“كورونا” يمنح تشكيليي القطيف أفضل فرصة تفرُّغ للإبداع التباعد الاجتماعي منحهم فرصة للتأمل والحوار مع الذات
القطيف: بيان آل دخيل
لم يصدق الفنانون التشكيليون والرقميون أن تأتيهم تجربة العزلة على طبق من ذهب، بعد توقف غالبية الأنشطة بسبب فيروس كورونا المستجد، تجارب مختلفة ومتشابهة في الوقت ذاته، في الحاجة للعزلة الفنية.
وفيما رأى فنانون أن توقف المعارض قد يكون مؤثراً لحاجة العمل الفني إلى التواصل المباشر، رأى بعضهم أن إمكانية إقامة معارض افتراضية فرصة جيدة للمشاركة والتفاعل مع الفنانين في دول أو مناطق مختلفة.
ترى الفنانة غادة الحسن أنروحانية شهر رمضان والفرصة السنوية التي يقدمها لتهذيب النفس وتأمل الذات لا يؤثر في الفن، وتقول: “الرسم هو ممارسة يومية لا تنفك عني ولا علاقة لذلك بالمواسم”، مضيفة “ربما يختلف رمضان هذا العام بالتزامنا البعد عن الأهل والأحباب”.
ولم يؤثر توقف المعارض على الحسن شخصياً، قائلة: “لأني أدرس مشاركاتي بشكل متأنٍ مسبقاً”. ولم تشارك غادة في المعارض الافتراضية مكتفية بوجود صور لأعمالها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لمن أراد الاطلاع على جديدها.
عزلة مفروضة
ويرى الفنان عبدالعظيم آل شلي أن الناس لم تعتد على هذه الظروف الطارئة والاستثنائية التي تمر على المجتمع بكل أطيافه من عزل صحي إلى منع تجول.
ويتابع: “هي عزلة مفروضة وليست اختيارية لأسباب صحية وضعتها الدولة للصالح العام، إلا أن هذه العزلة عند الفنان والأديب والشاعر والكاتب محببة بل مطلوبة، ليتفرغ لفنه”. ويرى أن هذه العزلة “فرصة ثمينة يبحث عنها كل فنان،وكانت لصالحنا”.
اكتشاف الذات
ومنحت روحانية شهر رمضان التشكيلية فاطمة النمر حال من التجلي والتأمل، وينعكس ذلك على أعمالها. تقول: “طبيعة أعمالي متصوفة، وبها عمق روحاني وإنساني أكثر”. واختارت أن تبدأ في عمل مشروع 30 يوماً لتبيان الذات الإنسانية وتغيرها مع الحجر بمختلف المشاعر.
وتؤمن فاطمة بشدة بحاجة الفنان للعزلة، وتحكي تجربتها:”حاولت خلال السنوات الماضية إنشاءمحترف خاص، لأكون في خلوة مع نفسي،فكيف إذا كانت عزلة الحجر، وبعدها عزلة الفن، فهي فرصة لاكتشاف الذات وصياغتها في رحلة التأمل”.
ويتلخص روتين فاطمة منذ بداية الحجر في الرسموالقراءة، وتقول مازحة “لا أدخل المطبخ مطلقاً، فقط أساعد أمي قليلاً وبعدها أجلس مع العائلة، ومن ثم العودة لعزلة المرسم”.
فرصة ذهبية
ويعتقد التشكيلي سعيد الجيراني أن خصوصية رمضان تجعل تجربة الغالبية متشابهة،فالوقت يتوزع بين العائلة وقضاء حوائجها،مستدركاً “يتميز هذا الشهر عن سائر الشهور بروحانيته وبرامجه العبادية، وأنا أخصص بعض ساعات اليوم للرسم والمونتاج، لمعالجة فيديوهات لمشاريع مستقبلية”.
