شيخة.. رواية رائدة.. بلغة “ألف ليلة وليلة”…! 62 سنة تفصل بين تاريخ كتابتها وتاريخ نشرها
من الإنصاف الانتباه إلى ما يعنيه العمل السردي الذي كتبه علي حسن أبو السعود “شيخة”؛ في زمن إنجازه. على أن من المؤسّف، جداً جداً، تأخر نشره 62 سنة..!
الفرق بين عام إنهاء العمل 1953، وعام نشره 2014، يعني الكثير، في تاريخ السرد السعودي على نحو عام، والسرد في المنطقة الشرقية على نحو خاص. يعني الكثير، تاريخياً وإبداعياً.
كان يمكن إلحاق علي حسن أبو السعود بالجيل التالي لجيل عبدالقدوس الأنصاري الذي أصدر أول رواية سعودية “التوأمان” 1930، والالتحاق بجيل حامد دمنهوري الذي أصدر “ثمن التضحية” 1959.
لكنّ قدر أبو السعود أنه ترك العمل السرديّ الأول، في الشطر السعودي الشرقي، بلا نشر.
هذا من الناحية التاريخية. أما من الناحية الإبداعية؛ فالكلام كثير.
(2)
حين أقيم حفلٌ لتدشين “شيخة” قبل قرابة العامين؛ سبقَ الحفلَ لغطٌ قطيفيٌّ معتادٌ ومكرورٌ مثله، بتأثيرٍ طبقي مفتعل افتعالاً. فهمتُ، من بعض الممتعضين، أن الحفل مجرد فعلٍ اجتماعيّ يُرادُ سحبه على الثقافة، وأن ما في الأمر هو احتفال عائلي، مخلوط بالأدب والسرد..!
وقد يكون في هذا الرأي بعض الوجاهة، أكرر مؤكداً: “بعض” الوجاهة. لكنّ الإبداع لا يُعرض عنه ـ أو يُقبَل عليه ـ لأسبابٍ غير الأسباب الإبداعية في ذاتها. النصُّ، وحده، هو الشافع الوحيد للنص، لا الناص، ولا أسرته، ولا موقعه الاجتماعي، ولا أهميته السياسية، ولا شيءَ آخر، سوى النصّ ذاته..!
ونصُّ “شيخة”؛ فيه ما ينهض به عملاً سرديّاً مهمّاً، من تاريخ الأدب السعودي الحديث، وبواكيره الروائية:
ـ إذا جرّدناه من تدخلاتِ المشرفين على نشره،
ـ وإذا فصلنا بين ما هو تاريخيّ وما هو فنّي،
ـ وإذا حملنا المفاخر الاجتماعية الصغيرة على تجاهل،
ـ وإذا أعملنا المعيار الفني في تفكيكه وتشريحه، إعمالاً مجرداً.
وهذا يعني، بوضوح، أن ما هو مهمٌّ في “شيخة” هو ولادتها في مرحلة مبكرة من تاريخ السرد السعودي. لذلك تستند قصتها الروائية إلى هرمٍ سرديٍّ معتدلٍ. تبدأ الرواية بنظرة غير مقصودة من “سليمان” إلى “شيخة”، وينتهي بزواج البطلين. وما بين النظرة والزواج، سنواتٌ طويلة، يختلط فيها الذاتي بالموضوعي، والعاطفي بالسياسي والأمني والاجتماعي.
من كلّ ذلك تتكوّن بُنية “المضمون” في “شيخة”، وتتلخّصُ القصة. وما هو أهمّ من هذا المضمون، إبداعياً، هو:
ـ بُنية “الشكل”،
ـ وشروط السرد الروائي التي لبّاها الكاتب،
ـ واللغة،
ـ والمعالجة..
وبعد هذا؛ لا وزن لوصف الرواية بأنها “وثيقة تاريخية”.. بل لا يجوز لها ـ تاريخياً ـ أن تكون على هذا الوصف..!
(3)
بُنية اللغة
اللغة السائدة في “شيخة” هي لغة “ألف ليلة وليلة”.
في الصفحات الأولى؛ تأخذك لغةٌ بيانيةٌ جميلة جداً، لغةٌ حميمة في وصفيّتها، كأنّها بيان مارون عبود أو طه حسين أو ميخائل نعيمة. بالذات حين يقترب “سليمان” من حمّام “أبو لوزة”. تشعر بالمكان، برائحته، ببخار الماء، بلعبة الطبيعة المحيطة..!
لكن سرعان ما تجدُ راوياً آخر، مشغولاً بالبلاغة، معنيّاً ـ سرداً وحواراً ـ بقوالب أدبياتٍ وصفية جاهزة أو نمطية. التأثر الكلاسيكيّ واضحٌ حدّ الإعجابِ بالحشد اللغوي الذي يسوقه علي أبو السعود في عباراته. هنا، عليك أن تقرأ متخيّلاً نوعاً من السيناريو المعدّ لأداء تمثيلي. وتظهر ثقافة الكاتب الحديثة في استخدامه مفردات هي أقرب إلى مفردات المقالات، لا السرديات، في بعض المقاطع..!
ثم يفاجئك بعطف الحكاية، عطفاً الحكّاء المباشر:
ـ وأما شيخة فقد جاءت إلى بيتها: ص 40.
ـ فلنترك محمداً.. وكذلك نترك حسين.. وكذلك نترك ناصراً.. ونعود نستعرض حال شيخة: ص 89.
من الإنصاف الاعتراف بوجود “سرد” يتوازن و “الحوار” في الحبكة الروائية إجمالاً. لكنّ ما يقوله الكاتب على لسان شخصيات “شيخة” فيه إعمالٌ مسرفٌ للتلقين. أظنّ أن الأستاذ علي الدميني التفت إلى ذلك في مقالة كتبها عن “شيخة”، حين توقف عند “خروج “أم صالح” من ثوب “الداية” التي رعت “شيخة” في صغرها، إلى مكانة أصحاب الرأي والحكمة”، والكلام للدميني. يضيف متسائلاً “فهل عجز الروائي عن إسناده إلى فاعل من أبطال الرواية..؟”..!
المعنى الذي أُريده؛ هو أن الكاتب لقّن بعض شخصياتهِ تلقيناً. لذلك؛ تأثّرت اللغة كثيراً بهذا الإجراء المسرف. في منطقة الحوار من “شيخة”، تجد الكاتب نفسه، لا الشخصية التي يوظفها في روايته..!
حبيب محمود
المؤلف |
- علي بن حسن بن علي بن عبد الله آل أبي السعود.
ولد في القطيف في 14 ربيع الثاني 1324هـ، مايو 1906.
وتوفي في مدينة الكاظمية – العراق عام 1374هـ – 1954م.
من الشخصيات البارزة، عُرف بالتصدي لقضايا المجتمع والتواصل مع المسؤولين.