حين بكى مؤذن حيّنا: صلّوا في بيوتكم…!
حبيب محمود
على غير المُعتاد؛ تركتُ ما في يدي لأتابع أذان مسجد الحيّ الصفواني.. كنتُ أريد أن أسمع الأذان كاملاً، بعد انتشار خبر تعطيل صلاتي الجمعة والجماعة في البلاد، تحرُّزاً من الفيروس سيء الصيت.
ما إن أنهى المؤذن النداء؛ حتى تغيّر صوته.. صوته الأجشّ الجاد الذي أعرفه ترجرج، أو لنقُلْ: تدحرج إلى ما يُشبه حشرجةٍ حزينة.. تسارعت الحشرجة، وتقطّعت بشهقات مخلوطة بصوت بكاء:
صلّوا في بيوتكم،
تماماً كما أفتت ـ أمس الأربعاء ـ هيئة كبار العلماء.
بالتأكيد؛ لو كنتُ المؤذّنَ؛ لأصابني ما أصابه، إن لم يكن أكثر. الوضع الاحترازي في بلادنا؛ وصل إلى هذا الحدّ.. حدّ أن يُصلّي الناس في بيوتهم، ولا يرودون المساجد، حتى لا يُعدي بعضهم بعضاً بالفيروس الذي أربك سكان الكوكب.
المؤذن الذي عاش حياته متعبداً في صفوف المصلّين، ومعتاداً أن يُنادي الناس للصلاة في المسجد؛ صار عليه أن يرفع النداء، ويطلب إلى الناس ألا يأتوا إلى المسجد. بالتأكيد؛ إنها صدمة.. صدمة مُبكية..!
ولكنّ هذا الحرج الشديد؛ مرفوعٌ عن الناس، في وضع خاصّ وغير مسبوق. أمورٌ كثيرة في بلادنا يُمكن أن نضعها في قائمة طويلة، ونضع لها عنواناً واحداً: للمرة الأولى في المملكة…!
للمرة الأولى توقف الدراسة، الرياضة، السفر والطيران الدولي، ذهاب الموظفين إلى مكاتبهم.. للمرة الأولى تُغلق مجمعات تجارية، حدائق، شواطىء، محلات تجارية.. وقبلها تعليق العمرة، وزيارة المدينة المنورة.. وقائمة طويلة من “التعليقات” التي تعني “التوقف المؤقت”.
باتت كلمة “تعليق” وسماً في استعمالاتنا اليومية، على خلفية الإجراءات الاحترازية التي لم تكن تخطر على بال أحد قبل دخول شهر مارس. كلُّ شيء تحت التحرُّز والتحوّط العالي؛ تحاشياً لتجمّع الناس واحتشادهم، فيتسرب الفيروس من المصابين إلى الأصحاء.
والأمر لا يستثنى تجمّع الناس في المساجد حتى من أجل الصلاة.. إنه وضعٌ غير مسبوق على تسعة أعشار الشعب السعودي الذي لم يُجرّب سابقاً أي نوع من أنواع الحجر الصحي والاحتراز العالي جداً.
غير مسبوق فعلاً؛ بيد أنه سوف يستحيل ذكرىً لنا، وتاريخاً لأجيال قادمة.. سوف نروي للأجيال كيف حُصّنـّا بأعلى مستوى من الحماية، وكيف نجحنا في مواجهة وباء عالمي، وكيف عبرنا جسر السلامة إلى ضفة الحياة الطبيعية..