تعديّات على آثار القطيف.. من الطارق..؟ ومن السارق..؟ قصة مغفولٌ عنها يشوّهها عابث.. أو تاجر تحف.. أو مصوّر...!
كسر سلاسل واقتلاع أبواب ونوافذ وسرقة ممتلكات
القطيف: فيصل هجـول
أبواب، نوافذ، قطع زخرف جبسية، صناديق، أوانٍ.. كلُّ شيءٍ يمكن اقتلاعه. مفقودات من بيوت محسوبة على الآثار، مبانٍ لها قصص، وتاريخ، وفيها بصماتٌ واضحة من معمار الأسلاف. لكن ما يحدث لها يكاد يكون ضمن دائرة “المسكوت عنه”.. أو “المغفول عنه”.. تلك بيوتٌ قديمة، لا أحد يشعر بما تفقده، بين آونةٍ وأُخرى.. إلا أصحابها..!
في هذا التحقيق؛ قصةٌ تسردها “صُبرة”.. من شهودٍ على تفاصيلها، من ألسنة أعضاء في فريق توثيق القطيف..
معلم أثري
“أشهر من نار على علم” مقولة نستطيع تطبيقها على مجمع البيوت الأثرية الواقعة في قلب القطيف، وتحديداً في المكان المعروف بفريق ” السدرة” في القلعة. لا يقل عمرها عن 350 سنة. وبحسب الوثائق والشاهد الشاخص أمام الناس؛ فإن هذه البيوت تُعتبر من أهم المعالم المتبقية من تراث القطيف التي ما زالت شاهداً حياً على معمار المحافظة القديم، ونمط حياة لإسلافنا.
يتكون المجمع من 4 بيوت، هي: بيت الدعلوج، بيت الجشي، بيت المصطفى، بيت خميس بن يوسف. والشكل الخارجي للمنازل الأربعة مرئيٌ لدى العامة والمارة من الناس، إلا أن ما تحتويه من الداخل لا يعلمه إلا القلة، ويمكن القول إن من يعلم بما تحتويه هم أهلها والطارق والسارق..!
وما لا يعلمه بعضنا أو ما يدعي بعضنا عدم علمه؛ هو أن كل هذا البيوت ما زالت أملاك خاصة لأهلها، وكانت مأهولة في زمن ليس بالبعيد. وآخر بيت غادره أهله هو بيت السادة الدعلوج، قبل قرابة 6 سنوات، وما زال لهذا اليوم بيت مجاور لتلك البيوت مسكون بأهله.
هجلس: أردنا تنظيف منزل أثري؛ ففقدنا 6 صناديق
سارق ومصور وعابث
هذه المنازل ـ وبحسب شهادات فريق التوثيق بالقطيف وشهادات بعض أهل البيوت لـ”صبرة” ـ حدث فيها ما يؤسف على حدوثه. دخول بلا استئذان.. سرقة بعض الممتلكات الخاصة فيها.. تصوير بلا أدنى مسؤولية. ويمكن القول إن من شارك في هذه التعديات والتجاوزات هم: إما مصور دخل دون إذن وهمه التقاط صور فوتوغرافية أو مقاطع فيديو ليرتفع رصيده الفوتوغرافي لدى جمهوره والمتابعين. أو شخص دخل بقصد سرقة ما يمكن سرقته ثم تصديره بطريقة غير قانونية لمتحف أو ما شابه، أو بيعه في “سوق واقف” بسعر بخس.
والمشارك الثالث شخص لا من هذا ولا من ذاك، إلا أنه لا يعرف إلا التطفل والعبث والخراب…!
وجميعهم لم يراعوا حرمة البيوت، ولم يقدروا أهمية الأثر والخسارة الكبيرة التي قد يتسببون بها للمنازل وأصحابها.
فريق التوثيق بالقطيف
إسماعيل هجلس، وائل الجشي، أمين سماح، محمد الخراري، علي المادح.. مجموعة من الفوتوغرافيين جمعهم حب هذا البلد الكريم، وهم مهتمون بالتراث المعماري والحضاري. بدأوا بمحيطهم الجغرافي، وهدفهم نقل صورة هذا الإرث الوطني بشكل فني وتوثيقي. لم يكن دخولهم أي بيت إلا لغرض مشروع، وباستئذان سابق من أصحاب البيوت، علاوة على كون بعض أعضاء الفريق هم من أصحاب هذه البيوت أصلاً، أو تربطهم بهم علاقة وطيدة من نسب أو جيرة.
