خطاب الفقيه الخباز.. ومراجعات المرحلة

حبيب محمود

في تجربة السيد عبدالحسين شرف الدين والشيخ سليم البشري؛ رسالة لم يستوعبها المسلمون على النحو الملائم لحمل “الجدل المذهبي” بين الشيعة والسنة على محمل المسؤولية. حوارهما الذي تحوّل إلى كتاب “المراجعات” نشره السيد شرف الدين؛ عُومِلَ بانتقائية خطيرة بين هواة الجدل. وتجاهل الهواة ـ وقبلهم المحترفون ـ أولى رسائل حوار الرجلين..!

انطلق حوار اللبناني شرف الدين والمصري البشري من فهم حقيقة واقعية وتاريخية أيضاً؛ هي أن الشيعة لن يتحوّلوا إلى سنة، والسنة لن يصيروا شيعة. ربما تسرّب أفرادٌ من طرفَيْ الصراع بين آونة وآونة، وتحت تأثيراتٍ خاصة. بيد أن التحوّل الجمعي غير ممكن، لا على أساس الإقناع، ولا تحت الإجبار.

الشيعيّ سوف يظل مركزاً على مدرسة أهل البيت، فيما يبقى السني مستنداً إلى مدرسة الصحابة.

وبالتالي؛ لا جدوى من الحوار ولا الجدال ولا الصراع، سعياً إلى هدف تحويل الآخر. والفكرة الصائبة ـ عند شرف الدين والبشري ـ هي الحوار على أساس ما يجمع، لا ما يفرّق.

هواة الجدل المذهبي ـ بله الطائفي ـ أخذوا ببعض حوار الرجلين في “المراجعات” وأعرضوا عن بعض. ومنهم من أصرّ على أن يُعامَل مشروع الحوار الهاديء كنسخة جديدة من جدال ابن المطهر الحلي والشيخ ابن تيمية، في القرن السابع الهجري، بصرف النظر عن اختلاف أسلوب العالمين القديمين.

والمحصّلة؛ هي أن المسلمين تعبوا، وما زالوا يتعبون، من حمل التاريخ على ظهورهم، ومن مفاصلات الرغبة في التحويل، وشهوات الإقناع والإجبار، وهم يتلذذون ـ بمازوخية حيناً وبسادية حيناً آخر ـ بتكرار المكرر، وإعادة تدوير المستعمل من الأدلة والاحتجاجات التي لن تنقل أحداً من مذهبه إلى مذهب الآخر، ولن تُضيف أكثر إلا مزيداً من الحنَق والحقد والتيه..!

وتأتي إشارة السيد منير الخباز، في حسينية السنان قبل ليالٍ، في سياقٍ مهمٍّ من حقّنا أن نعيَه ونُدرك قيميّته، وبالذات في مرحلتنا التاريخية الثمينة. السيد الخبّار المُجاز بالاجتهاد منذ ما يقارب عقدين؛ أفضى بتصريحٍ حيوي من على منبر الحسين، وفي ختام أيام عاشوراء، وسجّل تنبيهاً إلى ما على المواطنين الشيعة أن يُدركوه في مسألة العلاقة مع المذاهب الإسلامية الأخرى.

اعتادت منابر عاشوراء ألّا تخوض في مثل هذه المكاشفات مع الجماهير غالباً. وذلك لا يعني أن هذه الرؤية غائبة عن منابر أيام الحسين، بل يُمكننا القول إن نبرتها ليست عالية، أو ليست كافية، أو إنها كانت تصدر عن آحاد من خطباء ليسوا بمستوىً علميٍّ فقهي يُضارعُ مستوى تأثيرهم في الناس.

موقف السيد الخباز موقف فقيه، لا موقف خطيب فقط. موقف يُشير إلى “تكليفه الشرعيّ”، ومسؤوليته تجاه مجتمعه ووطنه. وخطابه لم يحصر المواطنين في المملكة، بل شمله بمواطني دول الخليج، ما يعني أن المسؤولية أوسع، ولصالح الوحدة الإسلامية من جهة، ومن جهة أخرى لصالح المواطنة.

ونحن في مرحلة وطنية مهمة وتاريخية أيضاً. وطننا يشهدُ تحوّلات واسعة، صرّح برؤيتها سمو وليّ العهد شخصياً غير مرّة. مرحلة إنهاء تغوّل التشدُّد والتطرف الذي امتدّ أربعة عقود، مُثقِلاً كاهلَ المجتمع السعودي بما أرهقه وأتعبه مما لا طائل منه لا وطنياً ولا دينياً.

ونحن ـ المواطنين الشيعة ـ نلمسُ حقائق كبيرة على مستوى المُشكِل الطائفي الذي تضرّر منه الوطن برمته، لا المواطنون الشيعة وحدهم. وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية في رفض الخطاب الطائفي الذي يصدر عن بعضنا، كما رفض أخواننا المواطنون السنة الخطاب الطائفي الذي كان يصدر عن بعضهم.

بإمكاننا أن نُبقيْ على الحالة التي كُنا عليها طيلة العقود الأربعة الماضية، ولكنّ ذلك لن يقدّم لنا ـ ولوطننا ـ شيئاً. مسؤوليتنا أن نُشارك في بناء أربعة عقود جديدة لمستقبل وطننا وأبنائنا وأحفادنا. فنحن جميعاً مواطنون، ونحن جميعاً مسلمون، ولن ينفعنا شيءٌ أكثر من فهم هذه الحقيقة.

وربما للحديث صلة.

تعليق واحد

  1. رأي صائب اخي الحبيب حبيب ” ولكن أود ان اصحح قولك أن الشيعة يمشون برأي ال البيت والسنة برأي الصحابة ” والحقيقة أن السنة على ماكان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وماجاء في الكتاب والسنة النبوية المطهرة.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×