عاشوراء الأوجام أشدُّ حزناً.. منسّق برنامج “نرتقي” يلحقُ بعديله في يوم واحد المبارك والمرزوق تقاسما الأخلاق العالية والعطاء الاجتماعي
القطيف: ليلى العوامي
شعور الحزن، بل الفجيعة كان مضاعفاً في بيوت بلدة الأوجام أمس (الأحد)، فالبلدة التي كانت تعيش أيام عاشوراء، فجعت ظهراً بوفاة الحاج زهير علي مسلم المبارك.
ولم تكد تمضي ساعات على هذا الخبر الفاجع، حتى تجددت الأحزان بوفاة عديله سعيد محمد المرزوق. فاضت روح الرجلين الطيبين، بعد أسبوعين من دخولهما المستشفى، مصابين بفيروس كورونا المُستجد.
حضور اجتماعي
العلاقة بين الراحلين متداخلة جداً، فإضافة إلى حضورهما في ساحة العطاء الاجتماعي، هما عديلان، فزهير المبارك متزوج من الحاجة هناء منصور محمد المرزوق، فيما سعيد المرزوق متزوج من الحاجة دلال منصور المرزوق، وكلاهما يحمل كنية «أبي محمد».
15 يتيماً
رحل الحاج زهير المبارك مخلفاً وراءه ثمانية أبناء، هم: محمد، حسن، حسين، زهراء، زينب، حنان، مريم وفاطمة، أما الحاج سعيد المرزوق فترك سبعة أبناء: محمد، علي، زهراء، زينب، سارة، ليلى وحوراء.
المبارك الموظف المتقاعد، يعرفه أهالي الأوجام بالتقي الورع النزيه، الذي لا يتأخر عن مساعدة الجميع، وتميز بابتسامته وطيبته بين الناس. كما كان معروفاً بعشق آل محمد وخدمتهم.
مواجهة “كورونا”
الحاج المرزوق لا يختلف عن عديله، فهو أحد المبادرين المجتمعين، وكان مديراً للمراكز الصحية في قطاع صفوى، ومنسّق برنامج “نرتقي” في التجمع الصحي الأول في المنطقة الشرقية. وعُرِف بطيب خلقه وتفانيه في عمله وحبه لزملائه الموظفين جميعاً.
ومن موقع عمله؛ لعب المرزوق دوراً في التصدي لفيروس كورونا، ولكن هذا الدور لم يقتصر على المراكز الصحية في صفوى، بل تعداه إلى المجتمع، من خلال الدور التوعوي الذي مارسه.
وقبل شهر من رحيله، خاطب أهالي بلدته من خلال فيديو توعوي بعنوان “أهل الأوجام واعون”، قائلاً “أهل بلدتي الأوجام الحبيبة.. أقول لهم من القلب إلى القلب؛ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وكلكم أدرى بالاحترازات، وعلينا تحمل المسؤولية بشكل كبير”، مضيفاً أن “أهالي الأوجام واعون أبطال يستطيعون تخطي هذه المرحلة، فهم أشداء، ونحن معكم قلباً وقالباً، وسنساعدكم، وأنتم وأنا وأنت وهو مسؤولون، وسنتخطاها بقوتنا ومسؤوليتنا، ونراكم قريباً بصحة وعافية”.
“صبرة” تنشر شهادات زملاء الراحل سعيد المرزوق:
بدوره، قال صديق الراحل الدكتور رائد الفريد، طبيب مقيم بمركز صحي صفوى” إن الفقيد كان ذو شخصية محبوبة من الجميع، حيث كان يرسم البسمة، ويشيع الضحكة دائماً وأين ما حل. ويسعى لحل مشاكل العمل وزملائه الموظفين، وتذليل الصعاب أمام الجميع من دون استثناء، وفي جميع الأوقات، حتى لمن كان يختلف معه، وكان حريصاً ألا يتعرض أحد للمساءلة، ويحاول تجنيبهم العقوبات، ما أمكن”.
ويضيف الفريد “تميز بهدوئه في المواقف الصعبة والتعامل معها بروية وحكمة عالية. كما تميز بخدمة الناس في مجال عمله، وخارجه أيضاً، بأقصى ما يستطيع، وفي جميع الأوقات، حتى في وقته الخاص، من دون كللٍ أو ملل”.
وأشار إلى أنه كان “يسعى لتقديم النصائح والتوجيهات للزملاء، ولم يكن يتحرج إذا لم يملك جوابًا لقضيةٍ ما، بل يسعى للحصول على ذلك الجواب بالتواصل مع الآخرين”، لافتاً إلى أنه كان “ذا فكر ثقافي واجتماعي عالٍ، وأسلوبٍ لبق في التعامل مع الكبير والصغير، ومع مختلف طبقات المجتمع”.
خادم المرضى
عملت فاطمة المرزوق، سكرتيرة للراحل منذ 3 سنوات، تقول “عرفته بطيبته وإنسانيته وأخلاقه العالية، كان يعاملنا كإخوة، ولم نلمس منه إلا كل خير”، مضيفة “كان رحمة الله عليه يريد أن يقوم بكل شيء بنفسه، خدمةً منه للمرضى والموظفين”.