ويرى أن الوضع الصحي الحالي مقلق للجميع من جانب، “لكنه فرصة ذهبية لا تعوض للفنان للتفرغ والاختلاء مع الذات في المرسم، للتجربة والمحاولة والبحث وقراءة المستوى الحالي ومراجعته، وأنا على يقين بأن هذه الفترة ستعمل على تطوير التجارب وتقويتها، وهي فرصة للاستثمار في تطوير الذات وتجديد المحاولات وتنمية النفس في مجالات تشكيلية وغير تشكيلية”.
بورتيرهات
واستغل رسام الكاريكاتير ماهر عاشور فرصة البقاء في المنزل لتطوير رسم البورتريه الكرتوني، لكثرة ما اعتاد في التجربة الصحافية الماضية على الكاريكاتير الاجتماعي عموماً.
ويستمتع ماهربقضاءالوقت في رسم شخصيات متعددة، وفي نفس الوقت إدارة جماعة الكرتون ومسابقاتها المختلفة حالياً، ويشارك ورسام الكاريكاتير أمين الحبارة،في إنجاز كتيب كاريكاتيري خاص بفيروس كورونا، اقترحه الحبارة، الذيتواصل مع فنانين في البحرين، الكويت، والإمارات ومصر،ويقول عاشور: “متحمسون لهذا المشروع”.
عمل مستمر
ولم تتأثر تجربة الفنان الرقمي مراد أبو السعود سلباً، فهو يحاول أن ينجز كلما سنحت الفرصة،ويقول: “حاولت إعادة نشر قصتي (وباء الموتى) عبر واتسآب، بالإضافة إلى نشر دروس أبثها عبر قناة يويتوب”.
ويلخص تجربته: “تعطل المعارض لا يعني التوقف عن العمل والإنتاج، فأنا لا أزال أضيف الرسومات لصفحتي وأضيف الدروس على قناتي في يوتيوب”.
ويتوقع أبو السعود أن التوقف المؤقت سينتج بعده نشاط أكثر تجدداً على جميع الأصعدة، فالناس متعطشة للعودة لأنشطتها وأعمالها.
العرض الواقعي مختلف
يرى الفنان جاسم الضامن أن الانعكاس النفسي للحجر الصحي بطبيعته “عاملاً مؤثراً ومهماً على العمل الفني، وهذا العامل لعب دوراً كبيراً في هذه الفترة، فاللوحة حينها لن تخلو من القلق غالباً والأمل في أحيان أخرى”.
ويتفق الضامن مع غيره من الفنانين في “أن العمل التشكيلي يكتمل بالتفاعل والحوار البصري المباشر، وفقدان هذا الوسيط يفقد العمل دوراً رسالياً هاماً، ورغم ذلك قامت التكنولوجيا بالتخفيف عن فقدان الأنشطة بصورة كاملة وتحولت إلى تفاعل افتراضي، وهذا لن يؤديدور العرض الواقعي بالتأكيد”، مضيفاً أن هذه الجائحة “ستوجد شكلاً مهماً في كتابة هذا التاريخ للأجيال اللاحقة، وهو ما شهدناه في أعمال فنانين عرب وعالميين يوظفون تجاربهم حول الجائحة في أعمالهم.
باريستا وعمل مترقب
استثمرت الفنانة الشابة زينب الماحوزي، العزلة في ممارسة الرياضة يومياً، وكانت اختفت مؤخراً عن الوسط الفني، وتعلق “ليس من الضرورة أن يصرح الفنان بأنه يعمل، ولكن بعض الأعمال الخاصة التي لم أصرح عنها سابقاً توقفت، ولا يمكنني عمل أي شيء حالياً”.
وكانت الظروف قد حالت بين الماحوزي ومرسمها، فهو ليس في منزلها، ولم يساعد الحجر فنها كما تمنت، ولا تشارك في مواقع التواصل بأعمالها،بعدما بدأت في العمل كبارسيتا في العامين الأخيرين. ولكنها تحضر لمشروع ما،بدون أن تري الناس ما الذي تعمله،هناك أشياء من الممكن أن تتأجل ولكن “كل تأخيرة فيها خيرة إن شاء الله”.