من الشريف الرضي إلى الملك سلمان.. “هذا هو” محمد رضا نصر الله صانع الحوارات المثقفة.. ومحاور العمالقة.. وصديق الساسة
القطيف: ليلى العوامي
تبدو تجربة الإعلامي والكاتب محمد رضا نصر الله الثقافية حافلة بشتى أنواع المعارف والثقافات، التي لا تخلو من مغامرات، جعلته ينتقل من صحيفة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، للاطلاع على تجارب الآخرين، والالتقاء بكبار الأدباء والمثقفين في العالم العربي وأوروبا، مؤقناً أن لكل تجربة مذاقها وأدواتها التي تستحق أن يبذل من أجلها الكثير.
المحطات الثقافية في حياة نصر الله كثيرة ومتنوعة، ولكن على كثرتها، لا ينسى الرجل الدرس الذي اكتسبه من حوار بينه وبين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما نصحه ـ حفظه الله ـ في. بداية تجربته الصحفية في جريدة الرياض ، حينما رأس اجتماع هيئة التحرير سنة ١٩٧٥ م ، بالتنوع الثقافي، وعدم الاقتصار على لون ثقافي دون غيره.او الاهتمام برمز ادبي دون اخر.
ومن نافذة افتراضية، أطل محمد رضا نصرالله أمس (الثلاثاء) في لقاء حواري، نظمته هيئة الأدب والنشر، ليسترجع فيه ذاكرة التاريخ، ويكشف عن ملامح تجربته مع عمالقة الفكر والأدب في العالم العربي ، الذين حاورهم وخرج منهم بكنوز فكرية وثقافية. وقد أدار الحوار رائد العيد.
ويُقر نصر الله بأن الشريف الرضي، كان سبباً في دخوله عالم الكتابة والصحافة. ويقول: “الشريف الرضي هو شاعر عباسي ولد في بيئة محفزة للابداع، وقبله المتنبي، وما نبهني للشريف الرضي هو كتاب ” الدكاترة زكي مبارك الناقد والأديب المصري، الذي اشتهر بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، في كتابه “عبقرية الشريف الرضي”. وكان هذا الكتاب عبارة عن محاضرات القاها زكي مبارك ، على طلبة معهد المعلمين العالي في بغداد”.
وتابع نصر الله “الشريف الرضي عالم دين ومتفلسف، له اهتمام بعلم الكلام، وله تصانيف في التفسير كما أنه شاعر مترف العبارة، عُرف بحجازيته الغزلة الرقيقة “.
وتناول نصر الله بداياته مع الكتابة الصحافية “كنت في السنة الأولى المتوسطة، وجربت أن اكتب، فكتبت مقالاً عن الشريف الرضي من خلال تجميع بعض المعلومات عنه من هنا وهناك، وذهبت لخليل الفزيع، وكان وقتها مديراً لتحرير جريدة “اليوم”، فنشر المقال عام 1388هـ”.
وتابع نصرالله: “كان والدي يمتلك مكتبة، بها كتب في الدين والعقائد، وكان الوالد منفتحاً على الآدب، وقد شدني في مكتبته كتاب “بلاغة العرب” لمحيي الدين رضا، وهو أديب سوري وخال الشيخ علي الطنطاوي، وفي الكتاب مختارات من شعراء المجهر وبعض شعراء الشام ، ولمست في الكتاب أيضاً نبرة جديدة، رغم اننا ذلك الوقت لم نطلع على ما أحدثته قصيدة التفعيلة من صراع في الذائقة الجمالية وفي الأفكار النقدية.
