[ميناء القطيف 13] بحجة مكافحة القرصنة.. بريطانيا تدمّر مينائي القطيف والدمام

ميناء القطيف

مسيرة شعر وتاريخ

عدنان السيد محمد العوامي

ما تبقى من برج أبو الليف في وضعه الحالي

ما أكثر الذرائع التي تتذرع بها بريطانيا لتنفيذ مآربها في احتلال القطيف، فتحت عنوان: (عمليات بريطانيا في القطيف والدمام) كتب لوريمر يقول: >في سنة 1866، وعلى أثر انقطاع العلاقة بين الحكومة البريطانية وأمير الوهابيين بدأت سفينة صاحبة الجلالة (هاي فلاير) بقيادة الكابتن باسلي العمل في القطيف والدمام، وهي الأماكن الوحيدة – باستثناء العقير – التي يمكن الوصول إليها بحرًا، من أرض الدولة الوهابية.

وفي 13 يناير 186 وجَّه إنذارًا مدته 17 يومًا إلى أمير الوهابيين في الرياض، عن طريق ممثله في القطيف، وفي 30 يناير – وبعد مقابلة في خليج الفينستون[i] مع الرائد بيللي ـ المقيم السياسي – عاد كابتن باسلي – مرة أخرى – بسفينة صاحبة الجلالة (هاي فلاير) إلى القطيف حيث تأكد من عدم وصول رد الإنذار، وعلى هذا فقد دخلت القوارب بقيادة الملازم فليور ميناء القطيف يوم 2 فبراير وحطمت الحصن المعروف ببرج أبو الليف[ii].

كما دمرت سفينة وطنية لم تكن تستحق أن يُستولى عليها، وفي اليوم التالي أرسلت القوارب يقودها الملازم بونج لتدمير قلعة الدمام، إذا تيسر ذلك، ونزلت فرقة إلى البر، وكان عليها أن تتقدم مسافة طويلة ثم تهاجم القلعة، لكنها فوجئت بوجود حامية فيها أكبر مما كان متوقعًا، وتأكد المهاجمون بأنهم لن يجدوا مدخلاً إليها، وعلى هذا تراجعوا إلى قواربهم بعد أن فقدوا ثلاثة رجال قتلى، وجُرح ضابطان وثلاثة جنود وفي يوم 4 فبراير جدد الملازم لونج (؟) هجومه على الدمام وقت ارتفاع المد، ومالت القلعة، نتيجة ما أصابها من طلقات الرصاص والقذائف والصواريخ، لكنها لم تدمر تمامًا، وبقيت في أيدي الأعداء، وعادت السفينة البريطانية، بعد ذلك، من الأحساء إلى طرف الخليج، وقامت بعمليات أخرى حققت فيها مزيدًا من النجاحات<[iii].

حملة تركية تحتل القطيف

وصف الرائد البريطاني المقيم في البصرة هيربرت حملة بحرية جرَّدتها البحرية التركية على القطيف بأنها تتكون من السفينة الحربية البخارية “برونزة”، مسلحة بخمسة وعشرين مدفعًا، والسفينة “نيبتون” مزودة بأربعة مدافع، وسفينة الحراسة الخشبية “خوجة بك” من صنع البصرة، 22 مدفعًا، مصحوبة بعدد من وجهاء العراق، وزود حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح، الحملة بثلاثمائة سفينة نقل، وأبحرت من ميناء الكويت، أما الجند فعدَّتهم 4000 جندي نظامي، و1500 عربي، و9 مدافع، ونزلت إلى بر رأس تنورة، وسارت برًَّا إلى القطيف،  ولما رفض حاكم السعودي الاستلام هوجمت المدينة برًّا، وبحرًا[iv]، وهذه الحملة كان على رأسها أحمد بن مهدي بن نصر الله[v].

حروب وهروب، وهزائم وانتصارات

في ظني أن من يتتبع أخبار هذا الميناء في كتاب دليل الخليج للوريمر لن يتصور مطلقًا أنه ميناء تجاري، ينقل الأقوات والأكسية والأدوية، وإنما قاعدة عسكرية حربية، تزهق فيها الأرواح، وتمزق الأجساد، وتراق الدماء، وتسحق الرؤوس، فما أن تدول معركة إلا لتبدأ أخرى، وما يفك حصار إلا ليضرب آخر.

