التاروتي والصفار سبقا “مدرستي” بـ3 سنوات في تقديم الدروس عن بُعد يخصصان 6 ساعات يومياً لتطوير مهارات الطلبة في "القدرات" و"التحصيلي".. مجاناً
القطيف: شذى المرزوق
قبل سنوات من حلول جائحة كورونا، وقبل ظهور منصة “مدرستي”، كان لمعلمين من محافظة القطيف تجربة “مميزة” في التعليم عن بُعد. تجربة قدماها “خدمة للمجتمع”، دأبا من خلالها على تخصيص 6 ساعات يومياً لإعطاء الدروس للطلبة مجاناً، بعد أن ينهيا يوم عملهما في مدرستيهما.
يعمل محمد التاروتي معلماً لمادة الكيمياء في مدرسة دار العلوم الثانوية في صفوى، فيما يعمل زميله نذير الصفار معلماً لمادة الأحياء في مدرسة القطيف النموذجية.
تجربتهما الممتدة لسنوات قد تفسر، ولو جزئياً، سر تفوق مدارس في محافظة القطيف، وحصول 12 منها (مناصفة بين البنات والبنين) على مراكز متقدمة في اختبارات القياس والتحصيلي.
في زمن الجائحة
واجه التعليم في المملكة تحديات عدة في زمن جائحة كورونا، أبرزها انقطاع أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة عن التعليم، وتوقف أكثر من 33 ألف مؤسسة تعليمية عن استقبال الطلبة. في المقابل؛ التزم معلمون ومعلمات خلق طرق لدعم الطلبة ومساعدتهم على التعلم، عبر تكييف موارد تقنية تم استثمارها في فترة الأزمة، بطريقة منسقة.
أبرز هذه الموارد كان توفير منصات تعليم رقمية لبث المحتوى التعليمي بشكل مباشر، منها دورات التحصيلي لاختبار القدرات وقياس.
ومع أن الجائحة أحدثت تغييرات كبيرة في شكل التعليم، خصوصاً في أدوار المعلمين، ليجد الطالب نفسه وولي الأمر، وحتى المنظومة التربوية في مرحلة تتعلق بأدوار واستراتيجيات جديدة.
قبل الجائحة بسنوات، اجتهد المعلمان التاروتي والصفار في تغيير طريقة التعلم التقليدية إلى أخرى تعتمد على التقنيات والوسائل المختلفة بلا مقابل، من مبدأ “مصلحة الطلبة في الدرجة الأولى”. استمرا على هذا النهج، خصوصاً في الفترة العصيبة على طرفي العملية التعليمية: الطلبة والمعلمين.
الفصل الرقمي
6 ساعات يومياً تحدى فيها المعلمان “كورونا” لإتمام رسالتهما التعليمية أمام منصة ابتكراها للتواصل مع الطلبة، وإتمام برامج الإعداد للدورات التحصيلية والدروس اليومية.
عن البدايات؛ قال المعلم نذير حبلان علي الصفار لـ”صبرة”، “قبل سنوات؛ استحدثت وزارة التعليم قناة نون أكاديمي، وأطلقت بوابة المستقبل، لبث الدروس للطلبة، إلا أن الدخول إليها لم يكن متاحاً إلا بالتسجيل، من هنا بدأت وزميلي محمد التاروتي برفع الدروس في يوتيوب، بعد تسجيلها ورفعها في قناة واحدة تحمل اسم الفصل الرقمي”.
خلال الجائحة؛ رفع الصفار والتاروتي، دروس الكيمياء التحصيلي، ومادة الكيمياء 4، ودروس العلوم للصف الثالث المتوسط على قناة في “يوتيوب”، ما شجع معلمين آخرين على الانضمام لهما، لمعرفة طريقة وعمل البث.
أرجع المعلمان اختيار “يوتيوب” إلى أسباب عدة، أهمها أن “التطبيق معروف عند غالبية الناس، وأيضاً لأن غالبية شركات الاتصالات تعطي استخداماً لا محدود لمستخدميه”.
تقنية 360 و VR
حين استحدثت وزارة التعليم منصة “مدرستي”؛ لم تكن جديدة على أولياء الأمور والطلبة الذين تعاملوا مع منصة التاروتي والصفار، فهما سبق الجائحة بحوالى 3 سنوات، حين بدأ البث الفعلي للدروس، ولقيت تجربتهما إعجاب الطلبة وأولياء الأمور.
قال الصفار “شجعنا تفاعلهم على تطوير العمل، فعملنا بث بطريقة مختلفة، وهي استخدام تقنية 360. كان الهدف منها استخدام تقنية VR في ربط الطالب المريض غير الموجود في المدرسة، إذ وضعنا كاميرا 360 على كرسي الطالب المريض الغائب، وقدمنا البث”.
