هذا ما تفعله الصحافة المنافِقة…!
حبيب محمود
في تجربة عملية شخصية لا أظنّني أنساها مدى الحياة؛ حدث أن أصدرنا صفحة تعتني بنشر شكاوى الناس الخاصة بمطالبهم. كنتُ أعمل في صحيفة يومية، ووصلني توجيه بالإشراف على الصفحة التي يُعدّها زميلٌ آخر، وتتوفر مادتها من بريد الصحيفة..!
كانت تلك الصفحة مهمّة، ومؤثرة في جمهور القراء، وأصحاب المطالب. لكنها كانت أحد المآزق الأخلاقية التي عشناها مع تلك الصفحة على نحو خاص، وعلى نشر مواد وتحقيقات تخص مطالب الناس واحتياجات المواطنين.
جاء المأزق من كوننا “نزعم” التصدّي لنُصرة ذوي الحاجات، في حين إننا لا نملك حق نشر كلمةٍ واحدة في شأن حقوقنا، نحن العاملين في الصحيفة..!
كانت الرواتب متعثّرة، والتأمين الطبي معطّلاً، ووثائق بعض زملائنا المقيمين غير مجدّدة.. علاوةً على مشكلات عمالية يومية تتوالد في بيئة العمل، دون حل..!
وفي صالة التحرير؛ كانت “بروفات” الصفحة مثاراً لتكرار النكات الضاحكة.. ذات ليلة؛ أخبرتُ زميلي رئيس قسم التصحيح بمثل خليجي ورد في أغنية مشهورة:
عندي دوىْ الناس ما عندي دوىْ روحي
أن تتصدّى لنُصرة الناس، وأنت عاجز عن نُصرة نفسك؛ فإن ذلك يعني أنك مجرد “مُمِرّر” مواد للنشر.
وصادف أن نشرنا تقريراً عن رسالة ماجستير لباحثة سعودية موضوعها خاص بالموارد البشرية، وركّز عنوان التقرير على حماية الأجور والرواتب.. وكنّا نضحك من هذه “المهزلة” التي نخوضها دون أن نشعر. ننشر مباديء وقواعد ومضامين تخصُّ صلب ما نحن فيه، ولكننا ننشر ما ننشر كخطابٍ موجّه نحو الآخر.. أما الذات؛ فإن الأمر لا يعنيها..!
تذكرتُ قصتنا في تلك الصحيفة؛ وأنا أتلقى تقارير عن صحيفة أخرى تواجه مشكلة في أجور صحفييها وموظفيها. طيلة سنوات صدور تلك الصحيفة وغيرها من الصحف؛ كانت تقف إلى جانب الناس، وتدافع عن حقوقهم، وتتولى ملفّات مطالبهم، ولكنّها تصل إلى أن تكون مقصّرة في حقوق البشر الذين يُنتجونها..!