تسجيل حصري: سيرة محمد سعيد الخنيزي بصوته.. قبل 29 سنة حياتي بدأت بـ "ثالوث غير مقدس".. إصابة بصري.. ووفاة أبي.. وأزمة مادية
أرشيف منتدى "الغدير" يوثق لقاءً مع الشاعر في فبراير 1991، شعبان 1411
إعداد: أمل سعيد
حياتي بدأت بـ “ثالوث غير مقدس”: إصابة في بصري، ووفاة والدي، وضيق في الرزق.. بهذا المعنى لخّص الشاعر محمد سعيد الخنيزي بداية سيرة حياته، أمام مجموعة من الأدباء الشباب قبل 29 سنة..!
السيرة مسرودة بصوت الشاعر الخنيزي، في تسجيل صوتي، يعود تاريخه إلى الـ 11 من شهر شعبان 1411هـ، (25 فبراير 1991)، توثيقاً لزيارة أعضاء منتدى “الغدير” الشاعر في منزله، بحي الحسين. كانت الزيارة ضمن نشاط المنتدى في التواصل مع جيل الروّاد من شعراء القطيف.
سجّل اللقاء الأخَوان: محمد وعبدالله البيّك.
وتزامناً مع تكريم الشاعر، مساء غدٍ الجمعة، في الحفل الختامي لمنتدى “الكوثر” الأدبي؛ تنشر “صُبرة” ـ هنا ـ جزءاً من حديث الشاعر الخنيزي المطوّل، نقلاً عن نسخةٍ من أرشيف الزميل حبيب محمود. مع إدخال بعض التعديلات التحريرية، دون المساس بالمعاني التي أرادها الشاعر الخنيزي.
وبإمكان القاريء، العودة إلى حساب “صُبرة” في يوتيوب، لسماع مزيد من تفاصيل اللقاء الذي مضى عليه قرابة 29 سنة، تغيّرت، خلالها، كثيرٌ من الأمور، وانتقل بعض المذكورين في الحديث إلى رحمة الله.
ثالوث غير مقدس
حياتي الأدبية أو الفكرية، كانت بسيطة جداً. تناولها بعض الأخوان في رؤوس مقالهم. وتناولتها أنا في كتابي عن سيرة الحياة الذاتية تحت عنوان “خيوط من الشمس“، وسجلت فيه سيرتي من مبدأ الميلاد حتى ما مر بي من أحداث ومن ويلات في حياتي. وباختصار أنا أعطيك وأوجزها لك في سطور وإن شاء الله الكتاب يطبع وتطلع عليه.
كنتُ بعمر الـ 7 أو الـ 8 حين أُصبت برمد في عينيّ. ووقتها كان والدي خارجاً في رحلة دينية بصفته مرجعاً. وكانت، في البلدة، امرأة تدّعي أنها طبيبة، ولكنها لا علاقة لها بالطب، بل كانت غارقة في الجاهلية بالنسبة للطب. فاقترحتْ على الوالدة أني لا أفتح عينيّ ولا أغسلهما بالماء أصلاً لمدة 3 أيام. فلما جاء والدي ورأى المشكلة؛ أمر بفتح عينيّ وغسلهما. فلما غُسلتا؛ انكشف نتوءٌ فيهما. هذا النتوء يُسمّى محلياً بـ “الحقروص” أو “البياض“.
حينها؛ لم يكن هناك مستوى من الطب كما هو الآن. وكان هناك طبيب قادم في زيارة للقطيف. فلما عُرضت عليه كتب لي وصفة بالكحل استُحضرت من البحرين، واستعملتها فانفتحت إحدى العينين وأصبحت كما ترونها الآن. أما العين الثانية اليمنى فأجريت لها عملية في بغداد، لكنها لم تنجح.
غدٌ باكٍ…!
هذه الإصابة؛ كانت أول كارثة تمر بي في حياتي وأنا طفل صغير. ثم تُوفي والدي وأنا في سن الـ 18. ثم واجهت أزمة مادية، فكنت لا أملك شيئاً من حطام هذه الحياة، فيما كان زملائي الذين أمشي معهم من ذوي الأملاك الضخمة مثل محمد سعيد المسلم.
كتبت إحساسي بذلك في قصيدة أحفظ منها بيتين:
رغبات نحرتها بمُدى البؤس
وحبّرت من دماها كتابي
الشباب الضحوك بطّنه اليأسُ
فماتت أحلامُه في الشباب
كان هذا الشعر ينبعث من واقع حياتي.
