الأطفال وأزمة كورونا المستجد الرعاية والتأهيل
عبدالإله التاروتي*
تظل أزمة فيروس كورونا المستجد، مفتوحة على كل الاحتمالات المتوقعة وغير المتوقعة ما لم يتم حصر تفشي الفيروس بتوخي الحذر من خلال الالتزام بالتعليمات الصادرة من الجهات ذات العلاقة والمتطلب الإتيان بها من قبل الفرد والجماعة والمجتمع على حد سواء. ومن أولويات هذه الحيطة والحذر عملية الحجر الصحي ومن مظاهر متطلبات هذا الحجر الصحي: عدم الخروج من المنزل إلا للضرورة والعودة إليه في أسرع وقت ممكن، والابتعاد عن أماكن التجمعات البشرية، مضافاً إليها النظافة الشخصية المتصلة بأساليب الوقاية كغسل اليدين بالماء والصابون، أو بسائل التعقيم، وعدم لمس الوجه والأنف والعين واليد، وأخذ مسافة بين المتحدث والآخر، واستخدام الكمام والقفاز بحسب الموصى به ، وبقية الإرشادات والتوصية ذات العلاقة.
والأطفال بوصفهم وحدة من البناءات الحيوية والمهمة في كيان الأسرة والمجتمع يتأثرون بما حولهم ويؤثرون فيه، واستجاباتهم لتداعيات الأزمات لا تقل عن استجابات البالغين والكبار، إن لم تكن هذه الاستجابة أعلى بكثير مما يمكن تصوره على الوضع والحالة النفسية للأطفال من خلال ما تتركه هذه الازمة على مستوى تكيفهم النفسي والاجتماعي وما يؤدي إليه سوء التكيف هذا من ضعف أو تأخر أو تعطيل على مستوى الأداء والإنجاز المدرسي للطفل المتعرض للأزمة إن كان طالبا أو ممن هو في مرحلة رياض الأطفال.
ومما يواجه الآباء والمشتغلين في حقل معالجة مشكلات الاطفال هو عدم قدرة وتمكن الطفل عن الإفصاح عن مشاعرة وهواجسه حيال مصادر توتره وقلقة وإن أفصح عنها أو بعض منها بالشكل العام، فقد لا يسعفه مخزونه اللغوي أسوة بالبالغين والكبار بالتعبير عن هذه الهواجس والمخاوف.
وهنا تأتي أهمية تلبية احتياجات هذه الفئة عند الأزمات التي تتعرض لها الأسرة (كفقد أحد الوالدين أو أحد الاقارب والأصدقاء وغيرها من الأزمات)، أو أثناء الكوارث الطبيعية وغيرها، كتفشي الأوبئة والأمراض الخطيرة والمعدية، كما هو الحال في الأزمة العالمية الراهنة – فيروس كورونا المستجد – فالعمل على خط إدارة الأزمات من مهامه الرئيسة هو سد ومعالجة الخلل والضعف في المراكز وبؤر الأزمة حسب الإمكانات والموارد البشرية والمادية المتوفرة، مراعياً في ذلك سلم الأولويات في التنفيذ من خلال منظومة عمل مؤسسية، يتولى الإشراف عليها مصدر القرار في الجهاز الرسمي للدولة ومن خلاله تعمل وتتفاعل بقية المؤسسات والأطر الاجتماعية الأخرى، كمؤسسات العمل الخيري الاجتماعي، والقيادات الاجتماعية المحلية، والأسرة بوصفها نواة للمجتمع، حيث تعمل كل هذه الدوائر في شكل منظومة عمل متكاملة كل من موقعه ومسؤولياته هدفها الرئيس الخروج من هذه الأزمة بأقل كلفة ممكنة من الخسائر البشرية والمادية.
