[مثل] إللّي ينوحْ، واللّي ما ينوحْ؛ ياكلْ عيشْ لـِحْسين..! من أين جاءت كلمة "عيش"..؟ وهل هي فصيحة..؟
القطيف: صُبرة
معنى المثل أن الذي يبكي والذي لا يبكي يأكل من الطعام الذي يُوزَّع في مأتم الإمام الحسين.
ويُضرب المثل في المساواة غير العادلة بين الناس، واحتجاجاً على المساواة غير العادلة بين باذل الجهد والمقصّر. فالذي لا يبذل جهداً يُساوَى بمن يبذل، ويحصل على مثل ما يحصل عليه.
من أين جاء المثل..؟
وُلد المثل من رحم العادات وفلكلور المجتمع الشيعي. و “عيش الحسين” و “عيش النبي” و “عيش الإمام” و “عيش الوفاة”.. كلها مسمّيات لذلك الطعام الذي يُطبَخ ويُوزّع على الناس باسم صاحب المناسبة، كنوع من “البركة”.
وفي ذِكَر وفيات النبي وأئمة الشيعة كلهم؛ يحتفلون بإظهار الحزن والامتناع عن إظهار الفرح. ويُقيمون مجالس عزاء يخطب فيها خطباء مهمتهم إبراز العِبرة واستنطاق العَبرة. فيبكي حضور المجالس متأثرين بما يقدمه الخطيب.
وبعد نهاية الخطبة، تهدأ النفوس، يحضر الطعام فيأكل جُمهور الخطبة “المـِسْتِمْعهْ”. ولا فرق بين من بكى متأثراً وبين من لم يبكِ..! برَكة الطعام لا تفرق بين حابس دمعة ومُجريها..!
طعام المناسبات الدينية
من حيث المنشأ؛ تُشبه عادة الإطعام في المناسبات الشيعية؛ عادة الإطعام والولائم لدى القبائل العربية. كلتا العادتين نشأت في زمن الفقر والجوع واستمرّت حتى زمان الرفاه..!
لدى القبائل؛ يعني وجود ضيف إطعامَ القبيلة كلها، أو الحي كله. وهي فرصة للفقير والمسكين ليشبع، كما هي فرصة للميسور ليشارك. الأغنياءُ يطربون بالبذل، ويسجّلون ذلك باسمهم إكراماً لضيوفهم..!
ولدى الشيعة؛ تعني مناسبة “الوفاة” مثل ما يعني وصول ضيفٍ لدى البدو. فالأغنياء سوف يُطعمون الجميع، فقراء وميسورين، باسم النبي، أو باسم الإمام علي، أو باسم الحسين.. وهكذا..!
كان ذلك في زمن الجوع، واستمرّ حتى زمن الشبع. وبعد أن كانت الوجبات تُقدَّم في أماكن إقامة العزاء؛ باتت تُوزّع على البيوت، بلا استثناء. وفي الأيام العشرة الأولى من محرم، بالذات، بإمكان المنازل، كلها، أن تستغني عن الطبخ تماماً..!
وبعد أن كانت الولائمُ يموّلها الميسورون المقتدرون من التجار والملاّك؛ بات بإمكان الجميع أن يشارك، عبر الهبات والنذور وما يُشبه الاشتراكات المدفوعة، حباً في الحسين..!
وهكذا؛ تمرّ أيام عاشوراء والجميع يأكل “عيش الحسين”، من يبكي ومن لا يبكي، ومن “يتسمّع” ومن لا “يتسمّع”.. من يهتم بالحسين ومن لا يهتم..!
عيش..!
يستخدم سكّان المنطقة الخليجية كلمة “عيش” بدلاً عن كلمة “رز” أو “أرز”. وهي كلمة فصيحة تماماً، وليست عامية. وتعني في اللغة الطعام الرئيس لدى الناس.. وجاء في “لسان العرب” لابن منظور “يقال عَيْش بني فلان اللبَنُ إِذا كانوا يَعِيشون به، وعيش آل فلان الخُبز والحَبّ، وعَيْشُهم التمْرُ، وربما سمَّوا الخبز عَيْشاً. والعَيْش الطعام؛ يمانية. والعَيْش المَطْعم والمَشْرب وما تكون به الحياة”.