[وثيقة] 9 بحّارة من القطيف يتظلمون عند الملك عبدالعزيز ضدّ جشع “النواخذة” دفاتر الديون راكمت الفوائد وحوّلت البحارة إلى عبيد دون رقابة
مجلس الغوص هو الخصم والحكم ولن يحكم لصالح البحّارة ضدّ نفسه
خاص: صُبرة
“نحن لا نملك من حطام الدنيا إلا أجسادنا التي منّ الله بها علينا لنتكسّب بواسطتها على عائلاتنا، فإذا ذهبت مكاسبنا سُدى؛ هلكنا ـ نحن وعائلاتنا ـ من الجوع”.
بهذه اللهجة المسترحِمة؛ حبّر الشاعر أحمد بن سلمان الكوفي (1324 ـ 1420هـ) وثمانية من بحّارة القطيف تظلّمهم ورفعوه إلى الملك عبدالعزيز (1292 ـ 1373هـ) ضدّ النواخذة الذين جعلوا “عمّال الغوص مثل العبيد المماليك”، على حدّ تعبير التظلم المحرّر في 6 ربيع الأول 1358، الموافق لـ 25 أبريل 1939، أي قبل قرابة شهر على بدء موسم الغوص في تلك السنة.
التظلم تضمنته وثيقة حصلت “صُبرة” على صورة لها من أرشيف الشاعر عدنان العوامي. وهي تشير إلى جانب مظلم جداً في علاقة “النواخذة” بالبحّارة، في زمن الغوص، وإلى سوء نظام الغوص من أساسه. وإذا صحّ جميع ما زُعم في التظلم المرفوع إلى ملك البلاد، وقتها، فإنه يُضاف إلى سجلّ التسلط الذي حافظ كبار تجّار اللؤلؤ والنواخذة على استمراره لقرونٍ طويلة.
6 نقاط
وبقدر لغة التظلم الضعيفة واختلاط الفصيح بالعامي فيها؛ فإن مجموعة من الانتهاكات تظهر، بشكل مؤلم، في بساطة أسلوب الصياغة. ويمكن القول إن تحليل مضمون ما وقّع عليه البحارة يتضمن 6 نقاط أساسية في توصيف المشكلة واقتراح الحل، وهي:
1 ـ البحّارة يعملون لسنوات طويلة في الغوص، دون مردود، بسبب تراكم ديونهم للنواخذة.
2 ـ النواخذة يسجّلون ديون البحارة ويزيدون الفوائد عليهم في دفاترهم.
3 ـ يمتلك النواخذة سلطة مطلقة في تسجيل الديون ورفع الفوائد، ولا رقابة على ما يفعلون، كما أن البحارة عاجزون عن نقض أو الدفاع عن أنفسهم في تفاصيل الديون.
4 ـ أمر الملك بتشكيل مجلس للغوص من خارج دائرة النواخذة، لكن الأمر لم يُنفذ، ولم يتم تنظيم المجلس.
5 ـ رجاء للملك أن يختار البحارة أعضاء المجلس.
6 ـ استرحام للملك في موضوع الديون المتراكمة عليهم للنواخذة.
خللٌ في النظام
تقع مشكلة هؤلاء البحّارة في سياق نظام تشغيل موروث ومثبّت، ويعاني اختلالاً أخلاقياً شديداً فرضته هيمنة الأغنياء على مقدّرات الفقراء قبل النفط. هذه الهيمنة جعلت من رحلة الغوص الكبير أشبه ما تكون بـ “مقامرة” عالية المخاطر بالنسبة لصغار التنفيذيين على ظهر السفينة، أي العمّال بكافة فئاتهم ووظائفهم.
كلٌّ منهم في حاجة ملحّة إلى اللحاق بالرحلة التي تمتدّ أشهراً في عرض البحر، ما يعني ترك أسرته دون عائل. ولأنه غالباً ما يكون صفر اليدين؛ فإن “النواخذة”؛ أوجدوا الحلّ، وهو أن يُقرضوا البحّارة ما يؤمّنون به معيشة أسرهم في غيابهم، على أن يستعيد النواخذة القروض بعد “القفال”، أي بعد عودة الرحلة، وحصول كلّ بحّار على نصيبه من لآلئها.
