أحمد المصطفى.. شاعر قطيفي لا يعرفه جيل اليوم [8] بستان السيحة وسمر الذاكرة
عدنان السيد محمد العوامي
الحاج أحمد هذا شاعر كان له حضور لافت، فقلَّ أن يقام حفل أدبي في القلعة أو ما جاورها دون أن يرى مشاركًا فيه، ومع ذلك لم أجد له شعرًا منشورًا في أي مصدر ممن المصادر المتاحة التي اطلعت عليها، وأولها ساحل الذهب الأسود للشاعر المؤرخ الأستاذ محمد سعيد المسلم، فهو وإن عدَّه في الشعراء فإنه لم يورد عنه شيئًا([1])، ومثله فعل الأستاذ عبد العلي يوسف آل سيف، فقد ذكره في الشعراء دون أن يورد شيئًا من شعره([2]).
أما الأستاذ المعلم الملا علي بن محمد بن رمضان، فأفادنا في منظومته: (ماضي القطيف وحاضرها):
وفتى الشهامة أحمد بن المصطفى
ذي الشعر والنثر الجميل الموقع
ومن شرحه للبيت نعلم أنه: الحاج أحمد، ابن الحاج محمد علي ابن الحاج محمد بن الحاج حسين آل المصطفى ولد عام 1325هـ([3]).
ويصادق على سجية الشهامة في الشاعر المصطفى قلم الأستاذ الشاعر محمد سعيد بن الشيخ علي الخنيزي، وفي ما يلي شهادته في سياق حدثه عن قصيدة نظمها وتلاها على رفاق صباه يختبر ذائقتهم، فيقدم لهذه الشهادة على طريقته:
(وقبل أن أختم هذه القصة التي تدل على التنافس الفكري الذي كنا نعيش في ذروته، وفي أبعد طاقاته، بعيدين عن الحياة المادية، بكل ما فيها من ترَّهات وسخافات، أورد منها مقطعًا لإكمال هذه القصة التاريخية، وهي مطبوعة في الديوان الثالث “شمس بلا أفق”، ثم نتابع بقية ما تبقَّى من ذيول الذكريات الجميلة، التي تنم عن سباق فكري في ميدان الحياة الأدبية:
حديث البدر الحائر الذي أغرق في التفكير، وأمعن في حل رموز هذه المبهمات، إليه أرفع حديث البدر:
أيا بدر عُمت َ بهذا الجود
وشاهدت فيه فنون الصُّور
وجزت الفضاء طليق الهوى
وإن الهوى لجناح الفكر
وشاهدتَ منظر هذي الحياة
وبانت إليك مغازي البشر
وألقيت فوق ضفاف الغدير
شعاعك في موجه كالدرر
فهل تبصر العين سرَّ الحياة؟
وهل يدرك العقل تلك العبر
ويا بدر أنت عليم بما
تضمَّ محاسن تلك الصور
أما الشاعر المرحوم عبد الواحد فحاول أن يجاري حديث البدر الحائر … ولكنه لم يفلح، ولم يكتب، وأخذ يردد: بديع الصور، جميل الصور، أي بعض المقاطع من حديث البدر الحائر . . .).
يتابع: (وكان لهذه القصيدة دور آخر حيث قرأتها على المرحوم أحمد محمد علي المصطفى، شاعر التجار وتاجر الشعراء، كما كنا نسميه في نكتنا التعبيرية الأدبية التي نجريها معه في الجلسات الفكرية معه في بعض الأيام، جلسات شعرية يغلق فيها حانوته([4]) ويعيش معنا للأدب والفكر وإن كان هو في السنِّ بمنزلة والدنا، غير أن له موهبة ذوقية، ومقياسًا يميز به الأدب.
ولهذه المؤهِّلات علق على هذه القصيدة بإيجاز وقال: فيما معناه: “كعدسة المصور ترسم ما تقع”، وأخذ نسخة منها، وعرضها على أدباء الأحساء، وفي طليعتهم الشاعر أحمد الراشد المبارك، فكانت همزة وصل للتعارف بيننا وبينه.
وكانت أول مرة نلتقي معه في بيت الشاعر أحمد المصطفى، فكانت ندوة أدبية فكرية، وفي هذه الندوة كان الشاعر أحمد الراشد يعلق على قصيدة “حديث البدر الحائر، ويقرِّضها، ويثني عليها، وثمة نمت بيننا وبينه علاقة ودية، والرابط لها هو الفكر الأدبي الذي هو أقوى صلة في الحياة، فصار يعرض علينا من شعره ونعرض عليه.
فالعلاقة الأدبية تخلق في الحياة أصدقاء وأخوة قد لا تعرفهم ولا تلتقي بهم، وإنما تلتقي الأرواح سابحة في سماء الفكر الذي لا يحد بحدود.
