الممرضة نعيمة “طبيبة العائلة” التي تعالج مرضى القطيف منذ 36 عاماً أول ممرضة في "القطيف المركزي" تحكي قصتها وبعض حكايا المستشفى
من ذاكرتها: سرقوا حقائب المرضى من الحافلة.. وأنقذت زميلتي الفلبينية من الغرق.. طنجرة قلي هدية زواجي
القطيف: ليلى العوامي
حلمت نعيمة حسين آل عبدالعلي أن تصبح طبيبة تعالج المرضى، لكن لم تتمكن من الالتحاق بكلية الطب، فاتجهت للتمريض، الذي حققت فيه حلمها، وقضت فيه 36 عاماً، لم تشعر خلالها بطعم السعادة الغامرة إلا عندما تساهم في شفاء مرضاها والتخفيف من آلامهم، فيدعون لها بالصحة والعافية وطول العمر، ما جعلها تتفانى في أداء رسالتها الإنسانية على أكمل وجه.
سنوات خدمة نعيمة لم تخرج من القطيف، قضت عاماً واحداً في مستشفى الشويكة، و35 عاماً في القطيف المركزي، عايشت خلالها مراحل تطور هذا المستشفى، وتوثيق تاريخه منذ افتتحه الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله) عام 1408هـ.
خبرات نعيمة التمريضية بوأتها مناصب عدة، منها المساهمة في تأسيس قسم الباطنة ورئاسته لمدة 7 سنوات، قبل أن تستقيل لمدة 13 عاماً، لظروف خارجة عن إرادتها، ثم العودة مجدداً، لتصل إلى منصب نائبة مدير إدارة الطب المنزلي في مستشفى القطيف المركزي.
بين سيهات والعوامية
نعيمة (58 سنة) من مواليد سيهات، لكنها تعيش في العوامية مع زوجها عبدالباقي حسن آل نمر، المتقاعد من شركة أرامكو، وأبناؤها: حسين، زهراء (ممرضة)، هادي (أخصائي طب طوارئ)، غدير (طالبة علاج طبيعي) وسجاد (موظف في أرامكو).
تحدثت نعيمة آل عبدالعلي لـ”صُبرة” قائلةً “منذ الطفولة؛ حلمت بأن أكون طبيبة أعالج الناس وأداويهم، وكان يُطلق عليّ في المنزل: طبيبة العائلة. وبعد إكمالي المرحلة المتوسطة، حصلت ليّ ظروف اضطررت بسببها للبقاء في المنزل لمدة 6 سنوات، حتى قررت العودة للدراسة”.
في هذه الأثناء؛ سمعت نعيمة عن المعهد الصحي، فقررت التسجيل فيه لقرب التخصص من الطب، وقدرته على تأهيلها لعلاج المرضى، والعناية بهم.
تضيف “زوجي كان وما زال الداعم الأول لي، إضافة إلى والداي (حفظهما الله) وأخواني وأخواتي، وقد أعطاني زوجي الحرية الكاملة في العمل، وعندما استقلت من عملي، ثم رجعت له بعد 13 سنة، كان هو المشجع ليّ على العودة”.
معلمات في الذاكرة
درست الابتدائية والمتوسطة في سيهات، وتخرجت في المرحلتين بتقدير “ممتاز”، وبعدها حصلت على دبلوم تمريض عام من المعهد الصحي الثانوي للبنات في القطيف عام 1406هـ، وتخرجت فيه بتقدير “ممتاز” أيضاً.
تصف شعورها أثناء الدراسة في المعهد “في البداية؛ كنت خائفة من الدراسة مع طالبات متخرجات من المرحلة الثانوية، كنت أشعر بأنني لن أستطيع مجاراتهن في الدراسة؛ لكنني تفوقت على الجميع”.
سرعان ما تجاوزت حالة الخوف، تقول “كنت سعيدة في المعهد، كونه يحوي عدداً قليلاً من الفصول، ما يجعلنا أسرة واحدة، كانت المدرسات متعاونات، لا سيما نادرة المرهون مدرسة الصحة النفسية، وصبيحة السنان مدرسة الكيمياء، والدكتورة عواطف أمين (مصرية) مديرة المعهد وطبيبة نساء وولادة في مستشفى الشويكة، وسميرة البيش الأخصائية الاجتماعية التي لا أنسى فضلها عليّ، وتشجيعها ليّ”.
