حول مسابقة شاعر الحسين
خالد حسن جبران
السلام على أبي عبد الله الحسين وعلى أبناء الحسين وأصحاب الحسين.
إن التعبير ليتوقف في ظلال مقام سيدنا الحسين عليه السلام، ونحن نركب سفينة شعراء الحسين في مهرجان جماهيري مثّلَ أيقونة مضيئة في أماسي الأدب الإنساني، فأنا أقف في حضرة الإمام الحسين الإنسان والرمز الإنساني العالمي في موسوعة الثقافة العالمية على هذه البسيطة.
مهرجان جماهيري يُلمَسُ فيه الثقافة الإنسانية ومعنى الأدب الحسيني وأدب الطَّف على صعيد المستوى التاريخي الإنساني وصعيد المستوى الفكري والأدبي
هذا المهرجان مهرجان تجاوز المكان الواحد والأدب الواحد إلى أماكن متعددة وآداب متنوعة، فنرى شعراء متنوعين من كذا بلدٍ وبكذا ثوبٍ أدبيٍ؛ ينتمون إلى كذا مدرسة أدبية شعرية متنوعة.
والفضل بعد الله يعود إلى الأيقونة والرمز الشعري الشاعر الأديب البحريني غازي الحداد شفاه الله، المؤسس الأول الذي على يديه تفتقت بذور هذا المشهد الحضاري الأدبي، وتحوّل إلى مهرجان مفتوحٍ ثقافيًا على كل الجهات والمداءات، ليسجّل التاريخ المعاصر أدب الطف والأدب الحسيني في صفحات التاريخ الأدبي والحضاري الإنساني.
ثانيًا: هذه تجربة ذات دهشة خضتها اليوم في حضرة الشعر الحسيني، وأنا أتابع شعراء حقيقيين يقدمون نصوصهم في الإمام الحسين الإنسان والرمز الحضاري، بكل ما تحويه هذه الشخصية الإسلامية الإنسانية من أبعاد ثقافية ووجدانية، لا يتسع لها العقل ولا المشاعر إلا التوقف صمتًا في حضرته عليه السلام.
مهرجان رائع ضم نخبة من الشعراء الجيدين المبدعين، ولجنة من المُحَكّمة الدكاترة والأساتذة البارزين، المُمسكين بناصية أقلام النقد على راسهم الدكتور علي كاظم الخفاجي أستاذ النقد وفلسفة اللغة العربية وآدابها من جمهورية العراق، والدكتور علي أحمد عمران أستاذ النقد والبلاغة من مملكة البحرين، وقرينه من مملكة البحرين الناقد عبد الجبار علي حسن.
كانت المسابقة حامية حيث وصل من ٣٩ شاعرًا تقريبًا خمسةُ شعراء كبار، وهذا بحد ذاته نصر للشعراء الخمسة.
ومن جهةٍ أضافت اللجنة الناقدة التحكيمية درامية على المشهد فقد تنوع تناولهم النقدي على مستوى النقد والخطاب، ولفت نظري الناقد العراقي في نقدِه فقد كان يرتكز على تنوع أدواتِه النقدية وعلى مبدأ “التقييم والتقويم”، حيث وضع مشرطه النقدي على نص الشاعر علي المؤلف، وأخرج ملاحظاته وبيّن مواطن الجودة لدى الشاعر، والمواطن التي تحتاج إلى شغل أو تعديل وقام بدور الناقد المعاصر بالتوجيه والتقويم، وهذا مما نراه قليلًا في مساحة النقد، ويُشكَر عليه الدكتور الناقد العراقي الكبير علي كاظم الخفاجي، فنحن كشعراء أو كمتذوقين نفتقر إلى هذه المدرسة النقدية التي تراعي الجانب التربوي النقدي والتنموي الفكري والإصلاحي للنص المعاصر، ومثل حضرة الدكتور الخفاجي يُستفاد منهم ويجب على النقاد أن يسلكوا مسلكه.
