[كورونا] أشواق مبعثرة لم تعبر جسر البحرين منذ 3 أشهر 25 كيلومتراً بين الخبر والمنامة كأنها آلاف.. وأسر مشطورة.. ومصالح مجمّدة
زهراء بلا زوج.. وفاطمة استعادت أسرتها.. والمعلّق الرياضي بلا عمل
القطيف: شذى المرزوق، أمل سعيد، فاطمة المحسن، ليلى العوامي
منذ افتتاحه أواخر شهر نوفمبر عام 1986، عبر جسر الملك فهد مئات الملايين من السعوديين والبحرينيين، ومواطني دول مجلس التعاون، إضافة إلى المقيمين والعابرين من هذه البلدان.
لكن الجسر الرابط بين مدينة الخبر والعاصمة المنامة، يكاد لم يشهد مرور أي مسافر بين البلدين منذ منتصف مارس الماضي، بعد فرض الإجراءات الوقائية التي حتمها ظهور فيروس كورونا المُستجد (كوفيد – 19)، وإغلاق المنافذ البرية في المملكة، وكأن ما حدث هو أن الكيلومترات الـ25 التي تشكل مسافة الجسر، تحوّل آلاف الكيلومترات، مبرزاً أزمات إنسانية واجتماعية.
عالق في البحرين
ناجي الناصر المنحدر من بلدة الأوجام في محافظة القطيف، تعطلت به سبل العودة من البحرين.
وقال لـ “صبرة”: “كنت في البحرين قبل إغلاق الجسر بيوم، ولم أتمكن من الرجوع إلى المملكة العربية السعودية، حيث كانت زوجتي البحرينية في المستشفى، وأردت الاطمئنان عليها”.
محاولات الناصر لإيجاد طريقة للعودة لم تتوقف، فثلاثة أشهر من التعليق لم تكن أمراً سهلاً لمن لديه عائلة أخرى وعمل في السعودية.
راجع السفارة السعودية لمعرفة إمكانية الرجوع، فاخبروه أن الوضع الراهن لا يسمح بذلك، وسيتم التواصل معه حال استجد أي جديد.
راسل السفارة إلكترونياً ثلاث مرات، وكذلك تواصل معهم هاتفياً، وشرح لهم الوضع “الصعب” الذي يعيشه، وتأثيرات جائحة كورونا، وأضاف: “توقفت أعمالي في السعودية، وليس لدي أي مصدر دخل آخر”.
وزاد الطين بلة
وما زاد الأمر سوءاً أن ناجي الناصر طلب من شركة الاتصالات السعودية إلغاء الباقة الشهرية التي يدفع مقابلها 350 ريالاً شهرياً، “من دون فائدة”، طالما أنه في البحرين، ولكن الشركة ألغت الرقم تماما، وليس الباقة فقط.
تقدم الناصر بشكوى إلى هيئة الاتصالات السعودية، وبعد أخذ ورد، صدر حكم لصالحه، وقررت الهيئة إعادة رقمه، ولكن “ردت الشركة بأن النظام لا يسمح بإصدار رقم جوال لشخص خارج السعودية”.
وبهذا تعطلت جميع أعماله، فلم يستطع الدخول إلى حساباته البنكية، أو موقع “أبشر”، أو المواقع الحكومية والرسمية الأخرى، لإنهاء المعاملات الخاصة بأعماله في السعودية، لأن كلّ ذلك مرتبط برقم هاتفه.
أصبح الناصر في وضع “صعب جداً”، بعيداً عن أهله في السعودية، فلديه 4 أبناء في الأوجام، عمر أصغرهم 12 سنة، فيما فقد جميع أعماله، وتأخر عن سداد التزاماته تجاه البنك، وقد طال الانتظار وزاد القلق، مختتماً بالقول: “نسأل الله أن يفرج عنا وعن الجميع”.
عبور الجسر
زهراء آل اسعيد، سعودية الجنسية، تعمل طبيبة أسنان في المملكة، متزوجة من بحريني منذ خمس سنوات، وتسكن معه في البحرين. ثم جاء فيروس “كورونا” ليتسبب في تفريق أسرتها الصغيرة. كانت رحلاتها بين بيتها في البحرين ومنزل عائلتها في محافظة القطيف، أسبوعية، ومعتادة جداً.