حلٌّ نظري
من الناحية النظرية؛ يبدو الحلّ واقعياً وقانونياً. بيد أن أغلب تطبيقاته انطوت على انتهاكات أخلاقية مُريعة، وانتهت اتفاقات النواخذة والبحّارة إلى مآسٍ سوداء قيّدت الأخيرين بديونٍ وضع الأولون شروطها، وأضافوا فوائدها، وقيدوها في دفاترهم، دون أي نقاش من المدينين الذين قد يعود أكثرهم، في موسم العام المقبل، ليقبلوا بصفقات غبنٍ تُضيف ديوناً على ديونهم السابقة، ما يجعلهم مثل “العبيد المماليك” للنوخذة، كما يُعبّر البحارة التسعة في شكواهم المرفوعة للملك.
خصم وحكم
وفي وقتٍ سابق من شكوى البحّارة التسعة؛ كان هناك مجلس معنيّ بالتعامل مع النزاعات المتصلة بأعمال الغوص، بما في ذلك مشاكل البحارة والنواخذة. لكن المعضلة هي أن أعضاء المجلس “كلهم نواخذة وأهل عمل”. وذلك معناه أن النواخذة هم الخصوم في الأصل، ولن يحكموا للبحارة ضدّ أنفسهم. إن ذلك ما يُعرف بـ “تضارب المصالح” في علم الإدارة. وقد صدر عن الملك عبدالعزيز أمر بتشكيل مجلس جديد للغوص، على ألّا يكون أعضاؤه من دائرة النواخذة. لكن الأمر لم يُنفذ، حسب ما تذكر الوثيقة. واقترح الموقعون عليها حلّاً هو أن يتولّى البحارة أنفسهم انتخاب المجلس.. يقول التظلم إنهم يأملون من الملك أن يأمر بأن “نختار لنا أعضاء إلى مجلس الغوص خليون من الغرض“.
صورة الوثيقة |
نص الوثيقة |
بسم الله
إلى حضرة صاحب الجلالة سيدنا الملك المعظم الشيخ عبد العزيز نجل الإمام الشيخ عبدالرحمن الفيصل السعود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام
بعده، يا طويل العمر، إحنا خدامك ورعاياك عمال الغوص، في هذه السنين الطويلة واحنا يكدّدونا النواخدة، ويأكلون أتعابنا بدعوى الدفاتر العتيقة، حتى صرنا مثل العبيد المماليك، ولا أحد منا يقدر يكذَّب دفتر النواخدة مهما يوضعون علينا من الربا ومن الزيادة، فملزومين بتصديقهم، وهذا أمر ما له حد ولا لينا خلاص منه إلى أبد الآبدين، مع أنه في غير هالبلاد الحكومة لها الحق أن تحاسب النواخدة وتوضع إلى كل واحد دفتر مخصوص.
ثانيا طول الله عمرك استرَّيْنا كثير وفرحنا لمّا بلغنا أنكم أمرتو بتغيير أعضاء مجلس الغوص السابقين، لأنهم كلهم نواخذة وأهل عمل، وعلى كل حال ما هم حاكمين إلينا على أنفسهم والإنصاف في الناس قليل، وشكرنا شفقتكم على ذلك الأمر. ولكن ـ طول [الله] عمرك ـ ما تنظم المجلس حسب ما أمرتو به، ولم نزل إلى حال التاريخ ما تغير علينا حال. فنرجوك ـ يا جلالة الملك ـ أن تحنو علينا بالأمر الذي فيه راحتنا، ونحن لا نملك من حطام الدنيا سوى أجسامنا التي منّ الله علينا بها لنتكسب بواسطتها على عايلاتنا، فإذا ذهبت مكاسبنا سدى هلكنا نحن وعايلاتنا من الجوع. فنرجو أن تلاحظونا بشفقتكم وأن [تأمروا] أن نختار لنا أعضاء إلى مجلس الغوص [خليين] من الغرض. كما أننا نسترحمكم في هذه الديون التي استعبدونا بأسبابها
وليس لنا ملجأ إلا الله ثم جلالتكم.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يطيل عمركم ويؤيدكم بتأييده، فلا زلتم ذخراً إلينا وإلى كافة المسلمين، والله يحفظكم ويرعاكم آمين.
تحريراً في 6/3/1358
- خادمكم أحمد بن علي الكاكه
- خادمكم صالح بن مهدي
- خادمكم حبيب بن صالح
- خادمكم سلمان بن علي
- خادمكم أحمد بن سلمان الكوفي
- خادمكم حبيب بن موسى
- خادمكم عبدالله بن شمروخ
- خادمكم علي زبران
- خادمكم علي بن عمران
اقرأ أيضاً