من أحسن السكوت
صالح مكي المرهون
لو أحسنت السكوت فإنك قد تصل إلى درجة لم يصل إليها أحد في محبة الله سبحانه وتعالى، هذه مقولة صحتها مطلقة، إلا أنها تحتاج إلى توضيح أكثر، فالحقيقة أن الصمت والكلام الزائد غير المتعارف عليه لا يكاد يخلو منها كتاب في السلوك والأخلاق، إشادة بالصمت وتزهيدا في الكلام الزائد، وقد تقرر أن الصمت في موضعه حسن، وفي غير موضعه لا يحسن، فليس الصمت مطلوبا كسلوك صحيح في كل الحالات، فأقول لا يمكن وضع إشارات تفصيلية إلى إنسان حسن الصمت، وإنما يستعان بضوابط كلية وعلى الإنسان أن يلجأ إلى تفكيره، ويستخدم عقله في تحديد مدى انطباق هذه الضوابط على ظرفه.
فالصمت يكون ممدوحا إذا كان فعله أنفع وأجدى من عدم فعله، هذا ما يمكن أن يقال، فالأمر يتوقف على مستوى وعي الإنسان الصامت العقلي والإدراكي وتوجهه الباطني، أي الإنسان الحكيم هو الذي يعرف متى يصمت ومتى يتكلم، ومعرفته هذه لابد أن تمر بعدة خيارات يطرحها في ظرفه، فمثلا شخص أمكن له أن يتحدث أمام مجموعة من الناس، فهذا الشخص يجب أن يحضر عنده أهمية موضوع حديثه بالنسبة للمستمعين، ومدى اهتمام هؤلاء به، وهل لموضوعه خطورة على وضعه الشخصي أو الاجتماعي أو الأمني، وهل دافع كلامه هو إشباع رغبة شخصية بالكلام، أم إفادة هؤلاء الناس بما ينفعهم، وهكذا يستقرئ الخيارات، ويفهم انعكاساتها عليه وعلى المحيطين به، ويلجأ إلى الحديث إذا كانت خيارات الحديث هي المرجحة، وإلا لجأ للصمت، ومع الخيرة أو تساوي الخيارات فالصمت هو المرجح.
إذن فأقول هنا بأن السكوت المقصود في تلك المقولة ليس هو نقص اللغو، وإنما أقصد به نقيض الكلام الزائد وهناك كلام كاف وهو واجب، وهناك كلام زائد عن الكفاية، وهناك كلام زائد أكثر يصل إلى درجة التأثير السلبي على مجمل الظرف الاجتماعي، إضافة إلى صاحب الكلام، وأقول هنا إن حسن السكوت يؤدي إلى درجة عالية في القرب من الله ومحبة الله، أعني به تدريب الإنسان على استخدام الكلام بالمقدار المطلوب يرتب اللفظ إلى أقصى درجة من الترتيب في استجابتها للظروف التي تستدعي الاستجابة بالمشاركة الكلامية.
والله ولي التوفيق: