مع رجال سلمان.. حكاية طالبة سعودية من هيثرو إلى الشرقية

ابنتي حجزتْ وكانت رحلتها ليلاً لتستيقظ صباح يومها وقد أُغلقت مطارات السعودية وتوقفت الرحلات، لكنها لم تستسلم.. شعارها العودة إلى الوطن!!

بدأتْ بالتواصل مع سفارة المملكة والملحقية وعبر منصات التواصل الاجتماعي، وهنا يبرز دور رجالات الدولة وماتحلوا به من شهامة وكرم أخلاق.

وأنا ـ كأم ـ تواصلتُ معهم، وحقيقة ودون تأخير مجرد أغرد على تويتر يتم التواصل معي ويسمعونني أطيب كلام يطمئني، ودائما يقولون لي أي شيء تحتاجه بناتنا نحن نوفره لهن بكل رحابة صدر وامتنان، وأن المملكة تبذل قصارى جهودها لإجلاء مواطينها وعودتهم إلى أرض الوطن.

قضتْ ثلاثة أسابيع محجورة في شقتها.. الأكل بالكاد يسد رمقها.. والأخبار مقلقة.. أعداد المصابين بكورونا تتضاعف يوماً بعد يوم.

يصعب عليها النوم، حتى تعذر عليها مواصلة عملها في المنزل، شبكة الأنترنت ضعيفة، ومشرف الدكتوراه يريد عمله كاملاً في الوقت المحدد، كم هو صعب على الإنسان أن يشعر بالضغط النفسي ولا يوجد من يؤازره ويساعده فلا حول ولا قوة لك إلا بالله.

يوم حظر التجول

حتى جاء فجر يوم الاثنين٢٣مارس، وفُرض فيه تم حظر التجول من السابعة مساءً إلى السادسة صباحاً، أرسلتْ لي رسالة تقول فيها “أمي ربما استطيع القدوم إليكم!

سألتها: كيف ذلك يا ابنتي؟

قالت: لا وقت لدي، فيما بعد سأوضح لك كل شيء.

انتظرتها حتى الثالثة فجراً. قالتْ سأذهب إلى لندن مع سائق تاكسي خاص وأسافر عبر مطار هيثرو إلى البحرين مع صديقة لي في لندن. لم أنم ليلتها خوفاً حتى وصلتْ، ومباشرة من بيت صديقتها إلى المطار وقلتُ لها لن أبلغَ أحداً حتى أطمئن أنكِ صعدت الطائرة وأقلعتْ بكم.

في مطار البحرين

فعلا هذا ماحصل، في الثانية عشر ظهرا من يوم الاثنين أقلعت الطائرة، وطار قلبي ولُبي معها، حتى هبطت في مطار البحرين بحمد الله. وأنا بدوري اتصلتُ بسفارة المملكة في البحرين وأخبرتهم بقدوم ابنتي..!

بماذا أصفهم…؟ يعجز اللسان وتقصر كلمات قواميس اللغة مجتمعة عن أن تصف الحفاوة والتكريم وحُسن الاستقبال للجميع.

بعد الفحص الطبي تم نقل السالم منهم إلى فنادق خمسة نجوم. طلباتهم كأنها أوامر تُنَفذ، كل شيء على مايُرام.

لكن عندما تخلو النفس تعمل وسوسة الشيطان.. فكنتُ أذكرها بأن مع العسر يسراً، كانت الأيام تمر بطيئة، ليس عليها فقط وإنما على العالم أجمع، سمعنا أنه سيتم إجلاء السعوديين الموجودين في البحرين إلى السعودية خلال أربعة أيام عبر جسر الملك فهد.

في الدفعة الثانية

انتهى اليوم الأول.. ولم تكن ابنتي مع الدفعة الأولى، كانت مع الدفعة الثانية في يوم الأربعاء ٨ أبريل.. ومع ساعات الظهيرة الأولى بدأتْ عملية الإجلاء وإنزالهم من غرفهم في الفندق وركوبهم الحافلات استعداداً للإنطلاق.

 ما أسعدها من ساعات وما أكرمها من لحظات.. رجال سلمان يعزّون شعبهم، ويُكرمونهم أيما إكرام ومعزة. آلاف الناس شاهدتْ عملية نقلهم من حافلات عامة إلى السفارة السعودية، ومنها أقلوهم بحافلات كبيرة حتى يتسنى للركاب أن يجلسوا بأريحية مابين الراكب والآخر ثلاثة كراسي فارغة، وتم نقلُ أمتعتهم بسيارات خاصة.

بيّض الله وجوههم

كان رجال سلمان- بيض الله وجوههم- معهم لحظة بلحظة ومتابعة أمورهم.. طلبوا منهم أن يجلسوا ويرتاحوا في أماكنهم  في الحافلات، وصعد إليهم رجال الصحة -وفقهم الله- وسألوهم بعض الأسئلة، واستمروا معهم حتى اتمام أوراقهم ومعاملاتهم وتختيم جوازاتهم.

وفوق كل هذا وقفوا لوداعهم يلوحون لهم بإيدّ ٍ كريمة بيضاء. أما عند الحدود والجمارك السعودية فكان الترحيب بهم له طعم الوطنية ورائحة هواء الوطن ممتزج بالراحة والاطمئنان والاحساس بالأمن والسلام.

ما أجمل المواطنين وهم يستقلون الحافلة وهم يرددون سارعي للمجد والعلياء مابين ابتسامة فرح ودمعة أمل وعودة لأرض الوطن.

سارت الحافلة حتى وصلت بالسلامة أمام الفندق ليجدوا رجال الأمن في انتظارهم يرحبون بهم ويوزعون عليهم المعقمات والقفازات والكمامات وأوراقاً يكتبون فيها بعض المعلومات، ليتسنى لهم دخولهم في غرف الفندق ويتم حجرهم من جديد.

هذا كله يكلف الوطن مبالغ طائلة ومساعي وجهداً مبذولاً في سبيل سلامة المواطن وسلامة الوطن. الحمد لله، كل شخص له غرفة منفردة، وتوزيع الوجبات وغسيل ملابسهم، كل شي مجاناً.

لا يسعني في النهاية إلا أن أتقدم بخالص الشكر والامتنان لخادم الحرمين الشرفين وولي عهده الأمين وشكرا لوطني وبلدي مملكة العز والخير والكرم شكرا لرجال الأمن رجال وزارة الداخليةجميعا ??والشكر موصول لكل فرد دون استثناء من البروفيسور إلى عامل النظافة في وزارة الصحة ??شكراً لكل الوزارات ولكل الشركات ولكل من ساهم في الحفاظ على الوطن والمواطن وتوفير سُبل الحياة للمواطن والمقيم??دام عزك ياوطن??والله مامثلك بهالدنيا بلد??الله الي عزنا مالحد منة.

كاتبة المقال: والدة عانت في مع ابنتها في رحلة الإجلاء

إيمان عبدالرحيم الطالب