البلوت والألعاب الشعبية
مساعد العصيمي* |
أثار توجيه رئيس هيئة الرياضة بإقامة بطولة خاصة بالبلوت.. ورصد جوائز لمتفوقيها.. تفاعلا متباينا في الشارع السعودي، ومن وجهة نظر شخصية أرى أنه قد تلمس رغبة كثيرين وبما أفضى إلى تحرير هذه اللعبة من الديوانيات إلى ساحة التنافس العامة لا سيما وأنها تنتشر بين السعوديين وعبر جميع مناطقهم انتشار النار في الهشيم، حتى أصبحت الرقم واحد في التسلية بين الشيب والشباب.
وحين تُقر استراتيجية تنافسية للعبة كالبلوت فنحن وعبر الهيئة لم نستحدث جديدا ففي بلاد كثيرة تحولت ألعاب شعبية سواء كانت ورقية أو حركية من الترفيه إلى التنافس المباشر وأعدت لها الجوائز والمهرجانات كي تظهر بأفضل صورة، ولعل البلوت قد ارتفعت وتيرتها وتنامى مزاولوها في بلادنا بسبب وتيرة الحياة المدنية التي أفضت إلى تجمعات التسلية داخل المنزل أو الاندية وحتى الاستراحات وبلا شك أن مثل هذه لن تجد أفضل من هذه اللعبة للقضاء على الفراغ.
وهنا نشير الى أن لكل مجتمع ألعابه التي تأخذ حيزا كبيرا من اهتماماته، وكثير منها لم يغفلها بل طورها وارتقى بها كي تكون تنافسا وطنيا حتى لو كانت بعيدة عن الحركة وخاصة بالتأمل والتفكير لا سيما وأنها تحمل شغفا من الجميع وممارستها القديمة هي ما يُشبع حتى وإن تم تحويلها إلى ألعاب إلكترونية وهي التي بدأت تنتشر أخيرا إلا أنها لا تشبع نهم التنافس المباشر.
مبادرة بطولة البلوت جميلة في توجهها وأحدثت رضا بين اوساط المجتمع، ولعل في بعثها لكي تكون ذات صفة تنافسية رسمية منطلقا للألعاب الشعبية السعودية تلك التي تمثل جزءاً مهماً من التراث الشعبي لمجتمعنا، لأجل الاهتمام بها وتبني هيئة الترفيه وكذلك هيئة الرياضة إقامة المهرجانات والمنافسات لها لا سيما وأن المتخصصين في الاجتماع وعلم النفس قد أكدوا على أهمية الألعاب التراثية وضرورتها للحياة النفسية والعقلية السليمة، ولأجل استمرارها خشية أن تلتهمها الحضارة الإلكترونية الحديثة وتدفع بها إلى زوايا الإهمال والنسيان.
فالألعاب الشعبية أو التراثية عالم مثير جميل ممتع دلفنا إليه جميعا خلال مرحلة الطفولة وحتى مرحلة الشباب الأولى، فمن منّا لم ينطلق في سباقات أو صيحات تعبر عنها ألعاب تحمل أسماء مختلفة استقيناها من بيئتنا «عظيم سرى» «طاق طاق طاقية» «نط الحبل» «جاكم سليسل» كألعاب للأولاد والشبان، ولن ننسى أن ما للبنات من ألعاب كانت تقتل فراغهن وتشحنهن بالطاقة والسعادة في جميعها كانت تضيء شوارعنا وأزقتنا الصغيرة وتجد فيها الضحكات وعبارات المرح والسعادة حاضرة وبقوة.
الأهم في القول نتمنى أن يطول الألعاب الشعبية القديمة الاهتمام والتطوير للمساهمة في إحيائها وانتشارها مرة أخرى، لاسيما وأن لكل مجتمع ألعابه الخاصة التي يبتكرها للتسلية والترويح عن النفس، وغالبا ما تعبّر هذه الألعاب عن روح المجتمع ووجدانه وعاداته وتقاليده، فبيئة كل مجتمع تفرز الألعاب وتشكلها وتعطيها نكهتها الخاصة والمميزة، ولأن تراثنا وموروثنا مليء بالألعاب فجدير أن نحافظ عليها، ولا نعتقد أن هناك من هو اقدر من هيئتي الرياضة والترفيه للحفاظ على هذا الكنز بتنميته وبث روحه من جديد.
________________
*صحيفة الرياض، الجمعة 7 جمادى الآخرة 1439هـ – 23 فبراير 2018م