فداء.. هجرت الطب عاماً كاملاً لمرافقة طفلها المريض بالسكر في مدرسته "نوبة مرض" أجبرتها على اتخاذ القرار الصعب
صفوى: أمل سعيد
لـ “فداء محمد آل صالح”، نصيب وافر من اسمها، عندما أدارت ظهرها لشهادة الطب التي حصلت عليها بعد سنوات من المعاناة في التحصيل العلمي، وضحت بعملها الذي تشعر فيه بتحقيق الذات، وتناست مرضاها، وتذكرت ـ فقط ـ انها أم لطفل مريض بالسكر، فقررت أن تترك كل شيء، وتتفرغ لصغيرها، في مرضه الذى اكتشفته بالصدفة.
شعرت “الدكتورة فداء” بالراحة والسكينة، عندما أدركت أن صغيرها مع السكري، يتحرك ويلعب ويمرح مثل أقرانه، فحمدت الله كثيراً على نعمه وأفضاله، ولكن عندما تعرض الصغير لنوبة سكر في المدرسة، زاد خوفها عليه، ما دعاها إلى الحصول على إجازة “استثنائية” لمدة عام لمرافقة الصغير دواماً كاملاً في المدرسة، ضاربة أروع الأمثال في الفداء والتضحية من أم تجاه ابنها.. ومن هنا تبدأ القصة..
اكتشاف المرض
تقول فداء: “أصيب ابني “حسن” بالسكري قبل سنة و 3 شهور، عمره اليوم 7 سنوات، وهو طالب بالصف الثاني الابتدائي”. وتضيف “في البداية، لاحظت عليه كثرة التبول، وطلب شرب الماء وتناول الطعام، كما لاحظت عليه علامات الإرهاق، وتغيرات في المزاج، كل ذلك كان مصحوباً بنقصان في الوزن، بالإضافة إلى تبول لا إرادي في الليل، وكطبيبة، أعلم أن هذه المؤشرات كانت كفيلة بزيادة قلقي وتوجيه بوصلة تفكيري لمرض السكري”.
وتتابع فداء: “كأم، كان قلبي يرفض تصديق ما تُلمح له المؤشرات بأنه السكري، فقد حضرت فكرة السكري في خاطري، لكني سرعان ما أنكرتها واستبعدتها، لشدة خوفي عليه، لكن الأمر ازداد سوءاً، وهنا كان لابد من التعامل مع ما تقتضيه الحالة الصحية، وعليّ أن أبعد هواجس الأم قليلاً، وأتعامل بمسؤولية أكبر مع ابني، وفعلاً بعد أن قست له نسبة السكري في الدم، وجدت ارتفاعاً طفيفاً في مستوى السكر، وفي اليوم التالي، تأكدت لي إصابته بالمرض، بعد عمل تحاليل دقيقة في أحد المستشفيات”.
وتتابع: “شعرت بإحباط كبير، فلم أصدق بعد أن ابني مريض سكري، لكن سرعان ما أفقت من الصدمة، وربما شعوري بحاجة الصغير إلي، عجل في إفاقتي من تلك الصدمة، حمدتُ الله كثيراً على نعمه، وقلت في نفسي إن ابني بخير، ها هو أمام عيني بصحة جيدة، قادر على أن يمشي وأن يأكل ويتكلم، فيما غيره الكثير من الأطفال في مثل سنه، بل وأصغر منه، لا يبارحون أسرة المستشفيات، تلتهم أجسادهم الآلام”.
جرعات الأنسلوين
ولأن فداء كانت تريد الأفضل لإبنها؛ حياة تقترب من أن تكون طبيعية، فقد بذلت وقتها وجهدها يساندها زوجها في كل ذلك. وتقول: “التقينا بالمثقفة الصحية، وشاهدنا الكثير من مقاطع الفيديو، التي تتحدث عن مرضى السكري، سواء كانوا أطفالاً أو كباراً، كانوا ناجحين جداً في حياتهم، منهم رياضيون ومشاهير، كما تعلمنا حساب الكربوهيدرات في الأطعمة، وحساب جرعات الأنسلوين المناسبة، وإلى الآن، مازلنا نتعلم شيئاً جديداً كل يوم، ونرى استجابة جسم ابني “حسن” لمختلف أنواع الأطعمة، مايناسبه وما لا يناسبه، وتعرف الصغير مع الوقت، على أعراض هبوط وارتفاع السكر التي تصيبه، وتعلم كيف يتعامل معها”.
إجازة استثنائية
ولتطمئن الأم على طفلها، فقد تم إلحاق “حسن” بمدرسة خاصة، قيل انها توفر ممرضة لطلابها، وكان ذلك قبل بداية العام الدراسي بإسبوعين، لكن ومع بداية الدراسة، تفاجأت الأم بأنه ليس هناك ممرضة، بل أكثر من ذلك، تقول: “فوجئت بأن معلوماتهم عن المرض والتعامل مع مريض السكر سطحية جداً، ووصل الأمر أنهم جعلوني أوقع على تعهد بأن المدرسة ليست مسؤولة عن أي شيء يحدث لابني، لذا اتخذت قراري الصعب، وقدمت على إجازة “استثنائية” من عملي، حتى أستطيع مرافقة ابني، والاهتمام به، وهذا ما حدث، فكنت أذهب للمدرسة، وأقضي معه بعض الوقت، كي أطمئن عليه وأراقب حالته الصحية”.
دوام كامل
لم تدم الحال هكذا طويلاً، ففي يوم من الأيام، دخل “حسن” في نوبة سكر في المدرسة، وأغمي عليه، ولم تكن الأم موجودة معه، وهذا ما دفعها لتبقى معه دواماً كاملاً في المدرسة، بداية من طابور الصباح، إلى جرس نهاية اليوم الدراسي. وتقول فداء: “كنت أقضي أكثر من ثلث اليوم في المدرسة، من السادسة صباحاً، حتى الثالثة عصراً، كل ذلك من أجل أن أبقى قريبة من ابني، أراعيه وأراقب وضعه الصحي، خوفا أن يتعرض إلى نوبة سكر مفاجئة”.
الشعور بالراحة
وتشعر “فداء” اليوم بالراحة النفسية، لأنها لم تتخل عن ابنها في مرضه، وأنها نجحت في توعية الصغير بكيفية التعامل مع هذا المرض. وتقول: “حسن في الثاني الابتدائي، مازال صغيراً، لكنه أصبح قادراً على فهم طبيعة مرضه والتعامل مع حالته، وهو اليوم قادر على أن يحقن نفسه بإبرة الأنسولين، لذا فقد تم نقله إلى مدرسة قريبة من المنزل”.
وتضيف فداء “أتمنى أن يتم اكتشاف علاج نهائي للسكر في المستقبل القريب، وأن يتم توفير جميع الأجهزة الحديثة، لمرضى السكري، سواء للقطاع الخاص والحكومي، كما أتمنى أن تتوفر ممرضة أو ممرض في كل مدارسنا للعناية بأبنائنا الطلاب، والأهم من ذلك، كله زيادة وعي المجتمع بمرض السكري”.