وطبيعة العمل هذه تأخذ عدة استراتيجيات وتكتيكات تنبثق عنها. ومن هذه الاستراتيجيات مواجهة الأزمة كأزمة، وأيضاً مواجهة التداعيات المتوقعة وغير المتوقعة أثناء الأزمة وبعدها. وهذه المهام من غير شك تتطلب جهوداً جبارة لا يستهان بأي خطوة أو يستقل من أي مجهود يقدم حتى على مستوى (رسالة واتس آب) إيجابية وفاعلة لها أثر بالغ ينعكس إيجابا على مجمل أداء منظومة العمل بشكل أو بأخر.
وعلينا أن ندرك بأن ردود الفعل الأولية للطفل حيال الأزمة تختلف بطبيعة الموقف من طفل لآخر كما هو الحال من فرد لآخر، تبعا لمتغيرات كثيرة منها: ما يتعلق بأساليب التنشئة الاجتماعية التي تلقاها خلال تنشئته، وكذلك ما يتعلق بعامل الاستعداد لدى شخصية الفرد/ الطفل في مستوى درجة الفعل ورد الفعل عند الأزمة. وبحسب (دليل الصحة النفسية المدرسية) بشأن ردود الفعل الأولية للفرد أمام الأزمة تتمثل في أربع نقاط هي:
: ردود الفعل الأولية: تتمثل في شعور الفرد بالتخدير الحسي عندما تحدث الأزمة، ومن ثم الانتقال إلى عدم الاستيعاب بما يحدث حوله، ويتبع ذلك مرحلة الهستيريا من الصراخ والبكاء، وتنتابها مظاهر نفسية وجسدية.
ردود الفعل قريبة الأمد: وهي عبارة عن حالة من القلق واضطراب في النوم، مصحوباً بصعوبة في التفكير، بحيث يشتمل على صعوبة في الدخول في النوم، أو صعوبة في الاستمرار فيه، بسبب الكوابيس التي يعاد خلالها معايشة الحادث.
ردود الفعل متوسطة الأمد: وفيها يبدأ الأنسان في الشعور بعدم الاطمئنان، وأحياناً الشعور بالذنب، لعدم قدرته على تقديم المساعدة، حيث ينتاب الفرد حالة من الغضب ينتج عنها العجز أمام الأزمة، مما يؤدي ذلك إلى حالة من الانتكاسة النفسية والجسدية تظهر على شكل بعض الأعراض الجسمية والنفسية.
ردود الفعل طويلة الأمد: تعتمد هذه الردود على الخصائص والقدرات التي يمتلكها الفرد، لكي يتكيف مع الأحداث والأزمات، والتي تؤدي إلى ردود الفعل المرضية، كظهور الأمراض السيكوسوماتية مثل: (القرحة، وانسداد الشرايين)، أو ظهور الاضطرابات النفسية مثل: (الاضطرابات العصبية، الاضطرابات الذهانية)، مما يتطلب إشراك دور المختص النفسي لتقديم المساعدة المناسبة لكل فرد في المجتمع، ومن هذه الجهات المعنية المساعدة في تقديم خداماتها في هذا الجانب:
وزارة الصحة: فيتمثل في العيادات النفسية في المستشفيات المركزية، ومستشفى الأطفال والولادة، والمراكز الصحية، ومجمع إرادة للصحة النفسية.
وزارة التعليم: للحالات الطلابية فيتمثل في وحدات الخدمات الإرشادية، ومنها وحدة الخدمات الإرشادية – مكتب التعليم بمحافظة القطيف ومقرها في (حي التركية – ملحقة بمدرسة مؤتة المتوسطة)
ومن غير شك ينبغي التنبيه والتأكيد على أن تقوية الوازع الديني والإيماني لدى الإنسان بشكل عام، وفكرة الإيمان بالقضاء والقدر بشكل خاص، تجعل إمكانية حدوث الاضطرابات النفسية الناتجة عن الصدمة أقل حدوثاً – إن حدثت – في المجتمع المؤمن مقارنة بالمجتمع غير المؤمن. فالإيمان عامل مهم في تقليل الآثار المترتبة عن الصدمة من دون أن نغفل العامل المهم للخصائص والقدرات التي يمتلكها الفرد ودرجة تكيفه مع الحدث والأزمة، فبمقدار قربه أو بعده عن هذا العامل تتجلى آثار الصدمة والأزمة قوة أو ضعفاً على أدائه وإنجازه، الأمر الذي يحدد التدخل العلاجي من عدمه.