المرحلة الثانوية
وتحدث نصرالله عن أثر العمل الصحافي في تكوين شخصيته “بدأت وأنا في المرحلة الثانوية مدققاً لغوياً في جريدة “اليوم” وكاتباً لبعض المقالات الإنطباعية، حتى أصبحت بعد سنوات مندوباً للجريدة في الرياض، وبدأت الدراسة الجامعية سنة 1373م، حيث كانت جريدة الرياض حينها تلفت نظر الجميع من خلال ملحقها الأدبي ، الذي يشرف عليها الزميل عبدالله الماجد، وانفتح هذا الملحق على مجريات التيارات الأدبية والنقدية الجديدة في العالم العربي، واهتممت بهذا الملحق، وكنت أذهب إلى مطابع المرقب ، في شارع متفرع من شارع البطحاء، وكان يخترقه مجرى هائل الاتساع ، وأتذكر أنني كتبت عنه مقالاً ساخراً بعنوان “مجرى البطحاء العظيم” !على غرار نهر الصين العظيم !!، وفي الشارع المتفرع عنه ، كانت هناك مطابع بن ثنيان في المرقب ، كان شبيها بشارع الصحافة في لندن”. وتابع قائلاً “بطريقة ما انضممت لصحيفة الرياض، حيث أجريت وقتها حواراً مع الشاعر الدكتور غازي القصيبي ، وكان ملء السمع والبصر كعميد لكلية التجارة آنذاك، وأحدث القصيبي ثورة إدارية في هذه المؤسسة الجامعية، خاصة أن غازي جاء الى عمادتها على خلفية ديوانه “معركة بلا راية” الذي احدث صدى كبيراً وسلبيا عند المحافظين، مما جعل الملك فيصل يكون لجنة تحقيق بقيادة السيد حسن كتبي وزير الحج والأوقاف آنذاك، وبطبعه كأديب، وعلى علاقة مميزة بعلي أحمد باكثير الكاتب والشاعر المسرحي فانه كتب تقريرا للملك فيصل افاد فيه بأن الديوان لايعدو كونه شعر غزل، وهو غزل مشاع حتى في العصر الإسلامي”.
على اثرها اجريت اللقاء الصحفي مع الدكتور غازي القصيبي لنشره في جريدة اليوم ، الا ان غازي ارسله الي عبر جريدة الرياض،ولانه احتوى على أسئلة شعرية وأجوبة غازي كانت مبدعة”.فان عبدالله الماجد قام بنشره في جريدة الرياض
السفر إلى مصر
وتابع نصر الله سرد مسيرته العملية “بعدها قررت السفر الى مصر، وكنت في السنة الثانية من الجامعة، وذلك بقصد أن ألتقي توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وكان هذان العملاقان يملآن أسماع العرب في كل مكان وزمان، وكان لقائي بهما لمدة شهرين في الإسكندرية، وتابعت ما جرى من حوار ساخن بين توفيق الحكيم واليسار المصري على إثر اصداره كتابه الشهير “عودة الوعي”، وهو نقد للتجربة الناصرية. وبعد العودة كان تركي السديري ـ رحمه الله ـ قد عُين رئيساً لتحرير جريدة “الرياض”، وكان الملك فهد قد عين نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزارء، حيث كان وزيراً للداخلية في عهد الملك فيصل، وبعد ذلك انتقلنا بجريدة الرياض من “المركب” الى المبنى الجديد في شارع الستين”.
تغييرات المجتمع
وركز نصر الله حديثه على ما شهدته سنة 1979م من طفرة ثقافية داخل المجتمع السعودي، وأهمية بناء الخطة المنهجية أو الإستراتيجة الثقافية لهذا المجتمع المتنوع. وقال: “كنت متابعاً و معايشا لتطبيقات خطتي التنمية الأولى والثانية، حين كان هشام ناظر ـ رحمه الله ـ رئيس الهيئة العليا للتخطيط قبل ان يصبح وزيراً للتخطيط، في حكومة الدكاترة ، بعد تولي الملك خالد سنة ١٩٧٥ وبعدها أصبحنا نشعر في المجتمع السعودي بان هناك تغيراً اجتماعيا وثقافياً جوهرياً، حيث استقبلت المملكة وقتذاك أصنافاً من البشر بمختلف الثقافات، وكانت هناك المدينتنان الصنعيتان في الجبيل وينبع، في طور النشوء ، في المقابل هناك حراك اجتماعي وسياسي وثقافي، غير ان المتابع اصبح يلمس أن هناك فجوة ثقافية ما بين معطيات التنمية ، التي ركزت على انشاء البنية التحتية، وبين المجتمع، وكتبت وقتذاك كما كتبت دقاتن امين شاكر ، سلسلة من المقالات تنتقد هذا الإخلال الحاصل بسبب الفجوة”.
مع الراحلين: غازي القصيبي وتركي السديري
رئيس القسم الثقافي
ويوصل نصرالله ذكر تفاصيل حياته، عندما كان رئيساً للقسم الثقافي في صحيفة الرياض “استدعيت اساتذتي في الجامعة الدكتور أحمد الدكتور منصور الحازمي والدكتور عزت خطاب والدكتور أحمد البدلي والدكتور محمد الشامغ ود علي جاد والدكتور اسامة عبدالرحمن، للكتابة. فوق صفحات جريدة الرياض ، بهدف كسر الحاجز النفسي ، والخروج من البرج الجامعي لمواكبة التغيرات التي شهدها المجتمع لمطاردة موضوع الحالة المتغيرة التي بدأت تعيشها البلاد، وهي حالة من التغير الجوهري، مركزيين في كتاباتنا على بُعد آخر منسي، وهو البعد المتعلق بالجانب الإنساني والثقافي، خاصة أن المملكة فيها تنطوي على كل مكونات القوة الناعمة. من موروث ثفافي عربي كبير،اضافة. الى كونها قبلة المسلمين.