درست “الآجرومية” و “قطر الندى” على يد محمد سعيد المسلم.. وتنافسنا في الشعر
دراسة حوزوية
بعد وفاة الوالد مارست الشعر، لأن الوالد كان قد أعدني للدراسة الدينية، وكنت قد درست اللغة العربية كـ “القطر” و “الآجرومية” و “الألفية”. طبعاً “الأجرومية” و “القطر” درستهما على يد الأستاذ محمد سعيد المسلم لأنه أكبر مني بكثير.
“الألفية” على يد فضيلة الأخ عبد الحميد، بعد عودته من العراق عام 1360هـ، وأكملتها على يد العلامة الشيخ فرج العمران. كذلك درست على يد الشيخ العمران “مغني اللبيب” و “المنطق” الحاشية.
وكنت قد قرأت قسماً من “المعالم في الأصول” على يد الوالد. وقسماً على يد الشيخ محمد صالح المبارك، ثم على يد الشيخ عبد الحميد الخطي.
ولما توفي الوالد عام 1363هـ، كنت أصارع الحياة، أو أصارع الفقر. كانت عندي عائلة تتكون من والدة وزوجة. بالإضافة إلى أخي أبي نسيم وأختي وخادمة مع بنتها. ولم يكن في جيبي ريال واحد.
محراب الشعر
وكنت إذا تنفست الصعداء من إصابة العين أو من وفاة والدي أو الأزمة الخانقة “الثالوث غير المقدس“؛ أدخل في محراب الشعر. لذلك كان الشعر يعبر عن الذات. الشعر يؤثر في النفوس في طابع الشكوى.. الناس يشكون من الحياة وآلامها لذا فهم يستعذبون هذا الشعر. وعندي قصيدة “الغد الباكي” صار لها نوع من الشهرة، تتألف من أدوار، كل دور يتألف من 4 أبيات على قافية:
أرى من زوايا حياتي غدي
فأبصره روضةً ذاويَهْ
توقف عنه معين الحياة
وغارت جداولها الشاديَهْ
ومدّ الخريف بها كفّه
فقصّف أفنانها الزاهيَهْ
تساقط منها رجاً ضاحكاً
كحلم الربيع على الرابيهْ
في ميدان العمل
كانت القصيدة تعبر عن الفترة التي كنت أعيشها، واستمرت هذه الحالة إلى عام 1374هـ، بعدها اضطررت إلى أن أنزل إلى ميدان العمل، بعدما كثرت العائلة من الذكور والإناث. وقد اخترتُ من بين الأعمال شيئاً يناسب الفكر والأدب، اخترت المحاماة. ورغم اشتغالي بالمحاماة إلا أنني لم أترك الشعر والأدب.
بقيتُ في المحاماة، حتى تبدلت الحياة وأصبحت في طابع ثاني. هذا ملخص حياتي.
غضبت زوجة عبدالواحد الخنيزي من ترديده الشعر في البيت.. وظنّته يقصدها
النادي السيار
قبل أن يتوفى والدي؛ قرأت الشعر المهجري كثيراً. ثم تحولت إلى طابعي الخاص.
أنا والأستاذ محمد سعيد المسلم والأستاذ المرحوم عبد الواحد الخنيزي.. أصفنا، في ذاك الوقت، بـ “النادي السيار”. كانت لنا جلسات فكرية يومية. صباحاً، وبعد أن ندرس، نذهب إلى منزل محمد سعيد المسلم. وفي العصر العادة يأتون إلى بيتنا. كانت حياة بسيطة لا يشوبها تعقيد. في الصبح نأكل التمر ونحتسى القهوة العربية. وفي العصر قهوة أو شاي.. أو “ما فيه”.. لكن المائدة الدسمة هي الكتاب.
ولا نلتقي ليلاً، فإذا أصبح صباح اليوم التالي؛ كلٌّ منا يُفتش جيب الآخر: ماذا كتبت البارحة؟
وكنا في هذه الفترة نقلد شعراء المهجر. مثلاً؛ محمد سعيد المسلم كان يقلد علي محمود طه. والمرحوم عبد الواحد الخنيزي وأنا نقلد شعراء المهجر. كنا نكتب دوراً أو دورين، ويُطلع بعضنا بعضاً عليها.
زوجة عبدالواحد
ذات مرة؛ كتبت قصيدة كاملة لم أُطلعهم عليها. وكان عبدالواحد متزوجاً، وفي طريقنا نحو مسكنه؛ قلت لهم: رأيت اليوم قصيدة لشاعر مهجري يصور الطبيعة وأسرارها، يصور القمر والأزهار. فطلبوا أن أقرأها، فقرأتها، فأُعجبوا بها، وطلبوا أن أكتب نسخةً لكل واحد منهم.
