العوامي لحضور منتدى الكوثر: القطيف تعيش عصراً أدبياً.. ذهبياً
من فريد النمر، القطيف
لم يكن الحضور حاشداً بعدد الأشخاص، إلا أن المكان احتشد بالمكين. هذا ما يُمكن توصيفه لاحتفاء منتدى الكوثر الأدبي، مساء البارحة، بالشاعر عدنان السيد محمد العوامي، في مقرّ المنتدى حي المنطقة الخامسة، بمدينة القطيف. الشاعر العوامي الفائز بجائزة معرض الرياض الدولي للكتاب عن ديوانه الثاني “ينابيع الظمأ”، لبّى دعوة شعراء المنتدى، وحضر على بساطة أناقته المعروفة.
أُلقيت ثلاث قصائد في اللقاء، لعلي الشيخ، وفريد النمر وياسر غريب. وتحاور الشاعر والحضور حول تجربته. وقبل الحوار تحدث عباس الشبركة، صاحب دار “أطياف” عما عاشه في تكريم الشاعر في العاصمة قبل أيام. وقال الشبركة إن تكريم العوامي من قبل وزارة الثقافة والتكريم هو بمثابة “تكريم لكل شعراء القطيف”.
فيما استعاد الشاعر الشيخ عبدالكريم آل زرع ذاكرته، وتحدث عن بداية علاقته بالشاعر العوامي منذ تأسيس منتدى الغدير الأدبي الذي كانت له الريادة في المنطقة، على حدّ تعبيره. أما الشاعر علي طاهر البحراني فقد حثّ النقاد على قراءة تجربة العوامي.
الشاعر هادي رسول؛ سجّل مطالبة للشاعر المحتفى به.. طالبه بكتابة السيرة الذاتية بعد هذه التجربة الثرة. ثم جاءت مداخلة عبدالإله التاروتي الذي وصف العوامي بـ الأستاذ المربي والأب الروحي الذي يفتخر به المجتمع”.
أسئلة منوعة
وقد تنوعت الأسئلة، وسأل المذيع الشاعر محمد الحمادي عن حركة الأجيال الشعرية في القطيف.. فأجاب العوامي بأن القطيف تعيش، الآن، عصرها الذهبي في الأدب، عندما يقارن بين الأجيال لمدة ٤٠ عاماً. وفِي جوابه عن استفسار باسم العيثان عن المحطات التي صنعت منه شاعراً، تحدث العوامي حب الاطلاع على كتابات العرب المختلفة التي نهل منها. وعندما سأله محمد آل شيف عن الشعراء الذين يقرأ لهم؛ لم يذكر العوامي أسماء محددة، إنما ذكر المناطق الذي يزدهر فيها الشِّعر في المملكة مثل الأحساء والقطيف وجازان.
وفِي رسالة من الشاعر جاسم الصحيح بعثها عن تجربة السيد قال فيها: شاعر قادم من نهايات العمود الشعري كي يبلور تلك النهايات في أجمل الأشكال الإبداعية.
وبعد ذلك انتهت الأمسية بتكريم الكوثر ودار أطياف لرمز من رموز الثقافة الذي ارتبط بحب الأرض.
فلسفة الجذر
ياسر آل غريب
إلى كبيرنا الذي علمنا الشِّعر .. السيد عدنان العوامي – دام مداده الأنقى –
آتٍ ونبضُ فؤادي يحملُ الدَّلْوَا
أنحو ينابيعَكَ الظمأى؛ لكي أروى
وحين ألقاك في أفلاك قافيةٍ
كأنني ألتقي بالفكرة القصوى
وجهٌ من الخصبِ، ما جفت ملامحُهُ
مادام يستبطن الغاياتِ والشأوا
يامن صقلتَ مرايا الماء محترفا
كم” نرجسٍ” يتمرأى عبرها زهوا
أنهرتَ محبرة الإبداع، فائتلقتْ
في ضفتيك أزاهيرُ الندى النشوى
من فرط ما أنت تهوى الأرض يانعة
أومأتَ للأرض: كوني جنة المأوى
تمتدُّ فلسفةُ للجذر، تنبئنا
عن ظلِّ ذاكرةٍ لا تعرفُ المحوا
والأرضُ” خولةُ” و” ابْنُ العبد” متسعٌ
من الغرام، وأمواجٌ من النجوى
ما من محبٍّ مشى في الأرض منسرحًا
إلا و دوزنَ في ساحاتها الخطوا
إذا ترصدكَ التاريخُ عن كثبٍ
فما أجلَّكَ من شمسٍ لنا تروى!!