على الصفحة: 1297 يخبرنا لوريمر عن هجوم الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة على مينائي القطيف والعقير وحصارهما، سنة 1834م. أورد الخبر هكذا مقتضبًا، ولكنَّ من يرد معرفة الأسباب والتفاصيل فيمكنه مراجعة كتاب (عنوان المجد في تاريخ نجد  لعثمان بن بشر – حوادث سنة 1249هـ)[vi]، و(ساحل الذهب الأسود، لمحمد سعيد المسلم)[vii]، و(خيوط من الشمس)[viii]، و(شيخة)[ix].

على الصفحة: 1299 يتحدث عن توصل الأمير فيصل بن تركي والشيخ عبد الله إلى اتفاق أعيد به فتح الطريق بين البحرين ومينائي القطيف والعقير.

في الصفحة 1302 يورد خبر قيام العماير سنة 1837بحملة قرصنة على سفن ميناء القطيف ونهب القوارب العائدة للبحرين.

 في الصفحة 1318 تفاصيل عن مطاردة سفن حاكم القطيف الأمير فيصل بن تركي للشيخ محمد بن الشيخ عبد الله آل خليفة وأسره أثناء محاولته الهرب إلى ميناء (لِنْجَة) على الساحل الإيراني.

في الصفحة 1322، يتحدث عن عرض الأمير فيصل بن تركي حاكم القطيف في ديسمبر 1843، وساطته لحل الخلاف القائم بين آل خليفة المستقرين في الدمام، لكن الشيخ السابق رفض الوساطة، فأعلن الأمير فيصل الحرب على الشيخ عبد الله، فحاصر الدمام من البر والبحر، وانضم إليه حاكم الكويت الشيخ جابر الصباح فأرسل سفينتين محملتين بالمؤن والعتاد الحربي، لمساعدته، لكن الشيخ محمد بن خليفة استطاع أن يستولي عليه بالقرب من دوحة بلبول (رأس على الساحل وجزيرة شمال الجبيل)، وحاول نقلها إلى الدمام على ظهور الجمال، فكادت هذه الحادثة أن تتسبب في خلاف عميق بين الشيخ جابر أمير الكويت والشيخ محمد بن خليفة، لو لا أن تمت تسويته بتوسط بريطانيا، وفي مارس 1844 تقدمت حامية الدمام بعرض للاستسلام، لكن الأمير فيصلاً لم يقبل بشروطها، وحين أحس الشيخ عبد الله بخطورة الموقف عبر الخليج محاولاً إيصال الإمدادات إلى حامية الدمام لكنه فشل واستولى أسطول الأمير فيصل على السفينة التي كانت تحمل المؤن، وانتهى الأمر باستسلام حامية الدمام على شرط الإبقاء على حياة جنودها.  

في الصفحة 1324 يتحدث عن أعمال الشيخ عبد الله أثناء إقامته في ناباند سنة 1844 – 1845، فيذكر أن تحركاته أثارت الفزع بين غواصي اللؤلؤ، وحاول مهاجمة عيسى بن طريف في الدوحة، لكنه تراجع حين علم أنه مستعد لمواجهته، وواصل سيره نحو البحرين، وراوغ عن قبول وساطة بادر بها ابن أخيه محمد، واتجه إلى القطيف، ومنها أرسل أحد أبنائه مبعوثًا ودِّيًّا إلى الأمير فيصل بن تركي. ويبدو أنه لم يتريث حتى ورود الرد، فعاد إلى مقرَّه في ناباند، وفي طريقه استولى على سفينتين صغيرتين بالقرب من الديبُل[x].

الصفحة 1325 يعرض الشيخ عبد الله سنة 1845 على المقيم البريطاني رغبته في الانتقال إلى القطيف من ناباند لشعوره بعدم اطمئنانه للإقامة فيها. ثم فجأة يتحالف مع خصمه اللدود فيصل بن تركي مستعينًا به لاستعادة البحرين، لكن المحاولة فشلت، فعاد لاجئًا في الكويت.

الصفحة 1326 في أوائل سنة 1847 كان الشيخ عبد الله مقيمًا في جزيرة تاروت مفردًا من الأنصار. هذا ما قاله لوريمر، لكنني أرجح أنَّ مراده بلدة دارين في جزيرة تاروت.  