وكان أحمد بن محمد علي المصطفى شاعر التجار وتاجر الشعراء المتوفَّى في اليوم التاسع والعشرين من شهر من شهر ذي القعدة عام عام خمسة بعد الأربعمائة والألف هجرية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام، يملك مكتبة تحتوي في ذلك الوقت على عيون التاريخ والمجلات الحديثة، ويفتح مكتبته إلى الأدباء للقراءة، أو من أراد الاستعارة، ولا يبخل ببعض الهدايا التشجيعية إلى الأدباء. كما أوجد بعض الشرائح من الكتب يبيعها بدون استغلال في أثمانها، وترك ثروة من القصائد الشعرية لم تجمع وهي عند أبنائه، وأخشى عليها من الضياع) ([5]).
خشية الأستاذ أبي علي في محلها، فلكم دفن من أدب القطيف في مقابر التراث؟ فعسى أن تجد عودة الأستاذ أبي علي صدى لد من لديهم شيء فيظهروه.
ويضيف الخطيب السيد محمد حسن الشخص مؤلف ذكرى السيد ماجد بن السيد هاشم العوامي (رحمه الله)، شهادة أخرى في حقه فيقول: “الحاج أحمد المصطفى شخصية مرموقة عُرفت بكثير من الصفات السامية، والخلال الحميدة، ولست بمغالٍ إذا قلت إنه مثال النبل ورمز الفضل. شاعر مرهف الحس، صادق الشعور، رقيق والنفس، واسع الخيال، عرف معنى الحياة، وسبر غورها، أضف إلى ذلك أنه كاتب قدير، يعوم في بحر المعاني فيستخرج الدرر الناصعة”، عرفته خلال اثني عشر عامًا، فرأيته مثال الأخوة الصادقة، يسحر الجليس، بقوله، ويهيمن على إحساس السماع مهما تنوعت واختلفت مداركه، ، صريح القول، صارم الرأي، قوي القلب تجاه المنطق الصحيح، والرأي المستقيمولعل أصدق شاهد ما تقرؤه في قصيدته في الفقيد من شعور وإحساس نحو أرباب الفضل والفضيلة يدلنا على مستوى رفيع في الروح والعقيدة ([6]).
من شعره:
مع ما قيل من غزارة نتاجه لم يسعفني الجد بسوى قصيدة ويتيمة يهنِّئ فيها السيد ماجد العوامي بعيد الفطر سنة 1366هـ:
أهنيك، يا مولاي بالصوم والفطر
فأنت منار الخلق في السر والجهر
ويا مصدر الأحكام وارث جده
بكم يهتدي من كان في البر والبحر
ويا قدوة الإسلام أحييت أمة
وعلَّمتها والعلم يدرك بالصبر
ففي كل قطر سار صيتك ذائعًا
وحكمك حكم الله في النهي والأمر([7])
إذا قيل للأخلاق أين محلُّها
فعنوانها قد سجلت لك في سفر
هنيئًا لشعب أنت فيه زعيمه
إلى الخير تدعوه، وتأمر بالبِرِّ
فو الله فيك اليومَ حفظُ كياننا
إذا اشتدت البلوى كشفت عن الضرِّ
ستبقى على مر العصور مخلَّدًا
لأنك في التاريخ تشرق كالبدر
أماجدُ، إن الشعر يقصرُ باعُه
فما ذا يقول المادحون من الشعر؟
فذاتك أسمى أن أنادي بفضلها
هي الفرع من أجدادك الأنجُمِ الزُّهر
لقد جاء في الذكر الحكيم مفصَّلاً
بما خصَّكم بالمدح من طيِّب الذكْر
فيا بحر علم لا يجفُّ معينه
وفي قعره أغلى من التبر والدُّرِّ
ويا خلف الماضين تبقى مؤيَّدًا
فذكرك باقٍ في الزمان إلى الحشر
قريضيَ أهديه إليك وإنه
شعوري، فخذه ، قد تمثَّل في شعري([8])
هذه نبذة لا تفي بحقه لكن هذا كل أسعفتني به ما بحوزتي من المراج
————–
(([1] ساحل الذهب الأسود، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة الثانية، 1962م، ص: 299.
(([2] القطيف وأضواء على شعرها المعاصر، مطابع الفرزدق، الرياض الطبعة الأولى 1406هـ، 1985م، ص: 266.
(([3]ديوان وحي الشعور، نظم الأستاذ العلم الملا علي بن رمضان، عُني بنشره الشيخ علي ابن الشيخ منصور المرهون، المطبعة الحيدرية في النجف، العراقأ الطبعة الأولى، 1379هـ، 1959م، ص: 115
(([4] كان تاجر أقمشة، ودكانه في سوق السكة التاريخي.
(([5] خيوط من الشمس، محمدسعيد الشيخ علي الخنيزي، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ، 2000م، جـ1/169 – 171.
(([6] ذكرى حجة الإسلام العلامة الإمام السيد ماجد العوامي القطيفي، جمعها وألفها الخطيب السيد محمد حسن الشخص، المطبعة الحيدرية في النجف، 1379هـ 1950م، ص: 37 – 38.
(([7] السيد ماجد أحد مراجع التقليد في القطيف، والشاعر يشير هنا إلى ذلك.
ما شاء الله يا سيد غزارة البحث وحودة السرد والتسلسل
.
ابدعت