وَيَا شراعا تجلَّى في الخليجِ رؤى
من بدءِ”سيهات” حتى منتهى”صفوى”
لله أيُّ انتماءٍ هكذا عبرتْ
منه المطامحُ حتى تبلغ الجوَّا
ولا يُحد الهوى يوما بفاصلةٍ
مادامَ يعدو إلى آفاقهِ عدوا
يا بن الثمانين .. مازال الجمالُ يرى
في جانحيك شبابا يافعا حلوا
لا يُحسبُ العمرُ في مسرى حقيقته
إلا بمقدارِ ما نهفو لمن نهوى
أصغيتَ للنخل أيام الصبا طربا
حتى تعلمتَ من إيقاعه الشدوا
نراك شيئا مجازيا يراودنا
مذ كنت تمزجُ فينا الحلمَ والصحوا
وحينما تصبحُ الأبصارُ جائعةً
فإن في مقلتيك” المنَّ والسلوى”
عنوانُك الوطنُ المكسوُّ أخيلةً
فانزعْ بداخلنا الحرمانَ والشجوا
بفيضِ أسمائنا جئناكَ في لهفٍ
والعذرُ إن سقطتْ أسماؤنا سهوا
—
عطر من دوحة البيان
فريد النمر
23-1-2017م
للذي ملأ القلب ينابيع قصيد وشواطئا من رؤى للشاعر الكبير.. السيد عدنان بن السيد محمد العوامي دام مداده
الأغاني ماذا تشيء الأغاني
لقطيفٍ معلّق بالبيان
ويراع معتق بين قلبي
يا للحنٍ مموسق بالمكان
شفّ للنخل شاطئاً يتجلى
ورواءً كعبقري المعاني
وانتشى الحب كالشقيق المآخي
يُدمع الفجرَ بالندى الهتّان
لك خفق كما الحقيقة يزهو
حين يُصغي لرعشة الشريان
يعزف الضوء بين لحن وعشق
أين منه تناغم الألحان
وغناء يزفه النايُ ترفٌ
كصدى الليل في ارتشاف الدنان
ما عساه يُوفي لك الشعر مني
غير همس يبوح بالإنسان
ما اعتذاري لمائسات القوافي
في ضفاف مجلية اللّمعان
غير ما قلت من حِداءٍ ضئيل
ظلّ ينمو بريشة الفنان
يا لأنغامه تصطاد الأناشيد في الحب لفسحة الأوزان
فالضحى المستفيض بعضُ جَناه
وهواه لسان هذا الزمان
شرف الشعر أن تكون رقيقاً
تحتمى فيك بدعة الأوطان
فاهدنا يا أيها الشاعر الفذّ اخضراراً كاشتجار الكتاب بالعنوان
وأنلنا من حرفك العذب غررَ النبض والنهى الفتّان
ليس خلف الكلام ثمة شيء
غير ما ترتئيه من ترجمان
كنت للأمس فكرة تتزيّا
بسلاف من ألمعي الأوان
ترسم الحلم بين غرس وماء
كي تغني يمامة البستان
وتضيء من ضحكة الحقل قلبا
سابقته حكاية الأغصان
كيف تظما وفيك ينبوع حب
جوهرته ملامح الربّان
فافتح الشوط خطوة حين تأبى
عاريات الصبا قِطاف الأماني
يا لأمجادها الأثيلات تطفو
كالأساطير بمشتل الوجدان
والنبوءات ينقش الفن فيها
ظلّه اللولبيّ كالصولجان
دائريا يبوحك الشعر قطرا
بانتباه لرغبة الفنجان
حسبها أنها القطيف كيان
للتعابير ورقّة الأفنان
تتشيّا في موكب الحب كيما
تتعرى في فتنة الألوان
تشعل الدرب وهو درب بئيس
ثم تطفو بنشوة الشطآن
والربى قد زُوجت بالتآويل فذا عطر الكلام في الندمان
يتمشى بحرا من العشق يشدو
برتاج كروعة الوديان
بورك الحب ينفح الروحَ منه
قبلات بين اللّمى واللّسان
ما الينابيع والظمى غير سرّ
أفرغته زجاجة الولهان
ما تبقى من قطرها غير زند
عشقته غواية الطوفان
فاغتسلنا بظلّها ولماها
ثم فاضت بمهجة الأشجان
إن للأرض فتنة كالفراديس لا تجافي الإغراء بالنكران
يا رؤى الشعر يا خلاصة وقتٍ
شاطئته سحابة الحرمان
لك في الشمس خولة وخليل
ما محته صبابة النسيان
كان معناك ألفَ شوق تحلى
بالأناشيد في الهوى السهران
تلك نجواك التي وزعتها
لغة الوجد للشجى الوسنان
لم تخن للقصيد إيماءة النبض لم يضقْ بالهموم صبر الجنَان
أذكر الآن من رؤاها فنار
يشعل الأفق في طموح الآوان
رئة الشعر مذ تشظت شباباً
واحتمت باللّظى والعنفوان
كنت فيها من يكتب “الخَطّ”
مجداً يتسامى بحضوة البرهان
ذاك تاريخ أمة ذاك بحر
“لأبي البحر” صنته للأمان
فزها الحرف مهجة ومداداً
ينبئان ببدعة المرجان
فايقظ الشعر بين جرس وفنّ هذه جنة بل جنتان
وعلى الفكرة البكر ينداح بوح مستنير بشعلة الأذهان
يتدلى كأنه شمس وعي
تتدلى بشرفة الأبدان
هكذا يخلد المريدون شعرا كلما أنضجتهم جمار الرّهان
نعمة الشعر أن تكون بليغا
حين تقسو الحياة بالطغيان
وسلاما بعاصف القهر حتى
تستلذّ الجراح بالإيمان
هكذا أنت كالمسافات معنى
في يد الريح سابح الإمعان
ذات وجد يتلو لك التاريخ ما تبقى من شرفة الإخوان
وسينبي من عبقري الأماسي
نبأ الظلّ من رؤى لقمان
فاشحذِ الحرف وهو بدع خيال
لك عطرا كشهقة الشطآن
واستلمه حديث ضلع شغوف
كشراع مدلّهِ الخفقان
طوع روح رحيقها مستفيض
كيف تزجيه نبعة الظمآن
إن للحب شرفة تبهج الآلاءَ حين تحنو بنبضها الرّيان