الطريق المجهول

بلقيس السادة

 

يتراقص القلب فرحاً، والرقص نوعان، نوع شيطاني كرقص اللهو والطرب، ورقص ملائكي رحماني كتخرج إبن، زفة إبنة، كنصر أمة مؤمنة مسلمة، كتحقيق أمنية، وووو .

ونحن كلما ابتعدنا عن ذكره تكون وجهتنا إلى الرقص الشيطاني، وكلما ازددنا توفيقاً بذكره هبطت ملائكة السماء تظللنا بغمام من القدسية والنور الداخلي..

رغم ما مرت به من محن، كانت قوية جداً لتقف من جديد على قدميها، رغم خيبات الأمل والزمن، كانت صلبة المراس، قوية العزيمة، لم تكن لوحدها كان معها يرعاها، ويمهد لها الطريق بكل حدثٍ سارٍ عليها أو حواليها، ويبارك لها خطواتها وخصوصاً عندما بدأت تحلل مع الآخرين، وتسأل بمنطق، وتقرأ بتمعن، من غاية وجودها في هذه الحياة، عندها رَنا طرفها إليه، وابتعدت عن الرقص الشيطاني..

توقف الرنين بداخلها عندما تركت عقلها يغفو قليلاً مع قيلولتها، ربع ساعة فقط، انتبهت للمنبة، أعدت لها شاياً بدون سكر مع قطعةً من (الجاتوه)..

وفي استرخائها رن (الموبيل) إنها صديقتها بدور رفعت السماعة وبعد التحايا، سألتها إن كانت جاهزة لاستقبالها، رحبت بها وقالت لها: إنها في انتظارها..

“نعم أجمل ما فيها صراحتها ولو كانت غير مستعدة نفسياً، أو في جلسة عائلية لاعتذرت منها، تحب الجلوس مع الآخرين والاستقبال بارتياح، وبدون ضغط نفسي، حتى وقت زيارتها، ودائماً تردد على مسامعهم* أُكيف الآخرين على ظروفي، وليس الآخرين يُكيفوني على ظروفهم * ..

حضرت بدور بعد ثلث ساعة تقريباً، وقد أعدت الضيافة وجلستا في مجلس الضيوف، لكن مريم لاحظت شرود وتغير ملامح بدور؟؟ لم تسألها، تركت لها الخيار في الكلام، بعد أن سألتها عن الأولأد والزوج، انفجرت بدور باكية، ضمتها مريم إلى صدرها تحاول تهدئتها قائلة: مهما كان الذي ستقولينه لا يستحق دمعة ألمٍ من عينيك ولا أنة من قلبك، خذِ الأمور كتجربةٍ وابتلاء، وأحمديه على نعمهِ بوجود الأطفال والصحة والوظيفة.

بدور: هل علمتِ بالأمر؟

مريم: أيُ أمر؟؟

بدور: إن حسن يريد الزواج من أخرى.

مريم: لا، لم أعلم.

بدور: سأقتل نفسي إن تزوج، يريد تحطيمي ومذلتي أمام أهلي وأصدقائي والناس!! ماذا أفعل؟؟

مريم: هل سألتيه لم يريد الزواج مرة أخرى؟؟

بدور: نعم، إنه يقول معه بالعمل أحبها ويريدها بالحلال، وعندما سألتهُ: هل أنا مقصرة في حقه، أجاب بالنفي، وإن من حقه الزواج!!

مريم: لا يحتاج الأمر إلى تدبير، أنت أمام خيارين إما القبول والصبر على الواقع، أو الرفض والخروج من حياته، أما القتل فخسارتكِ في الدنيا والآخرة.

توقفت بدور عن شرب الشاي عند كلمة الخروج من حياته، قالت بصوتٍ متحشرج: كيف، كيف، تزوجته صغيرة، أكملتُ دراستي وأنا معه حتى راتبي هو المتصرف به، ويعطيني منه ما أريد، لا أفقه شيئاً من الحياة بدونه، هو كل حياتي وأصدقائي!!..

مريم : إنه خطؤك.

 خطؤك الاعتماد الكلي على رجل، وترك مسيرتكِ بين يديه، لعل الأمر خير لكِ!!

نظرت بدور إليها طويلاً، من أين لها هذه الشجاعة والقوة، ترملت مبكراً قامت بتربية ثلاثة أطفال على عاتقها بمرتب الزوج المتوسط، وعندما كبر الأولاد وتخرجوا وتوظفوا، تحسنت حالتها المادية، انتبهت مريم لما يدور في خلد بدور، ابتمست لها قائلة: “القوة تربية واكتساب، وتُصقل بالظروف، وحسن التخطيط” ..

ودعت بدور مريم شاكرة لها حسن ضيافتها..

كانت مريم قلقة جداً على بدور، فهي شخصية طيبة سهلة التعامل والكسر، صادقة، تمنت لها التوفيق وراحة البال..

كانت مريم تطمئن على بدور بين فترة وأخرى، وترد عليها: “بأنها بأحسن حال، ولا يوجد الشئ المثير من القصص لتشرق عليه الشمس”.

هذه آخر جمله قالتها بدور لمريم، وبعد شهر تقريباً، اتصلت على بدور وكان (موبايلها) مغلق!!..

وذات مساء كانت مريم ترشف شاي العصر رن (موبيل) رقم جديد غير مخزن لديها، وعندما همست (آلو)، كان صوت بدور يمتزج طرباً: لقد توقف نصيبي معه عند هذا الحد، وسأبدأ من جديد مع الأولاد، فقط، أحببت أن أطمئنك، وهذا رقم (موبيلي) الجديد، مع السلامة.

لم ترهق مريم بدور بأسئلتها أو نصائحها، تركتها تتكلم و تتكلم، ثم أقفلت الخط.

عادت بدور لإبريق الشاي من جديد لتضع في كوبها آخر قطرات من الإبريق، تذكرت: كانت تقول لزميلاتها آنذاك في العمل وخصوصاً شاي الصباح: أجمل شيء خلقه الله تعالى الشاي والنوم!!

نعم كان الشاي منبها لها من غفلتها، والنوم مسكنا لألمها النفسي، والآن مازالت عاشقة للشاي والنوم فقط لراحة الجسم بعد عناء النهار.

نعم تخلصت من عنائها النفسي منذ بدأت مرحلة الالتصاق والنور، وأعطت نفسها السلطة على نفسها، هامسة: *هذه سلطتي ولن أسمح لأحد بإضعاف سلطتي*، هكذا بدأت رحلتها مع السلام الداخلي الذي تشرنقت به، من كان معها، معها وما زال، ومن رحل تركته للأيام والظنون، ولعل في ذلك خير، ليستْ مجبرة تحلل وتبرر للآخرين الرحيل عنهم..

*اتخذت منزلها محراباً، وأولادها وأحفادها أمانة، تكيفت حسب ظروفها* ..

تستغل وقت فراغها في زيارة الأقرباء جداً، أو تدعوهم للزيارة في منزلها في المناسبات الدينية والإجتماعية..

وفي سنةٍ ما وشهرٍ ما ويومٍ ما ستكون عنده وتحت ظله ورحمته، وقتٌ تنتظره بحسن الخاتمة وأفضل الأعمال وتسعى جاهدةً لذلك، يوم الانتقال من العالم الحضوري إلى عالم الشهادة: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).

صدق الله العلي العظيم .

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×