكن ذاكرة الآباء والأجداد هو حبيب المقاتل، ذلك الرجل السبعيني الذي نسي كل ملامح العمر وراح يكتب أشواقه للنهايات على تراب كربلاء.
حبيب بن مظاهر أو مظهر، واحد من أولئك الذين تستذكرهم السيرة العاشورائية بكثير من التبجيل والتقديس، باعتباره بطل من أبطال الموقف والحدث وهو يترجم سطوره التي كتبها في مراسلاته إلى الإمام الحسين إلى مشهد مفتوح على عناوين الثبات والتضحية وصدق الموقف..صورة حبيب في المرويات من صور الحالمين بالشهادة، الهاربين من واقعهم باتجاه البحث عن واقع بديل، ولو في بياض الأكفان، انتخبه الناس إلى جانب عدد قليل من الأصحاب والأنصار الذين توافدوا للنصرة ليكونوا أصحاب حظوة في ليالي المصيبة..يحفظون له مواقفه عن ظهر قلب، ويستعيدونها في ليلة بها قسط كبير من الفخر والاعتزاز، والحماسة والبطولة التي جعلت منه علامة حاضرة في بحر الحزن الكربلائي.
حضوره الكثيف في الذاكرة الشعبية هو ما يفسر هذا الاقبال على التسمية باسمه، بل واسم أبيه وإن كان بأقل شهرة من حبيب، سيصيبك الشك كلما وقعت على اسم حبيب في مكان ما، شك في هوية الاسم، ودلالته، لأنك منغمس في هذه الذاكرة التي ستترك أثرها في طبيعة تعاطينا مع الأسماء، بمثل ما تركت أثرها في طبيعة تعاطينا مع التاريخ وحوادثه.
بات حبيب اليوم صورة لها طاقة أسطورية، لفرط الانشغال في سردها، واستعادتها عبر الخطب والمراثي، صار في السرديات الشعبية هو حامل سجلات الزائرين للعتبات، فهو “القلب العطوف”، و”مسجل الزوار”، الذي يختار الضيوف والزائرين في كل عام، وهو الذي يزاحم تلك الأسماء الدينية الدارجة في بيئة محمولة على الافتتان بذاكرتها.