مكفوف.. خرّيج تاريخ.. مأمور سنترال.. في شركة صناعية أحمد العلوان: أريد وظيفة لائقة.. وعناية بالمكفوفين
القطيف: صُبرة
في مدخل ملتقى “التطوّع نماء وتنمية” كان أحمد العلوان يجلس أمام آلة الكاتبة بلغة برايل. ابن الـ 32 يرتدي نظارة سوداء، ويحاور زوار الملتقى، ويكتب أسماءهم بالآلة. إنه عضو مركز رعاية المكفوفين في محافظة القطيف، تحت مظلة جمعية مضر. ومن موقعه كانت ملامحه مبتسمة، مرحّبة بمن يسأله عن ركن المركز، وبمن يطلب كتابة اسمه.
حسناً؛ العلوان يُشقلب الصورة المعتادة.. في العادة يطلب المكفوفون من المبصرين الكتابة لهم. لكن العلوان ـ المكفوف ـ هو من يكتب للمبصرين هذه المرة، وفي كلّ مرة يُشارك المركز في فعّالية من الفعاليات.
خديج
لكنّ وراء الوجه الباسم؛ قصة طويلة، ليست كل تفاصيلها باسمة مثل وجهه البشوش. وُلد “أحمد” خديجاً في عمر 6 اشهر جنينية، سنة 1988م، وعاش بقية أشهر الحمل في الحضانة، ولم يخرج من تلك المرحلة الحرجة إلا وهو مكفوف.. يُشير “أحمد” بإصبع اتهامه إلى إمكانيات مستشفى “الشويكة” الذي بدأ فيه حياته..! لكنّ هذه الإشارة لم تعد مؤثرة.. المستشفى لم يعد موجوداً، و “أحمد” لم يُبصر شيئاً في حياته..!
مع الدمج
البداية الثانية؛ كانت في معهد النور في القطيف.. 4 سنوات من الدراسة الابتدائية أمضاها فيه.. ثم دخل بداية ثالثة.. دُمج ضمن المبصرين في أول دفعة برنامج الدمج في التعليم.. أكمل الابتدائية في مدرسة جعفر بن أبي طالب.. ثم المتوسطة في “سعد بن عبادة”، ثم ثانوية القطيف.. أكمل التعليم العام بنجاح..
إلى الجامعة
جاءت الدراسة الجامعية؛ فحدثت أول عثرة.. الدراسة في جامعة الملك عبدالعزيز بعيدة.. ومجهدة.. لذلك؛ لم يستطع الشاب “أحمد” سوى إنها فصل واحد.. نقل أوراقه ـ بعدها ـ إلى الرياض، حيث جامعة الملك سعود، ليدرس التاريخ، ويتخرّج من الجامعة بدرجة البكالوريوس..!
وبعد البكالوريوس؛ أنهى دراسة التربية، وتخرّج حاملاً الدبلوم.. كان يأمل أن يحصل على وظيفة تناسب مؤهلاته.. بكالوريوس في التاريخ، ودبلوم في التربية، لم يمنحاه وظيفة لائقة..
هكذا واجه أحمد العلوان واقعه وقدره.
إنصاف المكفوفين
“لا شيء يُنصف المكفوفين”.. هكذا يرى بعد سلسل من التجارب.. يضيف “كل ما نراه ونسمع عنه كلامٌ في كلام”.. هذا التبرُّم كرّسته تجاربه.. في وقتٍ من الأوقات.. باع شواحن الجوال واكسسوارت الأجهزة في كورنيش القطيف.. مكفوف يبيع في الهواء الطلق.. كانت تجربة شهر لم تعد عليه بشيء.. أعاقته أمور كثيرة، فعاد إلى المنزل.
والان؛ يعمل “مأمور سنترال” في شركة خاصة في المدينة الصناعية الثانية.. خريج التاريخ والتربية؛ يليق به أن يكون معلماً، في الحدّ المتوسط.
لكنّ المكفوفين يواجهون تحدّيات أعلى من طاقتهم.. في ميدان العمل يتكرّس هذا الرأي عند العلوان الذي يعول طفلاً وزوجة. يقول “نريد عناية أكثر بالمكفوفين.. تعليهم وحده لا يكفي.. فهم بعد التعليم لا يعرفون ماذا يفعلون”. يُضيف “ومن يوظفنا يستغلّنا.. أو يوظفنا بشكل صُوري فقط.. حتى مع وجود إمكانيات لدينا”.
يضيف أيضاً “لديّ إمكانيات كثيرة، بينها التعامل مع الحاسب الآلي.. والجوال.. إضافةً إلى إمكانية التعليم.. لكن أين الوظيف.. اكتب كلامي وانشره: أريد عملاً لائقاً”..!
وبدورنا؛ كتبنا كلام أحمد العلوان ونشرناه.