وأضاف “أجريت وقتها حواراً مع هشام ناظر، وكان حوارًا جاداً وحادا. حول اهمال خطط التنمية البعد الثقافي ، وطلب مني بعدها المجيءالى مكتبه لمناقشة هذا الموضوع وطلب مني ترشيح اسماء من الاكاديميين والمثقفين للعمل على إدخال التنمية القافية في خطة التنمية الرابعة ، وكذلك طلب أسماء اخرى من الدكتور اسامة عبدالرحمن، وهو شاعر واستاذ مرموق في علم بالإدارة، واخترنا مجموعة من الأسماء، وقدمناها. إلى مكتب ناظر في الوزارة، وبعد هذه النقاشات انتهينا بكتابة نقاط أولية في خطة التنمية الرابعة
الا ان الاهتمام بالبعد الثقافي لم يكن جادا حتى في خطط التنمية الثامنة والتاسعة والعاشرة، وحينما ضُمت وزارة الثقافة الى الإعلام في وزارة دعبدالسلام الفارسي، طلب مني مساعدته، فاقترحت عليه أسماء منهم الدكتور أحمد الضبيب والدكتور منصور الحازمي والدكتور سعد البازعي والدكتور نعيمان عثمان، وضياء عزيز ضياء وسراج عمر ، وكل واحد من هؤلاء تناول ملفاً، منهم من أخذ ملف المسرح والموروث الشعبي والعلاقات الدولية والتراث المادي وغيرالمادي.
وكنت امينا عاما لهيئة الاستشارية الثقافية هذه
وتابع نصر الله: “عُقد بعد ذلك أول ملتقى للمثقفين عام 1424هـ برعاية الملك سلمان، الذي حضر الملتقى، والقى فيه خطابا ، وقُدمت فيه الكثير من الأوراق ذات المقترحات الإجرائية، انتهت بمسودة صاغت خطة الوزارة الإستراتيجة للثقافة”.
الهوية الثقافية
وانتقل نصر الله للحديث ع الهوية الثقافية السعودية، وقال: “هذا الموضوع محل سجال بين العديد من المفكرين العالميين ، وليس العرب، وحدهم فهناك صاحب نظرية صدام الحضارات صامويل هنتنجتون التي صاغها في الثمانينات أو التسعينات، متحدثًا زفي كتابه ( من نحن ) حول جذور الهوية الأمريكية حيث هناك المؤسسون البريطانيون الذين أتوا من بريطانيا، وأقاموا المستعمرات في الشمال، وهناك الأسبان المؤثرون بثقافتهم في الجنوب”. وقال: “موضوع الهوية بحاجة الى المعالجة من قبل المفكرين والاكاديميين ، لمناقشة هذا الموضوع الهام ، وأدعو الوزير بدر بن عبدالله بن فرحان ان يعمل على صياغة السياسة الثقافية للمملكة”.لتفادي مخاطر العولمة المهددة لخصوصيات الشعوب
وأكد نصر الله أن “المملكة فيها مورث ضخم وحضارات تاريخية، انطلقوا من ارضها وعبرها اذ كثير من الباحثين اليوم يكادوا يجزمون أن الحضارات التي تشكلت في شمال الجزيرة العربية وفي العراق ومصر ، هي اساساً نبعت من من جنوب الجزيرة العربية وشمالها وبالحفر الاركيولوجي في هذه الثقافة الحضاربة وتفعيل مكوناتنا الثقافية يمكنننا مواجهة تحديات العولمة الكاسحة لهويات الشعوب، وهو أمر مهم لتعزيز هوية الامة الحضارية واللحمة الوطنية”.
مع الروائي العالمي الإيطالي ألبرتو مورافيا
التجربة الفرنسية
وكشف نصر الله تفاصيل لقائه مع وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني والدكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني الاسبق . وقال: “كان الهدف هو الإطلاع على التجارب الثقافية التي سبقت المملكة، ومصر، كانت النموذج لذلك، وقتذاك فهي متأثر بالتجربة الفرنسية، وهي تجربة رائدة وعريقة. كما ان وزارات الثقافة في العالم المتقدم أو هيئات الثقافة فيها لها دور كبير اليوم على أكثرمن صعيد، سواء كان ذلك عبر الدبلوماسية الثقافية أو تفعيل ممكنات الشعوب، والمملكة ، داعيا الوزارة إلى أن تتبنى دراسة مسحية للواقع الثقافي السعودي، وكآنه لمست شيئاً من هذا في تقرير الوزارة الأخير”.