سألتهم: أعجبتكم؟
فقالوا: هذي قصيدة شعر في القمة.
اسمها “حديث البدر الحائر” نُشرت في ديوان “شمس بلا أفق”. كتبتها في شهر شوال سنة 1363هـ، قبل أن يتوفى الوالد. بدأ شعري يتطور منذ عام 63. ميلادي كان عام 1343 هجري.
في الطابع النثري أكثر ما أثر فيّ جبران. وفي الشعر أبو ماضي وإلياس فرحات.
بعد يومين أو ثلاثة؛ قالوا: ما نسخت لنا القصيدة..!
قلت: هذي القصيدة ليست لشاعر أجنبي مهجري.. إنما لشاعر محلي شاعر وطني.
قالوا: ما يصير.. لا يستطيع شاعر قطيفي أن يكتبها..!
فقلت: إذن؛ جيبوا لي أي مجلة أو كتاب بها هذه القصيدة. هذه القصيدة لي.
قالوا: ما يصير.
فبُهتوا، وصار على وجوههم كدر، كنا متنافسين.
فقال محمد سعيد المسلم أنا سأكتب قصيدة. وقال عبد الواحد أنا أيضاً سأكتب قصيدة لكن. محمد سعيد المسلم كتب قصيدة اجتماعية “نحن والشعب المتقدم” لكنها لم تصل إلى الأسلوب ذاته. وعبدالواحد لم يستطع أن يكتب بيتاً واحداً، فصار يردد “بديع الصور.. بديع الفِكَر”.
فقالت له زوجته: يعني صورتي ميْ عاجبتنك؟
وجاء لي شاكيا: أنت نغصت عليا زيجتي و ما تركتني أرتاح.
كان التنافس إلى هذا الحد.
كانت القصيدة حواراً بين شخص والبدر “قصيدة قصصية”:
أيا بدر عمت بهذا الوجود
وشاهدت منه فنون الصور
وجزت الفضاء طليق الهوا..
لا أحفظ القصيدة. لكن فيها بيتاً حفظه الجماعة كان مثل “وإن السوانح بنت الفكر”.
كنا نصف أحمد المصطفى شاعر التجار وتاجر الشعراء
شهادة من الأحساء
صار للقصيدة قصة ثانية. حجي أحمد المصطفى، الله يرحمه. كنا نطلق عليه شاعر التجار وتاجر الشعراء، وكان ساكناً عند مسجد “المنارة”. أخذ القصيدة وذهب بها إلى الأحساء، وعرضها على مجموعة من الأدباء، فأتاني بكتاب من أحمد الراشد المبارك، وفيه أنه معجب بالقصيدة. وقال إنها تشبه عدسة مصور تصور الطبيعة بدون رتوش.
كنت شهريا أصدر قصيدة، منذ أن كان الوالد، رحمه الله، على قيد الحياة.. وحتى بعد وفاته بمدة لأن الألم سور، فكلما شعرت بالألم دخلت محراب الشعر وناجيت الشعر فتأتي أبيات القصيدة. وأنا أحفظ القصيدة كاملة في الليل، ولو ظلت عندي شهراً كاملاً دون أن أكتبها؛ فإنني لا أنساها. لكنني بمجرد أن أكتبها أنساها.
تعلمت “غيبي”، والوالد لم يرضَ أن أتعلم “نظري”. وإذا أردتها أرجع لها مرة أخرى وأحفظها.
ذات مرة؛ طُلب مني ومن عبدالرسول الجشي والأستاذ عبدالواحد تسجيل قصائد في الإذاعة السعودية. وطلبوا تسجيل قصيدة “الغد الباكي” و “بين يدي العاصفة” و “من أنت يا نفسي”.. فرجعت إلى القصائد وحفظتها وسجلتها.. وأذاعوها.
———
نكتفي بهذا القدر من الحديث الطويل، وبإمكان القاريء الاستماع إلى الحديث عبر حساب “صُبرة” في يوتيوب.
————
مشاركون في الزيارة |
- الشيخ عبدالكريم آل زرع.
- محسن الشبركة.
- شفيق العبّادي.
- عبدالله البيك.
- محمد البيك.
- عبدالخالق الجنبي.
- محمد المصلي.
- جمال رسول.
- حسين الجامع.
- محمد الماجد
- حبيب محمود.
شاهد الفيديو |
نعتذر عن نشر التعليق.