بحث استقصائي في مجلة أمريكية: هل كان حجر القطيف إجراءً سياسياً أم صحياً…؟ أستاذ علم الاجتماع عبدالله الربح يفنّد المزاعم ويؤكد: مصلحة المواطن فوق المخاوف السياسية
القطيف، عرض ومراجعة: بيان آل دخيل
هل كان حجر محافظة القطيف إجراءً سياسياً أرادت منه الحكومة السعودية ممارسة عمل طائفي ضدّ المواطنين الشيعة في المحافظة..؟
هذا الاتّهام تجرأ عليه بعض المعادين خارج المملكة، وحاولوا تكرار مضامين تحريضية في تصوير الإجراء الذي اتخذته الجهات المعنية في المملكة، منذ الـ 8 من شهر مارس الماضي. وكرّسوا جهدهم في نشر تغريدات ومنشورات لتسييس الموضوع على طريقتهم المعتادة، في محاولة لدغدغة مشاعر طائفية في القطيف.
لكنّ أستاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة جراند فالي الأمريكية الدكتور عبدالله الربح؛ نشر بحثاً استقصائياً انتهى فيه إلى قناعة مستقلة، مفادها أن الإجراء الحكومي كان صحّياً صرفاً، ولا يمكن حمله على محمل سياسي أو طائفي، مستدلاً على ذلك بسلسلة من التدابير المصاحبة التي انتهجتها الحكومة منذ بدء اكتشاف الفيروس في المملكة، حتى أمس الأول الأربعاء.
زعم مكرر
البحث باللغة الإنجليزية، وقد نشره الدكتور الربح في موقع معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أمس الأول الأربعاء، وخلص إلى أن ما قامت به المملكة من إجراءات لمواجهة فيروس كورونا (كوفيد 19) كانت تأكيداً للصحة العامة وليس عملاً من أعمال السياسة الداخلية.
هناك جدل دائر أثير في بداية حجر محافظة القطيف وكرر معارضون في الخارج زعمهم بأن حجر المحافظة حصرياً شكل من أشكال الإجراءات السياسية.
وكان الفيروس قد ظهر لأول مرة في محافظة القطيف، وتم على إثر ذلك وضع المحافظة تحت الحجر الصحي في الثامن من مارس كإجراء سريع لمنع انتشار العدوى خارج المحافظة.
انتشار الفيروس السريع جعل القيادة أكثر اعتماداً على نهج وطني أكثر شمولية؛ ومع نهاية شهر مارس سجلت منطقة الرياض أعلى نسبة إصابة (36.72%)، تليها منطقة مكة (32.69%)، ثم المنطقة الشرقية (20.02%).
منصة عالمية
وفي حديثه لـ “صُبرة”، بيّن الربح أن سبب اختياره معهد دول الخليج العربية في واشنطن لنشر بحثه بقوله إن المعهد “أكثر المنصات اهتماماً بقضايا المنطقة من خلال الفعاليات التي يقيمها والأوراق التي ينشرها. وقد سبق لي التعاون معهم بنشر موضوع حول تداعيات ما بعد إنشاء مشروع وسط العوامية”.
وفي بحثه كتب “بالنظر إلى تاريخ المحافظة، بدا السؤال معقولاً، فيما لو كان الدافع وراء الحجر سببه المخاوف الصحية أو شأناً سياسياً.
وبعد التقصي، قرر الربح أن يعود للإجابة عن السؤال بالعودة إلى الثاني من مارس، أي بداية ظهور أول حالات لفيروس كورونا (كوفيد19) في المملكة، متطرقاً إلى شأن المواطنين الذين عادوا من إيران بعد انتهاء زيارتهم لضريح الإمام الثامن علي بن موسى الرضا في مشهد.
وأكد: مع الأخذ بعين الاعتبار منع الحكومة السعودية مواطنيها من السفر إلى إيران بسبب توتر الأوضاع السياسية بين الدولتين، وبسبب سفر هؤلاء المواطنين عبر دولة ثالثة وتنازل إيران عن ختم جوازاتهم، كإجراء معتاد للرعايا الأجانب، وهو ما قابله كثير من القلق بالأخص مع نقص شفافية إيران بخصوص الفيروس ما دفع الحكومة إلى عزل المحافظة بكاملها لاحتواء الفيروس ولمنعه من الانتشار قدر الإمكان.