تعلم اللغة الإنجليزية
تتذكر نعيمة حفل التخرج الذي أقيم في مسرح المعهد المهني بالقطيف قبل 36 عاماً، تقول “تم اختياري الطالبة المثالية، وكانت هديتي عبارة عن كتب وأشرطة تعلم اللغة الانجليزية، التي كانت دافعاً لي لتحسين لغتي الأجنبية، كونها لغة التعامل مع الأطباء والممرضات الأجنبيات”.
وتتابع “بعد تعييني، كنت أذهب لمدرسة أرامكو في الظهران، والخاصة بعوائل الموظفين في الفترة الصباحية لتعلم الإنجليزية، وأتوجه للدوام مساءً”.
مستشفى الشويكة
تخرجت آل عبدالعلي في شعبان من عام 1406هـ، وتم تعيينها في مستشفى القطيف العام (الشويكة)، في قسم الباطنة (نساء). تصف تلك المرحلة “كنت سعيدة بالعمل، كانت مهامي تقتصر على الاعتناء في المريضات، وتغيير شراشف الأسرة، وإعطاء الأدوية، وتركيب المحاليل، ومساعدة كبيرات السن، وقد كونت صداقات مع المريضات صغيرات السن اللاتي أتواصل مع بعضهن اليوم، وأتذكر أن رئيستي في العمل في تلك الفترة كانت اعتماد الدار”.
في السنة الأولى من عملها، اختارها مدير المستشفى ـ آنذاك ـ صالح الخنيني “الممرضة المثالية”، وتسلمت كأس الأمير محمد بن فهد للموظف المثالي، وما زالت تحتفظ بها، تواصل حديثها “لا أنسى فضل الممرضات الأجنبيات اللائي ساعدنني في إتقان الكثير من المهام التمريضية، مثل العلامات الحيوية، وسحب العينات، وكتابة التقارير، وقراءة تعليمات الطبيب، وغيرها من المهام”.
تضيف نعيمة “كان المستشفى حينها عبارة عن 3 أدوار؛ الأرضي للعيادات والمختبر والإدارة، والأول لأقسام النساء من باطنة وجراحة، والثاني يضم أقسام الرجال من باطنة، وجراحة”.
مستشفى القطيف المركزي
بنهاية عام 1407هـ، اختيرت نعيمة مع مجموعة من الممرضات الفلبينيات والهنديات من مستشفى الشويكة، للعمل في مستشفى القطيف المركزي الذي اُفتتح للتو. وتذكر نعيمة سبب الاخيتار “في ذلك الوقت؛ كانت العيادات وقسم الأشعة هي التي تعمل، ويتم تحويل المرضى لعمل الأشعة هناك، وكان دوري تأسيس قسم الباطنة (نساء) في المستشفى الجديد مع ممرضات فليبينيات، فكنا نجهز القسم، ونشرف على تأمين احتياجاته من أجهزة طبية ومحاليل، وملفات، وأسرة في فترة الصباح، وعند الرابعة عصراً نطفئ الأنوار، ونعود إلى منازلنا”.
بعد اكتمال أعداد الأطباء من التخصصات المختلفة، وطواقم التمريض من الجنسيات العربية، والأجنبية، مثل البريطانية، تم افتتاح المستشفى عام 1408هـ، وبدأ العمل في جميع الأقسام، تعلمت آل عبدالعالي من المشرفات البريطانيات كيفية إدارة القسم، والإشراف على الممرضات الأخريات، وعمل جداول المناوبات، وغيرها من الأمور الإدارية التي استخدمتها لاحقاً، حين استلمت رئاسة قسم الباطنة نساء.
حادثة ابنها والاستقالة
بعد نحو عامين من افتتاح المستشفى، زاد عدد الممرضات السعوديات. وتقول نعيمة “بقيت رئيسة قسم الباطنة حتى عام 1414هـ، إلى أن حصلت على إجازة ولادة، وفي الفترة نفسها، وقع حادث لابني حسين الذي كان عمره 5 سنوات حينها، فاضطررت للبقاء معه في المستشفى لعدة أشهر، وبعدها قررت أن استقيل لأتفرغ لتربية أبنائي، وبقيت في المنزل 13 سنة، تراودني فكرة العودة مجداً لخدمة أبناء وطني، والعناية في مرضاي”.