وتابع نصرالله: “استمرت العلاقة مع الملك سلمان يحفظه الله، وأنا من الناس الذين كان لهم حظ وافر باهتمام خادم الحرمين الشريفين في أكثر من موقف، وكان يتفهمني ويدرك دوافعي الوطنية، ولذلك في اللحظات الصعبة كنا نجده أمامنا ويساندنا، فهو قارىء نهم للثقافة، وكان يفهم ما نقصده من كتاباتنا، ولديه اهتمامات بمعرفة تفاصيل المجتمع السعودي، وأتذكر موقفه النبيل بعد وفاة الكاتب محمد حسنين هيكل، فرغم مواقف هيكل الضدية للمملكة إلا أنه حرص على أن يعزي في وفاته”.
شخصيات مستعصية
ولنصر الله قدرة على استضافة شخصيات ترفض الظهور الإعلامي ومحاورتهم، ويقول: “كنا في المغرب، وتحديداً في مدينة فاس، أقدم برنامج تابعاً لقناة أم بي سي، من خلال برنامج “مواجهة مع العصر”، وكنت رأيت هناك الشاعرة فدوة طوقان، وكانت على قدر من السياسة المفرضة، ودعوتها للحوار، وكانت خائفة من الكاميرا، واقنعتها بالحديث معي لمدة دقيقتين فقط، فتحولت الدقيقتان الى 50 دقيقة”.
وأضاف “وفقت في اجتذاب عبدالرحمن بدوي، وهو أحد أبرز المتفلسفين العرب، وله اهتمام مبكر بالفلسفة الوجودية، وهو تلميد طه حسين، كما التقيت في باريس بالروائي الفرنسي من أصل لبناني أمين معلوف، واتفقت معه للمجيء، ولكنه أعتذر عن اللقاء، فطلبت بعدها أن أستضيف عبدالرحمن بدوي، وكنت بين اليأس والأمل أن يأتي، وبالفعل جاء وأجرينا اللقاء، ولقاء آخر مع شفيق جبري، وهو من أدباء الشام الكبار، وحوار مع بلند الحيدري”.
ولا ينسى نصر الله لقاءه مع ادونيس، ويقول: “في عام 1979، التقته في دمشق، وكنا قد قرأنا لأدونيس كثيراً، خاصة نصوصه في مجلة الشعر، وأدونيس شاعر كبير وموهوب، وله جذور ضاربة في دارسة التراث الشعري العربي والمختارات الشهيرة من الشعر الجاهلي”.
الحركة النقدية
وانتقل نصر الله بعد ذلك إلى الحركة النقدية في الممكلة، قائلاً: “الحركة النقدية في المملكة بعد جيل الأكاديميين أمثال الدكتور منصور الحازمي وعزت خطاب والدكتور سعد البازغي كان لها شكل مغاير، وأنا من الناس الذي تبنوا نشر مقالات الدكتور عبدالله الغذامي حينما اشرفت على ملف الرياض الأسبوعي، وكانت مقالته ذلك الوقت تقليدية جداً وكان يرد فيها على ماكتبه الدكتور ابراهيم الفوزان حول اسبقية نازك الملائكة أو بدر شاكر السياب في الشعر الحر، وكتب سلسلة من المقالات وكتب اطروحته الشهيرة مستنداً الى نص حمزة شحادة”.
ولم ينس نصر الله أن يتطرق إلى علاقته بمحمد عبده الجابري، وتناول مشروعه في نقد العقل العربي، وقال: “للجابري مؤلفات كثيرة مثل الخطاب العربي المعاصر وبنية العقل العربي وتشكيل العقل العربي وهذه الأجزاء تولدت عن مشروعه في نقد العقل العربي”.
مع الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري
مع الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردّوني
مع الروائي السوداني الكبير الطيب الصالح
مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري مع السياسي الروسي يفغيني بريماكوف
والده الحاج منصور نصر الله والشاعر عبدالله الشيخ مع الشاعر العراقي الراحل بلند الحيدري
من حوار البارحة
شخصية ادبية اعلامية عظيمة