خوف مواطنين وطمأنة حكومة
وتطرق الربح إلى خوف بعض المواطنين الذين سافروا إلى إيران من الملاحقة القانونية، إلا أن المملكة طمأنتهم وأعلنت العفو عن جميع المسافرين إلى إيران في حال إفصاحهم. وهو ما أكد أن الهدف الأساسي للحكومة هو وقف انتشار الفيروس ووضع مصلحة المواطن فوق المخاوف السياسية فيما يتعلق بالسفر إلى إيران.
يلاحظ الربح أن بعض كتاب الرأي وصحافيين وأكاديميين لجأوا إلى تحريض طائفي ضد مواطنين في القطيف والشيعة بشكل عام، لكن مستوى الطائفية المقيتة سرعان ما انخفض، خاصة بعد انتشار الفيروس خارج المحافظة.
كما لفت الربح النظر إلى العدد الكبير من المواطنين السعوديين الذين دعموا القطيف معنوياً على مواقع التواصل الاجتماعي.
متعاونون مع الدولة
وكتب الربح أن أهل المحافظة يقدرون عمل الحكومة بشكل عام ويتعاونون معها، مشيراً إلى رجال الدين الشيعة الذين كانوا من أوائل من دعموا عمل الحكومة من خلال الدعوة إلى تعليق التجمعات الدينية بما فيها صلاة الجماعة ومناسبات أهل البيت المتنوعة.
وقد ذابت الفروقات مع المناطق الأخرى في المملكة بحسب الربح، خاصة أن الفيروس لم يعد انتشاره حصراً على القطيف، وظهرت حالات في ثلاث من أكبر المدن في المملكة؛ مكة، جدة، الرياض وشهدت هذه المناطق على إثر ذلك قيوداً متعددة كتعليق العمل الحكومي، انتقالاً إلى الحجر الصحي في الخامس والعشرون من شهر مارس ومنع التجول في كلا من الرياض ومكة والمدينة، وتم تمديد منع التجول في هذه المدن ليبدأ من الساعة الثالثة مساء.
تفسير التأخير
ورأى الربح أن إمكانية تفسير التأخير هذه السياسات بالنظر إلى مسار انتشار الفيروس، وبالنظر إلى حجم هذه المدن، وهي أكبر بكثير ويتطلب حجرها قدراً كبيراً من التخطيط.
وقال الربح إن القيود الحالية تطبق في نطاقات أوسع بكثير من محافظة القطيف، والإجراءات التأديبية لمنتهكي الأوامر الحكومية المتعلقة بالفيروس تشمل جميع المنتهكين دون تحديد منطقة معينة.
وأكد الربح أن خطاب الملك سلمان الذي ألقاه مؤخراً قد أشار إلى نهج كامل لمكافحة الوباء، ثم تلته الأوامر الملكية بدفع مقابل اختبار وعلاج جميع السكان بغض النظر عن الجنسية أو الوضع القانوني، وبعد تطبيق منع التجول في أنحاء المملكة، يقدر السعوديون كل ما تفعله المملكة لأجل المصلحة العامة. وقد أبدى عدد من المواطنين في القطيف امتنانهم على الحجر الصحي الذي يضمن سلامة المجتمع، والعديد من السعوديين يقدرون هذه الفرصة لقضاء مزيد من الوقت في المنزل.
منبر مستقل
يجدر ذكره أن الباحث الربح استعان بإنفوغرافات ومعلومات نشرتها صُبرة، وتُرجم بعضها خصّيصاً لصالح البحث، في استدلاله على انتقال الحكومة من التعامل مع عدوى الفيروس كقضية إقليمية إلى مسألة تتعلق بالأمن القومي.
ووصف الربح صحيفة صُبرة بالنافذة التي يطل منها على الأحداث في الوطن وهو في أرض الغربة.
وقال “عندما نتحدث عن موضوع كورونا، فإنني أستقي الأخبار من وكالة الأنباء السعودية كمنبر رسمي وصحيفة صُبرة كمنبر مستقل”.
من هو الدكتور عبدالله الربح..؟
- عبدالله فيصل عبدالعزيز الربح.
- باحث يعمل أستاذاً مساعداً في جامعة جراند فالي الأمريكية منذ 2014م.
- سعوديّ الجنسية، ومن قلب محافظة القطيف، وتحديداً من قلب بلدة العوامية.
- يحمل الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة ميشغن، مبتعثاً ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي.
- كانت أطروحته عن تأسيس ونشأة الدولة السعودية في الإعلام الغربي.
- يحمل الماجستير في النقد والأدب من جامعة الملك سعود، وأطروحته عن الشاعر العراقي مصطفى جمال الدين.