اردف موضحاً “على الطالب المريض، وهو في المستشفى، أن يلبس نظارة VR، فيصبح وكأنه معنا في الفصل”.
تقدم الصفار بهذا المشروع إلى جائزة الشيخ عبدالله المطرود، وبسبب الجائحة؛ تم تأجيلها.
استقطاب الكفاءات التعليمية
الهدف الأساس من قناة الصفار والتاروتي هو “جعلها مصدراً غنياً يساهم في تطوير وتأهيل طرق التعلم الذاتي للطالب، وأبرز أهدافها كان بث الدروس لمختلف المراحل، واختيار أكفأ المعلمين لعمل ذلك”.
أشار الصفار إلى أنه تم عرض المشروع على أكثر من معلم متميز، وغالبيتهم أبدى استعداده، ولكنهم كانوا يجهلون الجوانب التقنية، وعندما جاءت الجائحة؛ أصبح الاجتماع من أجل التواصل والتدريب صعب نوعاً ما.
تبادل أدوار
من جهته، أشار المعلم محمد التاروتي، إلى مدى تفاعل الطلبة مع قناة الفصول الرقمية، وقال “مع أنها تجربة جديدة ومستحدثة؛ لكنها أخذت جهداً ووقتاً كبيراً. ورغم أن عدد المشتركين في القناة لا يتجاوز 200؛ إلا أنها لقيت نجاحاً، إذ تلقينا طلبات لإقامة دورات الإعداد للاختبارات التحصيلية، وأيضاً بث الدروس التعليمية”.
يقدم التاروتي الشرح على السبورة، فيما يوثق الصفار الحصص وشروحاتها من خلال تصوير زميله أثناء الشرح، ورفعها للبث مع المتابعة، ورصد تفاعل الطلبة، ليتمكن الجميع من الوصول للمعلومة، ما دفع عدداً كبيراً من الطلبة للتواصل مع المعلمين، لمتابعة الدورات والدروس بشكل مكثف خلال فترة الجائحة تحديداً، إذ تم تفعيل القناة بشكل أكبر، ما جعلها تحظى باهتمام ومتابعة من مكتب التعليم في محافظة القطيف، وعدد من الكادر التعليمي، عدا عن اهتمام الطلبة وأولياء الأمور.
التاروتي والتنقل بين مدارس المملكة
محمد أحمد يوسف التاروتي، 40 عاماً، ينحدر من جزيرة تاروت، حاصل على بكالوريوس تربية وتعليم، في تخصص مسار كيمياء، تخرج عام 1424هـ، وتعين في السنة التالية. عمل في مدارس عدة، فكانت البداية من ثانوية المدينة المنورة (تطبيق)، ثم متوسطة ابتدائية شغب في منطقة تبوك، تلتها متوسطة وابتدائية حويته في شقراء.
انتقل بعدها للمنطقة الشرقية معلماً في ثانوية الخليج بالدمام، وصولاً إلى متوسطة عنك، وثانوية النابية مكلفاً، وأيضاً متوسطة العوامية، فيما تم تكليفه معلماً في ثانويتي صفوى والهمداني في أم الساهك. وعمل في ابتدائية سلمان الفارسي بالقديح، حتى استقر به المقام في مدرسة دار العلوم الثانوية بصفوى، معلماً لمادة الأحياء.
مسيرة دورات التحصيلي
قال التاروتي “عملت في مجال تدريس التحصيلي، قسم الكيمياء قبل اعتماده رسمياً من الوزارة عام 1427هـ. كانت الدورات تُقام في الفنادق لنخبة من الطلبة. وفي عام 1428هـ؛ التحقت في مركز قياس القدرات، الذي كان له دوراً كبيراً في تطوير المستوى التدريبي”.
كان المركز نقطة الانطلاق الأولى، فقام بإنشاء قسم التحصيلي في المركز، والذي كان من أوائل المراكز المعتمدة وزارياً، خصوصاً أنه اعتمد تدريب الطلاب مباشرة، وأيضاً تدريبهم عن بُعد، عن طريق بطاقات اشتراك يحصل عليها الطالب، ليتدرب في المركز بعد ساعات.
عمل التاروتي أيضاً في مراكز تدريبية تابعة لجمعيات خيرية، مثل جمعية تاروت، ومركز الأمثل، ومركز المسار التعليمي، فضلاً عن تقديم دورات مجانية في المدارس التي يُدرس فيها، وبعض مدارس قطاعي القطيف والدمام.
أنشطة وتكريم
تعددت الانشطة التعليمية التي شارك بها التاروتي، إذ نشط في تقديم مبادرات متعددة، ما جعله مؤهلاً للتكريم المتكرر، نظير عمله.