التحقت بالعمل في نهاية شهر فبراير الماضي، وقضت فترة تدريبها، متنقلة بين البحرين والسعودية، وقبل توقيع عقد العمل بيوم صدر قرار إغلاق الجسر، وقالت: “كنت حينها في البحرين، وكان يوم إجازتي، ولم أدر عن القرار إلا بعدما استيقظت من النوم، 24 ساعة فقط لمن يرغب في العبور، أربكني الخبر جداً، أخبرت زوجي بضرورة عودتي للسعودية، وجمعت أغراضي، ويممت وجهي نحو السعودية”، ولأن زوجها مرتبط بعمله في البحرين، فقد رجعت وحدها.
عقبات العودة
عادت زهراء وابنتها الصغيرة، كان الجسر مزدحماً بالعائدين، وعندما وصلت إلى نطقة الجوازات بدأت العقبات، ابنتها معها، وتحمل الجنسية البحرينية، والقرار لا يسمح بالعبور إلا للسعوديين”، وأنّ عليها إرجاعها، وبين أخذ ورد، حاولت خلالهما إيضاح صعوبة أن تترك طفلة في عامها الثالث مع أبيها وحدهما.
وقالت: “رفض الموظف، وأصر في بداية الأمر، وبعد جهد كبير وشرح ظروف سكني وعملي، تجاوب مع حالتي، لكن تجاوبه كان مشروطاً بطلب مزيد من الأوراق الثبوتية التي لم أحتجها من قبل في تنقلي بين البلدين، ومنها شهادة ميلاد ابنتي، ووثيقة الزواج”.
اتصلت آل سعيد بزوجها ليرسل صور الوثائق التي طلبها الموظف، وبعد وقت طويل في زحمة سير لا تنتهي، أذن لهما بالمرور.
نفق العزلة
عبرت زهراء الجسر، لكنها لم تتوقع تسارع الأحداث بعدها، قالت: “جئت سريعاً من البحرين كي لا أخسر العمل الذي لم أوقع عقده بعد، وهو خارج محافظة القطيف، وفي اليوم الثالث لتوقيع العقد فرض الحجر الصحي على محافظة القطيف، ودخلنا نفق العزلة، فلا عمل ولا أقارب ولا أصدقاء”.
وإذا كان الوقت يمضي بطيئاً في ظل “كورونا”، فإنه يمضي ثقيلاً مؤلماً على من اضطرتهم ظروفهم فراق أحبتهم وأهليهم.
تابعت آل سعيد: “تركت زوجي في البحرين قبل ثلاثة أشهر، في رحلة حسبت أنها ستنتهي سريعاً؛ ربما أسبوع، أسبوعين أو حتى ثلاثة، لكننا دخلنا الشهر الرابع ولا شيء يشير إلى نهايتها، واقتصر الوصال على مكالمات الفيديو”.
طفلة تفتقد والدها
تحمد زهراء ربها لأنها تعيش مع عائلتها، وإن كانت تشعر بالشوق لزوجها وبيتها وحياتها، لكن أكثر ما يتعبها حنين ابنتها ماريا لأبيها، قالت: “زاد حديثها عنه، وعن خروجها برفقته، واللعب معه، تبكي لأنها تريده ولا تجده، كلماتها بسيطة جداً وعميقة أكثر، تؤلمني وتوجع زوجي، وتزيد الشوق شوقاً، وليس بأيدينا شيء نخفف به عنها وعن أنفسنا، إلا مزيداً من الأمل في غد أفضل، فأكرر لها: “شوية وبنروح للبابا”، مضيفة “ها أنا أستيقظ كل يوم وفي داخلي شوق كبير لعبور الجسر”.
66 يوماً من الغياب
تبدو فاطمة الزاهر (من العوامية) أحسن حالاً ممن سبقوها، فهي متزوجة من بحريني أيضاً، وغادرت المنامة يوم 26 فبراير الماضي، إلى منزل أهلها في القطيف، لم تكن تعلم أن المدة التي ستفصلها عن رؤية زوجها، ليست أسبوعين كما خططا، ولكنها ستستمر 66 يوماً مع اجتياح “كورونا”.
قصدت الزاهر منزل والدها في العوامية، لإكمال التطعيمات الأساسية لابنها المولود في السعودية، بعد إكمال عامه الأول. وحين همت بالرجوع للبحرين، كانت الدولتان قررتا إغلاق الحدود بينهما.
