الزاد الحسيني

حسن آل حمادة

كثيرة هي خيرات وبركات أيام عاشوراء الحسين عليه السلام على محبيه ومحيي شعائره، ففي هذا الموسم الروحاني المتفرّد الذي تُستحضر فيه المأساة الدامية لشهادته مع أهل بيته وأنصاره، تتعدد طرق الإحياء، ولعل أبرزها تتمظهر في مجالس قراءة السيرة والمقتل حيث تتخللها النياحة والبكاء ولعل بعض الخطباء ارتأى تحويل المجلس الحسيني إلى محطة مكثفّة لرفد الساحة بمادة مرتبطة بأبعاد تثقيفية تتجاوز الوعظ الكلاسيكي وهي تتباين من حيث القوة أو الضعف.

وهنا أوّد تجديد الدعوة لفكرة قديمة مارسها ودعا إليه بعض العلماء ونخبة من المثقفين، عنيت بها الاستفادة من موسم عاشوراء لأجل استحضار ثيمة القراءة في ذاكرة الجمهور الذي يقبل بعاطفة جيّاشة نحو المجالس المعقودة باسم الإمام الحسين عليه السلام لذا تجده يتقبل سريعًا الأفكار المرتبطة باسمه الشريف.

ففي هذه المحطة الإيمانية فرصة ثمينة ينبغي أن تُستثمر في دعم ورفد حضور الكتاب على مختلف المستويات، فتارة نحن نُذّكر الناس بفضيلة القراءة، وتارة نُقيم لهم البرامج العملية التي تشدّهم للارتباط بالقراءة وعوالمها، وتارة نشجعهم على دخول أندية الكُتّاب، ليتحولوا من كُتّاب بالقوة إلى كُتّاب بالفعل، وهم يبدؤون خطواتهم الأولى في التدرّب على فعل الكتابة.

لعل الأفكار التي يمكن أن تُقترح في هذا الجانب، المعني بتفعيل البرامج الهادفة لأجل تحبيب الناس في عالم القراءة كثيرة، وباعتبارنا في هذا الموسم المتميز، فمقترحنا يتلّخص في تقديم الكتاب ضمن عنوان البركة الحسينية، ليحضر في أذهان أبناء المجتمع -وبالذات الناشئة منهم- باعتباره الزاد الحسيني المختلف عن كل زاد آخر، وكل ما يُقدّم باسم الإمام الحسين عليه السلام جميل.

فنحن نحتاج لغذاء العقل كما نحتاج لغذاء الجسد، وما أجمل الجمع بين الغذاءين بتفكر ووعي، لنلتهم عبرهما: ألّذ وأجمل الأطعمة والأفكار على حدٍّ سواء؟

حين يُقدّم ضمن مفردة البركة العاشورائية، زادًا حسينيًا على هيئة كتاب يضّخ ثقافةً ووعيًا لقارئه، فإننا نحقق بهذا الصنيع هدفًا كبيرًا من أهداف الثورة الحسينية التي نشدت طلب الإصلاح. فالإصلاح المنشود لهذه الأمة قد يشوبه الخلل إن لم يقترب من مفردة “اقرأ”، وهي الأمر الإلهي الأول في آخر الرسالات السماوية.

فكيف تتقدّم الأمة التي لا يعيش أفرادها علاقة حميمة مع الكتاب الذي يرقى بالإنسان في مختلف أبعاده: على مستوى العقل والروح، لأنه يهديك ببساطة، تجارب الماضين ويجعلك تقترب من أساليب الناجحين في عالمك المعاصر، ليرسم لك خارطة طريق للمستقبل المنشود.

فمن يحضر المجلس الحسيني -كما أتصوّر- متأبطًا كتابه بقوة، ليلتهم فكرة من هنا وحكمة من هناك، فقد يكون أشبه شيءٍ بالأرض الهامدة التي يتنزّل عليها الماء؛ فتهتز وتربو؛ لتنبت من كل زوج بهيج!

الزاد الحسيني قد نقدّمه باعتباره صدقة جارية وورقة علم ينتفع بها الموتى، وربما قدمناه كهدية منا لمن يقصد المجالس الحسينية، ومن الجميل أن نستحضر هنا حكمة الإمام علي عليه السلام وهو يقول: “لا تستحِ من إعطاء القليل، فإن الحرمان أقل منه”! فمن اليسير والسهل أن تهدي ولو كتابًا واحدًا باسم الإمام الحسين عليه السلام، لتشعل شمعة وعي في عقل إنسان.

دعونا نقترب من خير جليس في الزمان ونحن نتمعّن مقولة الإمام الحسين عليه السلام وهو يقول: “من أتانا لم يعدم خصلة من أربع، آية محكمة، وقضية عادلة، وأخًا مستفادًا، ومجالسة العلماء”. ولعلنا نجد هذه الرباعية الجميلة مجتمعة في الزاد الحسيني.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×