قضاء حوائج الجميع
أما زميله مدير إدارة التواصل والشوؤن الحكومية في المراكز الصحية في قطاع صفوى عباس الصادق، فقال عن الراحل “منذ تسع سنوات تعمقت علاقتي بالفقيد الراحل، فأصبح أخاً لي، أحمل له بداخلي كل المعزة، كان محباً للصغير قبل الكبير، مبادراً للعمل الاجتماعي، يشارك كثيراً في تثقيف المجتمع، وله بصمات واضحة في كل مكان”.
ويضيف الصادق “إن جاءه موظف أو أي مراجع فلن يتأخر أبداً في قضاء حاجته، وإن حلت ضائقة في أحد الموظفين، أو نزل به همّ؛ كان يرفع معنوياته، والكثير من المواقف الإنسانية التي تختزنها ذاكرة الزملاء، كما كان رحمة الله عليه مبادراً لإصلاح ذات البين”.
ترقية قبل شهر
تمتد العلاقة الوظيفية بين رئيسة التمريض في المراكز الصحية بصفوى شمسة الناصر، لـ12 عاماً، وتصفه بـ”الطيب المحب لمساعدة الجميع”، وتقول “هو رئيسي المباشر، ولكنني لم أتعامل معه كرئيس ومرؤوس، وفجعت كثيراً بخبر رحيله”، مضيفة “عندما اجتاحت كورونا البلاد؛ خفنا عليه كثيراً، كونه أجرى عملية قلب قبل عام، ولكنه رحمة الله عليه لم يحب الجلوس”، لافتة إلى أن الفقيد حصل على ترقية الشهر الماضي، “لكنه لم يفرح بها”.
صاحب طموح مشرق
كفاية آل فاران، مسؤولة المشاركة الصحية في مستشفى رأس تنورة وصفوى العام، تقول عنه “عَرفًته منذ 10 سنوات منذ أن كنا في الإدارة حتى أصبح مديراً، وكنت معه في برنامج منجم، ثم تأهل للمراكز الصحية، إلى أن أصبح مشرفاً على برنامج نرتقي، كان ملهماً، صاحب طموح مشرق”.
وتضيف آل فاران “أبو محمد رحمة الله عليه يبحث دائماَ عن الأفق المشرق البعيد، ورؤيته للمستقبل مشرقة، مثقف مطلع، تجلس معه وهو يتحدث فتشعر أنك تتحدث مع إنسان راق، يملك من المعرفة مداها، متدين قارئ للقرآن، صوته وهو يقرأ الدعاء عذب، شخصية واحدة بها كل الملكات، نظرته مشرقة وطموحة، يبحث عن الأمل البعيد، يطالع المدى، كان داعماً للمراكز الصحية، ويسعى دائماً لتطويرها والبحث عن داعمين لها، وكلماتنا هذه لا توفيه حقه أبداً”.
التفاني في العطاء
لم تصدق اعتدال الشكر، من مبادرة “نرتقي “خبر رحيل زميلها المرزوق، تقول “خاطبنا المستشفى؛ فكانت الصدمة”، وتصفه بـ”المعطاء، المتسامح، الخلوق مع الكبير والصغير”. وتقول “عرفته منذ عام، حينما عملت معه في مبادرة نرتقي، إذ كان منسق البرنامج في المنطقة الشرقية”.
وتضيف الشكر “أبو محمد ليس مجرد زميل؛ بل أخ وداعم للجميع، نفسياً واجتماعياً، داخل المستشفى وخارجه، لم نسمعه يوماً يقول: لا، أنا لا أستطيع خدمتكم. على العكس كان متفانياً في العطاء وفي خدمة الآخرين، وكان يبادر كثيراً في تقديم الخدمات الإنسانية، وبرحيله فقدنا داعم إنساني حقيقي بمعنى الكلمة، وكأنني فقدت أحد أخوتي وأكثر، بسبب طيبته اللا محدودة، لم يكن يحب المشاكل، ورغم أنه يستطيع الرد في بعض المواقف، ولكنه كان يميل إلى التعامل بالحسنى، وإن لمس خطأ من أحدهم؛ فلا يتسبب في إحراجه، بل يلتمس له العذر”.
خادم الحسين
وفي صفحته الشخصية في “فيسبوك”، كتب الشيخ محمد المدلوح عن الراحل “من الصعب عليّ – كما على الكثيرين – أن أعبر عن حجم حزني وافتجاعي برحيل الأخ الحبيب، والصديق اللبيب، ذي الأخلاق السامية، والهمة العالية أبي محمد الحاج المؤمن سعيد المرزوق، والذي جمعتني به علاقة الأخوة والخدمة الحسينية إبان إعتلائي منبر حسينية المرزوق قبل سنوات، أيام محرم الحرام، واستمرت هذه العلاقة إلى آخر رسالة جاءتني منه بمناسبة عيد الغدير الأغر، وما كنت أظن أنه سيودعنا بعدها بأيام”.
ويضيف الشيخ المدلوح “رحمك الله يا أبا محمد، وجعل الجنة مثواك، وحشرك مع ساداتك الكرام، وألهم فاقديك الصبر والسلوان وأحسن لهم العزاء”.