هوشة مغاصات السّنيار وثيقة عمرها 123 سنة تكشف نزاعاً بين بحارة تاروت وبحارة الكويت

حسن دعبل

منذ أزمنةٍ بعيدة، وهذه المغاصات محل أطماع قوى، وسفنٌ غريبة، ونزاعات لسيطرة القبائل والعشائر البحرية. حروب كثيرة، ودماء سالت على هيرات اللؤلؤ والغوص، وصرخات بحارة سكنت في القاع، وفزع وخوف سكن أهل البنادر والأسياف.

خيرات وفيرة، وغنية نامت داخل محار هذه المغاصات، لجودتها ووفرة محارها، وتميز داناتها. هذا ما حيّر صاحب التقارير الحربية “لوريمر”، حين قسّم تلك الهيرات والمغاصات إلى ثلاثة أقسام جغرافية في دليله المرجعي، ممهورة من مغاصات وهيرات راس تنورة مركزها البحري، لسافل الهيرات وعاليها:

١- المغاصات الواقعة ما بين رأس تنورة ودبي.
٢- المغاصات الواقعة مابين الكويت رأس تنورة.
٣- المغاصات الواقعة على جانب بر فارس.

لوريمر لم يكتف بهذا التقسيم الجغرافي للهيرات، بل سجلها من سافل هير بحري في عمان المتصالح والإمارات، إلى عاليّ هير في الكويت، ومن ألسنة وأفواه من التقاهم في عرض البحر والبنادر. لكن النوخذة الكويتي عبد الوهاب عيسى القطامي، قسم هذه المغاصات، أقرب إلى لسان بحريتها ونطقهم، ومعرفتهم. فقسّم هذه المغاصات إلى خمس أقسام:

١- مغاصات الكويت.
٢- مغاصات القطيف وتشمل مغاصات الجبيل.
٣- مغاصات البحرين.
٤- مغاصات قطر.
٥- مغاصات عمان المتصالح (الإمارات)

فكل تلك التقسيمات الجغرافية للمغاصات، أعطتها أسماءها البحرية، ولم تحرّفها أو تبدّلها، حتى بعد موت الغوص، ونسيان داناته وحصابيه. دوّنت كما هي في السّجلات و المراجع البحرية، وخرائط شركات النفط العملاقة، وهي تضع العلامات البحرية والأعلام، والبويات، وما يسرد عنها من أحداث وذكريات، وحنين، وما نام في صناديق الطواشين وأثرياء مدن اللؤلؤ وأسواقها من درّ ودرر. أيضاً لم تغفل تلك الحروب الصغيرة والكبيرة حتى رواة من بقوا في سواحل البنادر، وطالت بهم الأعمار، وتناسلت من مخيّلتهم تلك الحروب على مبعدةٍ من شوف أعينهم. رووّا بأسطورةٍ أشبه للسرد المتبدّل عن ” أرحمة بن جابر” وحصاره، وبحريته قرب رأس تنورة، وهو يتسلل ليلاً الحد الفاصل بين الراس ولسان البحر، حين شق اليابسة بغفلةٍ، ليصل إلى بر ياوان “جاوان”.

تلك المخيلات من السرد هي من وطّنت المغاصات في الكتابة، والذاكرة، فنُطقت وكتُبت كما كانت:

شگته، الميانة، بو عمامة، بو لثامه، شتيّه، ريّه، أبو لِبهيم، العظمة، الواسعة، النيوى، الخالي، لِيشير، الواسعة، لِخشيّنه، أبو اسعفه، خبّابان، الصفره، أم رحيم، لِبهيم، الغبّه ولِغبيبه…….!!

مغاصات كثيرة وهيرات، جعلت من المكان مركزه البحري، ليس للمحار وحده، ولكن لقرب حتى دوحاته، ومياه الشرب في قيعانه البحرية، وقرب بنادره، وزواداته من التمر والرطب، والمكيال، لذا خطفت سنياراتها تسابق هبوب الكوس والشمال، طارحة قبل صرخة النّهام والميداف، متقاربة في لِمساناة والتّبات، والقحمات.

ربما هوشة عابرة، دونتها رسائل الوكيل الإخباري لبريطانيا في الكويت (١٨٩٩-١٩٠٤)، علي بن غلوم رضا، وحُفظتْ في رسائله، أخبار الكويت:

يخبرنا التقرير المؤرخ في (٣ / ٦ / ١٩٠٠م) عن نزاعٍ نشب بين أهل تاروت مع غواصين من أهل الكويت هذا الذي قتل فيه عدد من غواصي أهل الكويت. فقد جاء تعريف من محمد بن عبد الوهاب الفيحاني إلى الشيخ مبارك في ٢ محرم ١٣١٨هـ(٢ مايو ١٩٠٠م) مفاده أن أهل تاروت جاؤوا ملتجئين إليه، بحضور حسين بن علي وإبراهيم بن مضف وهما من أهل الكويت، وطلب أهل تاروت الفصل في هذه القضية حتى يستطيعوا الغوص في تلك السنة، وإلا فإن الكويتيين لن يمكنوهم من ذلك. وقد تم تقدير فصل القضية بمبلغ ثلاثة آلاف ريال، يتعهد محمد بن عبد الوهاب بتسليمه خلال ثلاثة آشهر فقط. وقد قبل الشيخ مبارك بهذا.

• أهل تاروت، أو الغاصة، المقصود بهم نواخذة خشب الغوص التي تبندر في بندر لِرفيعه، وهو البندر الذي يجمع سنيار الخشب جميعها، وتأتمر بأمر سردار الغوص، في الدشة والگفالّ في تلك الفترة المدونة من الرسائل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×