قرار العودة
عادت إلى العمل عام 1429هـ، وتم تعيينها في قسم الباطنة، ولكن هذه المرة “رجال”، بتوصية من مدير المستشفى حينها الدكتور علي الحداد. تقول عن تلك الفترة “بقيت مشرفة في القسم، حتى تم ترشيحي و4 من موظفي المستشفى لتأسيس برنامج الرعاية الصحية المنزلية في القطيف، وتحديداً في شعبان عام 1430هـ، مع الممرض محمد الشيخ، والدكتورة قطب حبيب، وأخصائي العلاج الطبيعي محمد مغيزل، والأخصائي الاجتماعي طارق الزاير، وبدأت رحلتي مع زيارة المرضى من كبار السن في المنازل، وتثقيف الأهالي، وتوفير المستلزمات الخاصة بالمرضى”، مضيفة “أحسست بالتميز والفخر لاختياري لخدمة هذه الفئة العزيزة على قلوبنا، من كبار السن”.
زاد العدد وكبرت المهام
تكمل نعيمة سرد حكايتها “عام 1432هـ، انتقلنا لمقرنا الحالي، وتم توظيف عدد من الأطباء والتمريض والعلاج الطبيعي والتغذية للانضمام لأسرة البرنامج الطب المنزلي، وبالتالي أصبح لدينا فريقان للزيارات الميدانية، وأصبحت مشرفة على الفرق وتوزيع الأفراد، وعمل الجداول وتدريب الكوادر الجديدة”.
وتتابع بالقول “وصل عددنا الآن إلى 45 موظفاً من مختلف التخصصات الصحية، موزعين على 5 فرق، كما تعددت خدمات البرنامج، فلم يعد مقتصراً على رعاية المرضى من كبار السن، وشمل رعاية المرضى من الأطفال، ومرضى القروح وتبديل الأنابيب، والرعاية التلطيفية، والعلاج الوريدي في المنزل، وتوفير المستلزمات والمكملات الغذائية، وتوصيل الأدوية والمستلزمات لمنازل المرضى، والمراجعة الدوائية، وآخرها العيادة المرئية والمتابعة عن بُعد”.
تشعر آل عبدالعلي، بالفخر بإنجازات البرنامج في خدمة المرضى والمجتمع، وتتمنى أن يكبر القسم ليصبح “مركزاً تدريبياً، ونستطيع خدمة أكبر عدد من المرضى”.
التنقل بين منازل المرضى
في بداية تأسيس برنامج الرعاية الصحية المنزلية، كان عدد المرضى “قليلاً” على حد وصف نعيمة، التي تُكمل “كنا نزور المرضى في منازلهم، ثم يعود كل موظف لقسمه الأصلي، وعندما وصل عدد مرضانا إلى 25؛ انضم لنا موظفون آخرون، وتم تفريغنا، وأصبح لنا غرفة نجتمع فيها للتحضير للزيارات، وتجهيز المستلزمات، وكتابة التقارير، والتواصل مع المرضى، وكنا نزور المرضى في حافلة المستشفى، حاملين معنا حقائب كبيرة مليئة بالمستلزمات الطبية، وكأننا على سفر”.
هدية الزواج: طنجرة قلي
تتذكر نعيمة آل عبدالعلي بعض المواقف التي وقعت لها في سنوات عملها، مؤكدة أنها لن تنساها “عندما تزوجت في شهر ذي الحجة من عام 1408هـ، قدمت دعوة لجميع الممرضات لحضور زواجي، كما قدمت دعوة مماثلة للأطباء، وحصلت على إجازة لمدة 5 أيام فقط، وعند عودتي للعمل، وتعبيراً عن فرحة الزملاء بي؛ أقاموا لي حفلاً بسيطاً مفاجئاً في مركز الترفيه في المستشفى، وكانت المأكولات من صنع الممرضات، وقدم الأطباء لي هدية عبارة عن “طنجرة قلي”، ما زلت أحتفظ بها”.