ومن هذه الرؤية الشمولية في إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد، تأتي أهمية الإضاءة على تلبية احتياجات الأطفال في ظل الأزمة الراهنة.
ولنا أن نتصور الطفل في أزمة كورونا المستجد، في دوائر ثلاث هي:
الدائرة الأولى: دائرة الطفل الطبيعي في فترة الحجر الصحي العام.
الدائرة الثانية: دائرة الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة والأمراض المزمنة.
الدائرة الثالثة: دائرة الطفل المخالط لمصابين / أو المصاب بفيروس كورونا المستجد، وفرضية احتمال أن يكون هذا الطفل من إحدى الدائرتين الأولى أو الثانية، تبقى فرضية منطقية وعالية الاحتمال، وبذلك يتطلب العمل مع هذه الفئة إلى نوعين من الرعاية والاهتمام أثناء عملية الحجر الصحي وهما: رعاية تخصصية في المشفى الصحي، ورعاية منزلية (العزل المنزلي)
خطوات في الرعاية والتأهيل
بشكل موجز يمكن عرض بعض خطوات الرعاية والتأهيل للطفل أثناء أزمة كورونا المستجد ومنها:
* تبصير الطفل وتفهيمه حسب مدركاته العقلية والاستيعابية لطبيعة الأزمة وما هو مطلوب منه من توخي الحذر والحيطة والعناية بالنظافة الشخصية.
* تفهيم الطفل بأن الفترة الزمنية المحددة بالحجر الصحي هي 14 يوما متواصلة، سواء كانت في المنزل أو المركز المتخصص.
* التواصل مع الأهل والأصدقاء بعدم استقبال الزائرين خلال فترة الحجر الصحي من أجل سلامة الجميع، وعلى الكل تفهم ذلك دون حساسية.
* تدريب الطفل وتعليمه كيفية غسل اليدين بالماء والصابون بشكل صحيح، وكذلك تبصيره بأهمية استخدام المعقم.
* تفهيم الطفل بعدم الاختلاط بأقرانه من الأطفال أثناء فترة الحجر الصحي، وهو ما دعى الأسرة لعدم استقبال أو زيارة الأهل والأصدقاء.
* تفهيم الطفل بتأجيل الزيارات العائلية وغيرها من الممارسات الحياتية المعتادة كالذهاب للأسواق والمطاعم.
* إيلاء الطفل ذي الاحتياج الخاص والمرض المزمن، ونقص المناعة ممن تمت له زراعة عضو، درجة عالية من العناية والاهتمام لأن ذلك هو خط الدفاع الأول، والاستثمار الحقيقي الذي يجنب الطفل والأسرة تداعيات الإصابة بهذا الفيروس.
* تجهيز ملف سهل التناول يحتوي على التقارير الخاصة بحالة الطفل الصحية والإدراكية إذا دعت الحاجة للتواصل مع الجهات ذات العلاقة لطلب المساعدة في هذا الشأن، أو صرف وصفة علاج.
* التعرف على المراكز المتخصصة التي تقدم خدماتها أثناء فترة الأزمة، وتزويد أفراد الأسرة بالمعلومات المتصلة بها بغية التواصل معها حال الضرورة ومنها الرقم الموحد 937.
* إشعار الطفل بالأمان العاطفي والحنان حال تم تشخيصه – لا قدر الله – بإصابته بفيروس كورونا المستجد.
* إشعار الطفل بأنه غير مستبعد وبأنه شخص محبوب ومرغوب في الجلوس واللعب والحديث معه، ولكن خوفاً عليه ولسلامته وسلامة بقية أفراد الأسرة تم هذا الإجراء وهو أمر وارد لكل فرد من الأسرة إذا لم يلتزم بتنبيهات الوقاية.
