[قصة] زينب الشيخ علي: شاهد
زينب الشيخ علي
في المسرح حيث لا أحد، الكرسي الأول شاهدٌ أول، الكرسي الأخير شاهدٌ أخير، يعبرُ هو لمسرح الظل مثل خطيئة، لا يمكن لخطيئة أن تدافع عن نفسها، خلف مشهد ظلٍ فقط يمكن للحياة أن تبادل القصص.
كانوا يتركون الضوء هُنا لوقت طويل، منسياً طيلة الليل، مع لوح قماشي كبير بين الخشبة والعالم، كُرسي صغير، أوراق نصوص مختلفة، ورائحة عابرين، عابرين كُثر، بعضهم يحمل رائحة الدخان، بعضهم يحمل رائحة نهار وفاكهة، وبعضهم يبدو أبكمَ دون رائحة.
لا أحد هناك سواه، ببقايا غبار على قميصه الأبيض، وبقعة شاي على طرف فخذه الأيمن، بقعة تبدو قديمة وباهتة، واحدة من تلك البقع التي يكتسبها الإنسان في منتصف ضحكة مع الأصدقاء على دكة مقهى في قرية بعيدة .
هو هنا الآن لأن الأصدقاء غادروا الحياة مع الحياة ولم يبق كثير من هذا، ولم يبقَ أحد من أولئك الذين يرونه أيضاً دون أن يكون مرئياً جدا، لم يكن مرهقاً حين كان مرئياً جدا، لم يكن يقظاً أبدًا.. كان مرئياً جداً، لكن وقتها كانت إضاءة العالم تلتقطه وتراه، الأن لم تعد تفعل أبدًا.
لم يبقَ كثير من ليلة الناس الفائتة، وهو يعبر، لم يبقَ من ذروة الهُراء شيء قبل أن يعبر، لم يبقَ أحد لليقظة المتأخرة أيضاً، حارسٌ المسرح نائم، بائع البطيخ في نهاية الشارع نائم، الفتاة الّتي تطلّ من خلف النافذة كلّ صباح نائمة كذلك.
مفاجأة أن يرُى نفسه منعكساً الآن، حتى فوق ظلّ مشوش، ظلّ يكتشف نفسه في زهو تلك اللحظة، يدور حول نفسه، ويُصرخ:
أنا هُنا، أنا لستُ هنا، أنا رُبما في مكان آخر وهُنا؟
القرية تشهدُ في الصباح ظلّ جثة دون جثة، يقولُ العراف للرجال في مُستند البخور: كان هناك ناجٍ بحياته من أحلامه، عاش طويلاً ولا أصدقاء له، جنية الحي تقولُ في كوابيس أطفالنا: كان موجوعاً جداً، ومضيئاً جداً، نفذت الشمس منا ولم ينفذ.