الخراري: سبْق الصورة ليس أهم من أخلاقيات الفن
ومن خلال جولاتهم الميدانية للتوثيق كشف الفريق تعديات كثيرة. وحسب إفاداتهم لـ “صُبرة”؛ فإن الفريق لاحظ ـ بين زيارة وأخرى ـ آثاراً واضحة على الأبواب وأقفالها، لتعطيهم دلالة واضحة على أن هناك من دخل بغير إذن. وقد وثقوا بعدساتهم آثار السرقة التي طالت قوالب الـ “رواشن” والـ “زخارف” والأبواب والنوافذ الخشبية القديمة وغيرها.
عبث وسرقة
وقال إسماعيل هجلس لـ”صبرة”: “لم تكن عدسات الفريق الشاهد الوحيد على العبث والتعدي الذي طال البيوت، بل شهدتُ شخصياً حالة سرقة في حضوري، وكان ذلك في أحد أيام حملة التنظيف التي قمنا بها كلجنة توثيق عندما أعطيت أمراً للعمال بتنظيف بيت المصطفى، وفي لحظة سريعة تم سرقة صناديق قديمة. وعند سؤال العمال عن الفاعل أفاد بأن شخصاً أتى وأخذ 6 صناديق وهرب مسرعاً”.
أضاف هجلس “لو لا لطف الله وكوني موجوداً برفقة العمالة لكان السارق أكمل سرقته ولم يترك شيئاً من الممتلكات الشخصية الموجودة مثل الأواني المنزلية وما شابه. وما يزيد الهم أن مثل هذه المقتنيات تُباع بثمن بخس، وقد لا يتجاوز سعرها 20 ريالاً في السوق السوداء!”.
واستطرد هجلس “الشواهد والسرقات التي لاحظناها قد تقودنا إلى أن الفاعل كان غرضه الاستفادة المادية من الأغراض المسروقة وربما سمسرتها إلى ذلك العالم”. و “هذه البيوت أمانة لدينا نحن فريق التوثيق علاوة على كونها بيوت أهلنا التي تربينا وأكلنا وشربنا فيها، لذلك أخبرنا أصحاب البيوت بما نلاحظه وبما يجري عليها ورسالتنا التي نوصلها عبر “صبرة” لأولئك المتجاوزين: البيوت لها أهل فلستم في حل من دخولها”.
قبّعوها وباعوها..!
الفوتوغرافي حسين أبو الرحي ملخّصاً القصة، عبر منشور في صفحته الشخصية، فيس بوك، 10 فبراير الماضي.
سلوك مصورين
وعن المصورين المتجاوزين قال محمد الخراري “أتمنى أن يعي كل الفوتوغرافيين، أن السبق في التقاط صورة ما، أو التفرد بلقطة لشيء ثمين أو نادر ليس هو غاية الفن الراقية، وإنما الانطلاق من الشغف الداخلي لما نحب، والاشتغال عليه هو الذي يحفر اسمنا في ذاكرة الناس.. ولذا ومن هنا أدعو الجميع إلى عدم القفز على الضوابط العامة للسلوك المحترم، وعلى ضوابط الفنون الجميلة، فقط لأجل حساب شيء جميل، نحسب أنه سيوصلنا إلى مراتب عليا.. ألأجل التقاطه فنية، (ندوس) على مبادئنا وأخلاقياتنا!!”
مساءلة قانونية
وشدد السيد وسام السيد جعفر الدعلوج على أن “الاستئذان في دخول بيوت الآخرين هو واجب شرعي أمر به الشرع الحنيف.. قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها). ومن هذا المنطلق أدعو كل شخص لديه الرغبة في توثيق او تصوير أماكن خاصة إلى أخذ الأذن من اهل البيت، وألا يعرض نفسه للمساءلة القانونية في الدنيا وحساب رب العالمين في الآخرة”. وأبدى الدعلوج استغرابه من تعارض الفن والحس الفني من قبل المصورين أو المهتمين بالتراث بين الفن والطريقة غير الفنية وغير الأخلاقية في الحصول على ما يريدون. وختم حديثه “أرجو من الجميع الحفاظ على ممتلكات الآخرين الخاصة وأخذ الأذن من أهل البيوت لنرقى ولنسمو في أعمالنا وتعاملنا”.
الدعلوج: كلُّ مصور لا يستأذن يعرّض نفسه للمساءلة القانونية