موقف آخر حدث لها، “كنا نزور مريضة جديدة، ولأننا نحمل حقائب السفر، تركنا حقائبنا الشخصية في الحافلة، ولكن عند عودتنا؛ وجدنا نوافذ الحافلة مفتوحة، والحقائب مسروقة، وذهبنا لمركز الشرطة للإبلاغ عن السرقة، ولم نستعد المسروقات حتى اليوم”.
حين غرقت الممرضة
قصة ثالثة تبدو تفاصيلها حاضرة في ذهنها، “كنا في شهر رمضان المبارك، وكان دوامي يبدأ آخر الليل، حيث وفر لي المستشفى غرفة حتى لا أضطر للذهاب والعودة”.
تضيف “بدأت القصة بعد الإفطار مباشرة، كنت مع مجموعة من ممرضات القسم، ذهبنا سوياً لمطعم المستشفى للإفطار، وبعدها اتجهنا إلى مركز الترفيه، حيث توجد بركة سباحة، ونزلنا لنستحم، كانت الممرضى الفلبينية ميريام سانتوس لا تعرف السباحة جيداً، ورغم ذلك قفزت إلى البركة، ولم تخرج، وكانت الأنوار خافتة، ولم ينتبه أحد لها سواي، فقفزت لإنقاذها؛ وكدت أن أغرق معها، فتركتها، وأخذت أصرخ على بقية الممرضات الموجودات، لمساعدتي، وحاولن ذلك، لكن لم يستطعن لعمق البركة الذي يتجاوز 2.5 متر”.
استجمعت نعيمة قوتها وعادت للغوص لإخراج زميلتها، واستطاعت أن تمسكها من شعرها، حيث كانت مستلقية في قاع البركة لا تتحرك، وعند وصولها لسطح الماء؛ ساعدتها بقية الممرضات، وبدأت عملية إنعاشها من قبل الأطباء، وأخذوها للإسعاف، ثم للعناية المركزة، حيث تم وضعها على جهاز التنفس، تقول “بقيت بجانبها طوال الليل أقرأ القرآن لنجاتها، وفي الصباح تحسنت حالها، وتم رفع جهاز التنفس عنها، وأجرت الشرطة تحقيقاً في القضية”.
معاملة خاصة
أنجبت نعيمة آل عبدالعلي، 3 من أولادها في مستشفى القطيف المركزي عام 1414هـ، قبل استقالتها منه. تقول “كنت أحظى بمعاملة خاصة من جميع زملائي أثناء ولاداتي التي تمت في المستشفى، فكانوا يهتمون براحتي، وكانت غرفة الولادة تمتلئ بباقات الزهور، وأتذكر أن آخر ولادة لي كانت تحت إشراف رئيس قسم النساء والولادة في المستشفى الدكتور علي غالي”.
تختم نعيمة حديثها لـ”صُبرة” برسالة تقول فيها “أقدم جزيل شكري وامتناني لوالدي الحبيبين اللذين وقفا بجانبي في جميع الظروف، وأشكر زوجي العزيز الذي تحمل دوامي الطويل، فلولاهم ما وصلت إلى ما أنا فيه من خدمة الآخرين، وبذل الجهد والوقت لمساعدتهم”.
اقرأ أيضاً
بدأت معرفتي بالأخت الممرضة أم حسين، نعيمة آل عبد العلي منذ التحاقي بالعمل في المستشفى عام ١٤١٣هج حيث كانت رئيسة التمريض في قسم الباطنة نساء. إن القلم ليعجز حينما يكتب عن أم حسين، حيث وجدتها الممرضة النشيطة المثابرة هادئة الطبع ذات الخلق العال والإلمام المعرفي والعملي حيث أنها مثال يحتذى ولكم طلبت من زميلاتها الممرضات من الجنسيات المختلفة بأن يحذوا حذوها وأن تكون لهم القدوة وقد عاودت عطاها بعد إنقطاع واستمرت على ذات المنهج والثقة. نسأل الله لها دوام الصحة والعافية والمزيد من التوفيق والعطاء والحياة السعيدة لها ولجميع أفراد أسرتها.
سيرة كفاح وعطاء وانسانية جدا رائعة وحوار جميل عرفت الاخت ام حسين خلال مراجعتي لمركز الطب المنزلي وجدتها إنسانة في غاية التعاون والمعرفة ونصوحة
امد الله في عمرها في خير وعافية ونفع الله بها وجزاها الله خيرا على خدمتها واخلاقها واخلاصها