المنظومة الدينية وحلم المجتمع
علي اليوسف
أتوقع أننا نحتاج إلى لغة جديدة وخطاب متجدد واعٍ بسيط منفتح يعيد هيبة المنظومة الدينية عندنا، ويصنع توازناً بين الدين والحياة، أو لنقل بين الثقافة الدينية والمجتمع، أو لنقل ـ أيضاً ـ بين العلماء والنخبة المثقفة.
لابد من مد جسور وروابط تفتح المجال للتفكير والإبداع والتغيير، خاصة لفئة الشباب حيث الطاقات الكامنة التي تحتاج إلى من يحتويها ويحتضنها.
عندما نتكلم عن مجتمعنا القطيفي فإننا نراه متميزًا، بل أجزم بأنه يكاد يكون متسيدًا في شتى المجالات العلمية والثقافية والرياضية. والأرقام والأسماء تثبت ذلك وتشهد، ففي كل يوم إنجازات نفخر بها وقامات عالية تشرفنا محليا وعالميا أكانت لأبنائنا أو بناتنا كباراً وصغاراً.
وهذا يدل على أن مجتمعنا أرضه خصبة وقابل لأن ينتج كل ما نريد، وهذا فخر وإعتزاز لنا جميعًا.
وهنا السؤال: هل تستطيع المنظومة الدينية معاصَرة باقي المنظومات المبدعة وتستغل هذه الخصوبة في تأسيس وتكوين مؤسسات واعدة مستغلة الانفتاح الحاصل في وطننا ومستفيدة من تجارب المجتمعات الأخرى التي بات لها شأن راقٍ ومميز في تكوين مؤسسات دينية حديثة تتناسب مع متغيرات الزمن وتطور علومه..؟
لا أخفي أمرا وأنا ابن هذه المنظومة الدينية، حيث تربينا ونشأنا فيها، فكانت بيئة حاضنة لنا وزرعت فينا الأسس الدينية والأخلاق وصرنا نتسابق في تكوين اللجان الدينية والمبادرات الثقافية، ووصلنا إلى مرحلة أشبه بالثورة الدينية مقارنة بالثورة الثقافية آنذاك.
والحمد لله منذ تلك المرحلة استطاع من ثبت من الشباب عمل مؤسسات بسيطة ولكنها جبارة، كان لها الأثر الكبير في خدمة المجتمع ككل والمنظومة الدينية بشكل خاص، رغم كل الصعوبات والمعوقات. والآن كل هؤلاء الشباب أصبحوا من أصحاب شهادات عليا في الدكتوراه والهندسة وغيرها ولازالوا يعطون ويبدعون.
هنا لا بد أن أذكر أن تلك المرحلة ـ للأسف ـ ضربت بإسفين التحزب، فتلقت طعنات كبيرة فكانت وكأنها حرب شعواء على من أراد أن يغير أو يجدد في الخطاب الديني، أو لنقل في المنظومة الدينية السائدة ذات التوجه الواحد فكانت الاتهامات حينها جاهزة خاصة، أن التيار المتسيد كان الأكبر، فبعدما كانت المساجد مراكزَ ثقافية ودينية واجتماعية لهؤلاء الشباب حيث زخرت بثورة غير مسبوقة في جميع المجالات؛ تمت إزاحتهم عنها بحجج سياسية تارة وأخرى دينية متشددة واتهامات غير صحيحة.
هنا أنا لا أنكر الاختلافات والتوجهات، فهذا أمر طبيعي وسنة الحياة، ولكن المشكلة كلها تكمن في الخلاف الذي يجعلك خصماً لا شريكا، ولذا تضيع كل الجهود ولا نستطيع أن نتقدم أبدًا، حيث التقوقع في الاتجاه الواحد وعدم الانفتاح مع الآخر، وعدم إعطائه الفرصة ليبدع ويفكر ضمن الهدف العام المشترك.
وهذا ما نراه جليًا في وقتنا الحاضر، إذ ما زالت الوجوه هي الوجوه وما زالت النغمة هي النغمة وما زال التيار الواحد هو المتسيد وهو المتشدد دائماً.