وبعد صدور قرار يسمح بسفر المواطنين السعوديين من الحالات الاستثنائية والإنسانية، توجهت الزاهر إلى الجسر يوم 2 مايو الماضي، وبيدها ابنها وأوراقها الرسمية التي تثبت زواجها من بحريني (العقد السعودي والبحريني)، وتم التعامل معها من موظفي الجسر “بكل احترام وتفان في عملهم، ودخلت البحرين باعتباري حالة إنسانية، وتم لم شملنا أنا وطفلي وزوجي” كما قالت.
“البعد شين”
رابحة الجصاص حُرمت هي الأخرى من رؤية والديها، رغم أنها سعودية، ومتزوجة من سعودي، ويعيشان في القطيف، لكن والديها قررا الانتقال للبحرين منذ حوالى العقد، بعد تقاعد والدها.
قالت: “حتى وإن كنا في القطيف قد لا نذهب لزيارتهما ونلتزم الحذر في ذلك، ولكن أن يكونا في البحرين، ونحن هنا فإن شعور البعد وحده متعب نفسياً، ولكن كل شيء سينجلي، وتعود الحياة لطبيعتها”.
اعتادت الجصاص ملاقاة والديها ثلاث إلى أربع مرات شهرياً، خصوصاً في الإجازات الأسبوعية، وما زاد ألمها أنها في رمضان الماضي افتقدت التجمع العائلي، مضيفة “لأول مرة يخلو بيت الوالد من لمة الأبناء على مائدة رمضان، حينما يأتيان للسعودية لقضاء وقت ممتع معنا”.
تعد رابحة جمعتهم في الشهر الكريم “مقدسة”، مضيفة “قليل ما صادفتنا مناسبة ولم يأتيا لزيارتنا، واليوم مضت أربعة أشهر لم نرهما خلالها إلا عبر الفيديو، وقد أثر علينا الحجر كثيراً، والبعد شين زي كما يقال”.
الأحمد: عملي توقف
تبدو معاناة حسين الأحمد المعلق الرياضي للألعاب المختلفة في قناة البحرين الرياضية، مختلفة عن من سبقوه، فهي مهنية وليست اجتماعية.
يعمل حسين منذ أكثر من 6 سنوات في القناة الرياضية البحرينية، عمله هذا كان يقتضي منه الذهاب من ثلاثة إلى أربعة أيام أسبوعيًا إلى المنامة، ويضطر أحياناً إلى المبيت هناك لعدد من الأيام، بحسب الدوري والبطولة: عالمية، محلية، أو خليجية.
ولكن النشاط الرياضي توقف، والسفر معلّق، وذلك أثر في عمله الذي تعطل تبعاً لذلك، وقال الأحمد: “صدر قرار إغلاق الحدود وأنا في تبوك، لتغطية مباراة كرة الطائرة للقوات الجوية”.
رؤية غير واضحة
وعن البحرين، ذكر حسين أن “الرؤية غير واضحة، رغم الإعلان الأخير بالعودة لمزاولة الأنشطة الرياضية، وحتى يتم البت في أمر استكمال الدوري من إلغائه؛ سيكون الوضع صعباً إذا لم يتم فتح الجسر، والاقتصار على الطيران في التنقل، إذ سيكون مكلفاً لنا نحن أصحاب العمل الذي يفرض علينا التردد على البحرين يومياً”.
وأشار حسين الأحمد، إلى أن إقامة المباريات دون جماهير يعني النقل التلفزيوني، مما يعني أن وجود المعلقين على المباريات “أمر لا بد منه”.
العلاج توقف
تعرضت نوال العلوي لوعكة صحية تواصلت على مدار عامين، تتمثل في التهاب فقرات العمود الفقري، نصحها الأصدقاء بأن تزور أحد المراكز الخاصة في البحرين، وفي بداية فبراير الماضي، كان أول موعد لها مع الطبيب الذي نصحها بأن تخضع لـ12 جلسة أسبوعية، ولكن جائحة كورونا حالت بينها وبين اتمام العلاج الذي لم يبق عليه سوى 7 جلسات.
نوال موظفة في إحدى الشركات الخاصة، ولها أربعة أطفال، قالت: “أنا اليوم أعاني ولم أكمل علاجي، والألم في ازدياد، ومواصلة العلاج هنا صعب للغاية، ليس لعدم وجوده، ولكن لأنني مصابة بالسكر، وأخاف الذهاب للمستشفى وكورنا لم ينته، أخاف من العدوى، والسبب الثاني المبلغ الذي دفعته للعلاج في البحرين ليس بسيطاً، واتمنى أن تنتهي الجائحة، وأعود لعلاجي”.