  الصفحة 1336 تضمنت ما هو أقرب إلى الأحجية، ففيها أن الأمير فيصلاً أرسل مبعوثًا إلى البحرين اسمه محمد بن عبد الرحيم، وحين عودته جرَّده من الهدايا التي أهداها له  الشيخ محمد، شيخ البحرين، وأمر بسجنه، ولم يبين لوريمر من هو محمد بن عبد الرحيم، ولا إلى أيِّ أسرة أو قبيلة أو جهة ينتمي، ولا يجود علينا ما بين يدي من المصادر بأي خبر عمن اسمه محمد إلا أحد أجداد علي بن عبد الرحيم، وهو محمد بن علي بن إبراهيم إلى آخر نسبه المنتهي إلى بيات[xi]، فإذا لم يخنْ الحدسُ فلا أستبعد أن يكون أخًا لحليف آل خليفة وخصم فيصل اللدود: علي بن عبد الرحيم، زعيم سيهات سال الذكر[xii]، أو تربطه به رابطة نسب دُنيا، لعلها السبب في شكِّه فيه وسجنه، انتقامًا من قبوله هدايا خصمه الشيخ محمد بن عبد الله، شيخ البحرين، ومما يؤيِّد شكوكَ الأمير في مبعوثه؛ عودة أبناء الشيخ عبد الله من ملجئهم بالساحل الإيراني بأسطول ضخم تمكنوا به من اختراق الحصار والدخول إلى ميناء القطيف.

———–

([i]) هو خور، وليس خليجًا، والاسم أعطاه له الإنجليزي، من جملة هباتهم. موقعه في عمان غربي خليج مسندم، انظر: موسوعة تاريخ الخليج العربي، محمود شاكر، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمَّان، الأردن، 2003م، جـ2/674.

([ii]) برج أبو الليف: برج مشاد على (عيـﭻ؛ فصيحها: عيكة) نشز من الأرض) في وسط خليج القطيف، بين دارين وعنك، رأيت بقاياه، وصعدته مرارًا، والصورة المرفقة، من الأستاذ محمد الغريافي.

([iii])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، طبعة جديدة معدلة، ومنقحة أعدها قسم الترجمة بمكتب أمير قطر، طبع على نفقة الشيخ علي بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، جـ3/1448.

([iv] ) دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، مر ذكره، جـ3/1453، ساحل الذهب الأسود، محمد سعيد المسلم، مر ذكره، ص: 187.

([v] ) دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، طبعة جديدة معدلة ومنقحة، أعدها قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، جـ3/1453، ساحل الذهب الأسود، محمد سعيد المسلم، نشر مكتبة الحياة، بيروت، 1962م، ص: 59 – 76، ص: 187، وأخبار الكويت في رسائل علي بن غلوم رضا (الوكيل الإخباري لبريطانيا في الكويت 1899 – 1904)، تحرير وتقديم أ. د. عبد الله يوسف الغنيم، مركز البحوث والدراسات الكويتية، الكويت، 2007م، ص: 38، و56.

([vi])حققه وعلق عليه عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الحلقة 27، الطبعة 4، الرياض، 1403هـ، 1983م، جـ2/97.

([vii])منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة 2، 1962م، ص: 182 – 184.

([viii])مؤسسة البلاغ، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ 2000م، جـ1/88 – 92.

([ix])رواية كتبها علي بن حسن أبو السعود، راجعها عدنان السيد محمد العوامي، أصدرها نادي المنطقة الشرقية الأدبي، مطابع الشركة الشرقية، الدمام، الطبعة الأولى، 1435هـ 2014م، المقدمة.

([x])الديبُل Daibul: ميناء قديم على نهر في باكستان الغربية، زالت معالمه بعد طغيان مياه نهر السند عليه. المنجد في الأعلام.

([xi])ديوان (وحي الحياة)، ديوان شعر باللهجة العامية، الملا عبد المحسن محمد النصر العلي، تقديم السيد شبر علوي القصاب، طبعة محلية خاصة، 1436هـ، 2015م، الهامش (1)، ص: 61.

([xii])عنوان المجد في تاريخ نجد، الشيخ عثمان بن بشر، جـ2/96، 136.

تعليق واحد

  1. في ذلك الوقت لم تكن موجودة سوى آثار قلعة في جزيرة خليج تاروت تسمى جزيرة دمام ولم تكن الدمام الحالية موجودة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×