وعن المبادرات، قال “قدمنا في مدرسة دار العلوم لمدة خمس سنوات، معرضاً خاصاً بمادة الكيمياء يتضمن مشاريع الطلاب، منها معارض: المنتجات، والعطور، والكيمياء في حياتنا، وإعادة التدوير”.
سبق ذلك؛ تقديم دورات في ثانوية الخليج عام 1430هـ، والمشاركة في دورة تدريبية “مقياس هبرمان” للمدرب عبدالله البيشي، وأيضاً دورات خاصة لطلاب موهبة وstem.
حصل التاروتي على تكريم من مساعد المدير العام للشؤون التعليمية في المنطقة الشرقية لقطاع الطلاب الدكتور سامي العتيبي، لمشاركته في برنامج “قدراتي”، الذي قُدم تحت إشراف المعلم المعتصم العبدالله. وكان التكريم ضمن الفصول الرقمية لدورة “تحصيلي بالمجان”، التي قدمها على “يوتيوب” في فترة الحجر.
كما حظي بتكريم آخر من مكتب التعليم في محافظة القطيف، نظير عمل طلابي تحت إشرافه العام الماضي. وقام الطلاب من خلاله بتصميم لعبة تشبه “المونوبولي” تختص بالتحصيلي لقسم الكيميHX .
المسار عامل مشترك
تخصص المسار في كلية المعلمين كان العامل المشترك الذي جمع التاروتي والصفار خلال فترة دراستهما، قبل أن يفرقهما التعيين في مدارس مختلفة، لكنهما التقيا من جديد في مركز المسار التعليمي، الخاص بتقديم الدورات التحصيلية حتى فترة الجائحة، والتي دفعت بهما لتفعيل منصة الفصل الرقمي بشكل أكبر، لبث الدروس وإقامة دورات إعداد الاختبارات التحصيلية، بلا مقابل.
نذير الصفار.. شغف تقني
لا يقل المعلم نذير حبلان علي الصفار نشاطاً عن زميله التاروتي، فالمعلم المتخصص في الأحياء، المتخرج من كلية المعلمين، تجول كذلك في عدد من مدراس المملكة، بعدما تم تعيينه عام 1424هـ معلماً في إحدى مدارس محافظة الدوادمي، انتقل بعد عامين إلى محافظة حفر الباطن.
عام 1427هـ، انتقل إلى مدينة الخبر، بقي فيها ثلاث سنوات، لينتقل للدمام، وفي 1432هـ انتقل لمدينة عنك، بقي فيها ست سنوات، ثم انتقل إلى مدرسة القطيف النموذجية، إلى اليوم.
كان للصفار اهتماماته وانشطته التي تميز بها كذلك، أبرزها التقنية، قال “بدأت الاهتمام في التقنية والبرمجة عام 1427هـ، عندما كنت في مدرسة ابن ماجد المتوسطة في الثقبة، حين صممت برنامجاً اسميته كشوف، الذي يساعد إدارة المدرسة على تنظيم كشوف أسماء الطلاب، ورصد الدرجات، وتسجيل الغياب”. ووصف برنامجه بأنه “بسيط جداً”، وتم إهداء مدير التعليم نسخة منه أثناء زيارته المدرسة آنذاك.
مشروع الفصل التقني
أما المشروع الذي يعتز به كثيراً فصممه في مدرسة عنك “كان قائد المدرسة راشد الخليوي الخالدي مهتماً كثيراً بتفعيل التقنية في المدرسة. وعندما لمس اهتمامي في هذا الجانب؛ اعطاني صلاحية عمل كل ما من شأنه تطوير المدرسة، فقمت بعمل فصل به كل ما يحتاجه الطالب للتعلم الذاتي، اسميته الفصل الرقمي. وقدمت الدروس وعملت لها اختبارات ومواد اثرائية، وكل ما يقوم به الطالب هو الجلوس على الجهاز والتفاعل مع الدرس بشكل شخصي من دون تدخل المعلم، الذي يتولى الجانب التنظيمي فقط”.
المشروع لاقى استحسان المدير السابق لمكتب التعليم في القطيف عبدالكريم العليط، إذ حضر للمدرسة تكريماً للصفار. كما تم تكريمه من المدير العام للتعليم الأسبق في المنطقة الشرقية الدكتور عبدالرحمن المديرس، بحسب ما ذكر الصفار، الذي قدم ورقة عمل حول المشروع بحضور 240 معلماً.
ووفر مدير المدرسة دعماً مالياً كبيراً جداً من الأهالي. وتم تحويل المشروع إلى “مدرسة رقمية”، ومن خلاله تم ربط الفصل في الإدارة بولي الأمر بواسطة كاميرا، بحيث يستطيع الأخير الدخول إلى الفصل، ومتابعة ابنه.