وكلما بزغ فجر جديد ليؤسس فكراً متحركاً مؤسساتياً يتناغم مع المرحلة الجديدة والجيل الجديد تتم محاربته وإقصاؤه واتهامه بنفس الاتهامات الجاهزة التي كانت في فترة النهوض في الثمانينات.
ولهذا لا أخفي سراً حين أقول إن الوضع وصل إلى حدّ ألا يعترف مريدو الاتجاه بمربدي الاتجاه الآخر، لأن أقطاب الاتجاهين متنافران، مما أثر في الوضع الشبابي والاجتماعي بشكل عام، حتى أصبحت المساجد تحسب على كل تيار فلكل تيار مساجد يرتادها فقط من يتبعه.
لذا لابد لنا كمجتمع يريد النهوض من جديد بمنظومته الدينية التي هي جزء لا يتجزأ منه ـ شئنا أم أبينا ـ أن نعيد الحسابات من جديد وأن نغلق صفحات الماضي، وأن نلتقي على كلمة سواء نعمل بها مجتمعين متحابين، فلا ضير في الاختلاف مادام الحب موجوداً ليجمعنا، ولنجعل في اختلافنا نقطة تحول تثري الساحة بنظريات وأفكار وأبحاث جديدة تجعلنا في مسار متقدم ومتطور نساير به المجتمعات الأخرى، ونساير به الزمن ومتغيراته والجيل الجديد ومتطلباته.
وأتوقع أن أول عمل لا بد من القيام به هو التفكير جليًا في مأسسة المنظومة الدينية، بجميع تفرعاتها وإنشاء المجلس العلمائي الموحد للمنطقة ويتم التوافق عليه من جميع شرائح المجتمع الفاعلة والمعروفة بجميع توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والدينية والعلمية، ليكون مرجعا لأهل المنطقة وممثلاً لها عند الدولة، وعند باقي مجالس المناطق في الداخل والخارج.
وأن يكون الاحترام المتبادل بين جميع الأطياف هو الأساس لبناء دستوره وقوانينه.
وأنا أجزم أن هذه الأمنيات أو هذا الحلم يشاطرني فيه غالبية مجتمعنا الذي يريد أن يرى منظومته الدينية التي هي أساسه المتجذر عالية خفاقة تحلق مع منظومته الثقافية والإجتماعية والفكرية والعلمية
هذا يصب كل البلاء في خانة المنظومة الدينية، وكأن افراد المجتمع في قمة النزاهة والعصمة وانه لايوجد تقصير من جهتهم او حتى رفض لبعض بنود واحكام الدين.
هل تعلم، انه يوجد لدينا بالقطيف، أشخاص يذهبون للمحكمة الجعفرية من اجل اجراءات عقود النكاح، واما عند تقسيم الميراث الشرعي فيذهبون للمحكمة السنية هروباً من السؤال عن الحقوق الشرعية، يعني بمعنى آخر الاحكام اللي عاجبتنهم يطبقونها في المحكمة الجعفرية، وفي الاحكام اللي ما تعجبهم يتركون المحكمة الجعفرية ويذهبون للمحكمة السنية، قال تعالى:(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ) سورة البقرة.
وخلاصة الكلام، ان تقصير بعض رجال الدين في المحتمع، لايعني بان المجتمع معصوم ونزيه، بل هناك المعاندين والسبابين والشتامين والمتطاولين من افراد المجتمع وهناك الغير مقتنعين بالدين الذين يتعاطون مع الناس باخفاء ما يتحرك في نفوسهم وظمائرهم بطريقة النفاق.
فاصلاح الوضع يستلزم التعاطي مع الجهتين.
أحسنتم كثيرا ابوحسن .
شكرا لهذا القلم الوسطي المتميز.
أعتقد ان مقال الاخ حبيب سيفتح آفاق وتحرك جديد نحو التوجه لعمل منظومة مؤسساتية دينية وهذا مانحتاجه .
نحتاج لمجلس علمائي موحد لمنطقتنا ليس بعيدا عن المرجعية الرشيدة.