* إشعار الطفل بأنهم قريبون منه، وبأنهم في رعايته واهتمامهم الدائم حتى يتجاوز هو وإياهم فترة الحجر الصحي.
* تقبل ردود فعل الطفل من جراء صدمة نتيجة فحصه الايجابية فهي طبيعية ومتوقعة، وعليك أقصى درجات ضبط الأعصاب لأن استجابتك الإيجابية هذه هي مقدمة مهمة لتقبله واستجابته كخطوة تالية.
* إشعار الطفل بقدرته على تجاوز الأزمة وذلك من خلال تعاون الجميع معه.
* حال تقرر فصل الطفل عن الأسرة – الرعاية بالمشفى – احرص على الاتصال المنتظم والمتكرر مع الطفل من خلال الهاتف ومكالمات الفيديو وغيرها من الوسائط بغية بعث الاطمئنان إليه وبأنه في بيئة آمنة.
* تذكر بأن الأطفال عادة يرتاحون إذا كانوا قادرين على التعبير عن مشاعرهم المزعجة والتواصل معهم في بيئة آمنة، فكل طفلة / طفل له طريقته الخاصة في التعبير عن مشاعره، في بعض الأحيان الانخراط في نشاط ابداعي مثل: اللعب والرسم في تسهيل هذه العملية، فمهم جداً مساعدة الطفل / الطفلة على إيجاد طرق إيجابية للتعبير عن المشاعر المزعجة مثل الغضب والخوف والحزن.
* ابتكار أساليب إبداعية في التواصل مع الطفل أثناء فترة الحجر الصحي، من خلال منصات التواصل الاجتماعي الإلكترونية وما يتوافر فيها من تطبيقات.
تجربة وتدريب
يبدو من المهم وبحسب ضرورات المرحلة والأزمة العمل بتطبيق التدرب من قبل أفراد الأسرة على تطبيق عملية العزل المنزلي والتي تؤدى كنشاط تقوم به الأسرة في فترة الحجر الصحي العام، ويمكن لرب الأسرة أن يضيف أو يعدل ما يناسب طبيعة الإمكانات والموارد المتاحة إليه على التدريب.
الهدف العام للتدريب: التهيؤ الذهني والنفسي لأفراد الأسرة حال تطلب إجراءاً من هذا النوع، عندما تظهر نتيجة إيجابية لإصابة أحد أفراد الأسرة لا قدر الله.
المورد البشري: جميع أفراد الأسرة يخضعون للتدرب على تجربة الحجر الصحي (الفردي)
التوقيت الزمني: ربع ساعة يوميا تزيد خمس دقائق عن كل يوم، خلال فترة الحجر الصحي العام
مكان التجربة: المنزل من خلال التواجد في غرفة يختارها الشخص ينعزل فيها عن بقية أفراد الأسرة للمدة المحددة
الأدوات المساندة: أدوات نظافة، مواد معقمة، قفازات، ….الخ.
وسائط الترفيه: الأجهزة الإلكترونية بهدف التواصل مع أفراد الأسرة عبر مجموعة العائلة، الالعاب الإلكترونية، التواصل مع الأصدقاء، أدوات رسم وتشكيل يعبر فيها الطفل من خلال الرسم والتشكيل ما يدور بخلده ووجدانه من مشاعر وأحاسيس.
ختاما أقول: بالقدر الذي نوليه في رعاية وتأهيل الأطفال أثناء فترة الأزمات والكوارث وغيرها، تتمظهر عناصر القوة الدافعة نحو تجاوز الأزمة وهو الاستثمار الحقيقي في استحضاره عند مواجهة الازمات سواء على المستوى الشخصي، للفرد والأسرة أو على مستوى المجتمع، وبهذا وبغيره من عمليات التثقيف والتأهيل يمكن تحويل الأزمة إلى فرصة.