الهم في كرب الطفوف أمان.. لقطة لصورة مبدعة

عبدالإله التاروتي

المشتغلون في الدراسات النفسية والاجتماعية يجدون في الهم والكرب طريقا يؤدي إلى نفق مظلم لا نهاية له إلا عبر مجموعة من التقنيات الكثيرة حتى يمكن الأخذ بيد سالك هذا الدرب إلى ضفة الأمان النفسي النسبي.

غير أن الصورة المبدعة التي اتى بها الشاعر عقيل اللواتي؛ من خلال المقابلة:

الهمُّ في كُـرَبِ الطُّفوفِ أمانُ

فابكِ الحُـسينَ ليكمل الإيمانُ

في طريق الطف لهي من المتناقضات العقلية في لغة الرياضيات. لكنها حيث الحسين فإن ذات الكرب والهم هو عنوان صريح إلى فضاءات واسعة من الراحة النفسية والاطمئنان النفسي الذي هو غاية كل إنسان مهما صغر أو علا شأنه ومقامه؛ وسبيل مراكز الدراسات والبحوث النفسية والاجتماعية.

وهذه مسألة جديرة بالرعاية والاهتمام في فهم فلسفة الحزن والبكاء على الحسين عليه السلام. ولعلنا نفهم هنا ولو في الحد الأدنى للفهم بأن كل جزع مذموم إلا الجزع على الحسين عليه السلام؛ لأن ظاهر  الجزع – هنا –  لا يعكس حقيقة جوهره ومن ثم نتائجه؛ ظاهره ضغط وتوتر وما يصاحب هذا الضغط من انفعالات تراجيدية قد لا تفهم من قبل الكثير ممن هم خارج نطاق  هذه الثقافة؛ ثقافة عاشوراء؛ اما حقيقته فهي سكينة وتبصر وقراءة للذات وللواقع من جديد.

قراءة تعيد للذات حيويتها من جديد وهي تبدأ مشوار تصحيح المسار أو تدعيمه بما يحقق له الديمومة والاستمرارية المسؤولة. فيتحول الفرد من حالة المضادة للمجتمع والعدوان والتمرد إلى المشاركة الفاعلة في نهوض المجتمع والأمة كل من موقعه ومسؤولياته – اشتراك في النوع؛ واختلاف في الدرجة – 

لذا فإن حركة الدمعة التي هي من لوازم الكرب في يوم الطفوف؛ إنما هي تسجيل موقف من كل ما يحيط بهذا الإنسان من موقع المسؤولية؛ هذا الشعور الإنساني النبيل بالضرورة يقود إلى حالة من الأمان النفسي والذي لا يأتي في ظل  حالة نفسية مضطربة سواء على المستوى الفردي؛ أو الجمعي.

اضطراب الحالة الفردية تعني مزيدا من المشكلات والتعقيدات ضمن دائرة الفرد الأسرية؛ أو المهنية..الخ.

 اما اضطراب الحالة على مستوى المجتمع والأمة فيعني ذلك؛ المزيد من التوترات والمشكلات الاجتماعية على صعيد المجتمع ضمن أطر مؤسساته المختلفة.

إذن الحالة تتطلب آلية عمل تخرج هذه الدوائر الاجتماعية من حالة القلق والاضطراب إلى ضفة الأمان والاستقرار؛ وإحدى هذه الآليات هي آلية الكرب والهم في يوم الطفوف.

وهذه المسألة لهي بحق من معجزات هذا اليوم وكراماته من الله تعالى. يوم يجعل الفرد / الأمة تسير ضمن الفعل لا الانفعال في الدفع نحو تحقيق المزيد من مظاهر النهضة على كافة الصعد وفي مختلف المجالات الحياتية.

كل ذلك من خلال تجليات النفس المطمئنة بذكر الله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب )؛ وهذا ما تحققه الدمعة والكرب في يوم الحسين عليه السلام؛ وحيث أن الحسين مصداق جلي للنفس المطمئنة بربها؛ كان الكرب في يوم الطفوف أمان؛ وذلك لاتصاله أولا وبالذات بالله سبحانه تعالى؛ لا أنه عنوان لجلد الذات؛ والتكفير عن الخطيئة الكبرى.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×