من جهةٍ لفت نظري الناقد الدكتور علي أحمد عمران بهدوئه في الطرح وانتباهه لمسألة مهمة تهمنا كشعراءَ ومتذوقين في كتابة النص الحسيني أو أي نص يحتوي موضوعًا مهمًا أن نراعيَ الموضوع ذاته، فقد أفادَنا أثناء تناولِهِ قصيدة الشاعر الشاب الرائع أحمد الرويعي من السعودية بأهمية الانتباه من اللغة الصوفية، واللغة الفلسفية، خاصة في نص يتناول موضوع كموضوع الطف وسيدنا ومولانا الحسين عليه السلام، ويجب الاهتمام بالبلاغة مع عنصر الوجدان معًا وهذه التفاتة ثمينة ونصيحة أثمن من الدكتور الناقد أحمد عمران، الذي من جانب آخر أضاف نهاية المطاف في نقدِهِ درامية لطيفة حيث مضى في نقدِه وهو يذكر أن قصيدة أحمد الرويعي من الكامل وهي من المتقارب، وعليها بنى ورقتَهُ النقدية ثم ختم ذلك بنسف موضوع اللغة الفلسفية في الشعر الوجداني ذي المواضيع الوجدانية، وهذا غير صحيح فاللغة الفلسفية واللغة الصوفية تدخل في لغة الشاعر حتى في الموضوع الوجداني، ولكن بتوازن مع شعرنتها وبث الوجدان فيها فهي تضيف للقصيدة أبعادًا إبداعية وتساهم في تكوين الصورة الشعرية والملامح الكلية للنص، ومثال ذلك من النصوص عبر العصور كثيرة وقصائد بارزة ومن عيون الشعر تضمنت تلك اللغة.
أما الناقد الأستاذ أحمد حسن فقد كان متوسع الفكر النقدي في كافة اتجاهاتِه أثناء تناولِه قصيدة الشاعر الكبير علي مكي الشيخ أبو الحسن، ولكنه ركَز على جانب المآخذ البسيطة مُغفلًا جوانب إبداعات الشاعر في النص، فجعل النص ضيّقًا محصورًا في نقطة أو نقطتين، واهتم بمسألة الانزياح مهملًا ما تضمنه النص من جوانب بلاغية وإبداعية، وأغفل ركيزة النص، وهو موضوع القصيدة كجسد حيوي، خرج من القصيدة كنص مكتوب مسموع إلى القصيدة الجسد الحي، والقصيدة الإنسان، في موضوع الإمام الحسين الإنسان الحي، فقد وقع الناقد في هنّات حين تناول القصيدة من ناحيتين:
الناحية الأولى / فلسفة الشاعر الشعرية الذي اشتغل من خلال فلسفته المهرجان، وهو مهرجان قصيدة شعرية إنسانية أن يشتغل على إخراج لفظة (القصيدة) من معجمه الحرفي واللفظي الجامد إلى المعجم المفتوح الحي، فكوّنها جسدًا بث فيه روح الحياة من خلاله معجمه اللغوي الخيري، وبث روح الوجدان داخل النص.
الناحية الثانية: اهتمام الناقد بتصدير بعض الألفاظ والمصطلحات اللفظية التي وظفها الشاعر علي أبو الحسن مثل: الخيل – خبب العروض في بيته:
والخيلُ..
من خبب العروض.. خبيرةٌ
تعدو ولا تعدو وتقفزُ للورا
لم يلمس الناقد فلسفة الشاعر البلاغية وعلاقة ألفاظه الاصطلاحية بباقي مكونات الصورة الحيوية، التي تكونت بالأفعال المتعارضة (تعدو ولا تعدو) (وتقفزُ للورا) وعلائق الكلمات المكونة للصورة بمشاعر الشاعر وحالتِه الوجدانية، وربط كل ذلك بأول ركيزة موضوع النص وهي (القصيدة ذاتها).
واهتم الناقد بهذه الناحيتين على الأقل وأفرغ ورقته النقدية وهو يبحث عما يريده الناقد من زاويته (الانزياحية) الخاصة، لا عما يريده الشاعر، وكيف عبر بلغتِه الشعرية البديعة عن موضوع عظيم، مما جعلني أتصور علي مكي الشيخ في مشهد أدب الطف على المسرح الشعري بالحر الرياحي، الذي أزاحه النقد الانزياحي. لكن في النهاية يبقى النقد ذائقة مختلفة أهميته ووظيفته يستفيد منها الشاعر في كل النتائج أما القصيدة فتبقى للجمهور وحده يحلق معها في كل جهات الجمال.
أخيرًا أشكرُ الجميع على هذه المسابقة الممتازة الغالية، مسابقة تمثل مهرجانًا عالميا يسجل التاريخ الأدبي المعاصر، وتجربة رائدة مميزة في حياتي وذاكرتي، لمست فيها نخبة من الشعراء والنقاد الكبار الذين أضافوا الكثير في الحِراك الأدبي من الإبداعات الشعرية والنقدية.