“أزمة البَيْدَرْ”.. “لا ماء في الماء” أحياء تعيش على المياه المالحة.. والأهالي يبحثون عن بدائل ويتحسبون لكلفتها "الباهظة"

القطيف: آمل سعيد، ليلى العوامي، عبدالمحسن آل عبيد، شذى المرزوق، بنين عويشير، فاطمة آل خضر

الأستاذ محمد العلي.

الأستاذ محمد العلي كتب يوماً “لا ماء في الماء”، تلك القصيدة التي منحت ديوانه اسمه. هذا العملاق شعراً، نثراً، نقداً وفكراً، كان مهموماً بالماء، فكتب “كلمات مائية” (هي أيضاً مسمى ترويسة مقالات في “اليوم”)، “درس البحر” و”البئر المستحيلة”.

ربما “هم الماء” في رحلة قلم أبي عادل، انتقل هذه الأيام إلى مدن القطيف، بلداتها، وقراها، فلسان حال كثير من سكانها يردد منذ زهاء أسبوع، منذ بدأت أزمة “البَيْدَرْ”، عنوان قصيدته “لا ماء في الماء”.

قرار قطع الماء فاجأ الكثيرين.

البديل مُكلف

رغم معرفة إبراهيم حسن آل سبت، بأن ماء “البَيْدَرْ” مقطوع منذ أيام، لكنه ذهب إلى الخزان حاملاً قربه معه، كما كان يفعل طوال 15 عاماً، ليوفر الماء لأسرته (4 أشخاص)، لكن “لا ماء في الماء”.

يقول آل سبيت “هذا الماء أساس في حياتنا، فنحن نستخدمه في الشرب والطبخ”. وكي يوفر ماءً بديلاً؛ فإن عليه أن يدفع أسبوعياً ما يراوح بين 50 إلى 80 ريالاً.

الوضع صعب

تفاجأ مقداد السليمان عند حضوره لتعبئة المياه، بانقطاعه “دون معرفة الأسباب”، بحسب قوله، مبيناً أن منزله يحتاج إلى ثلاث قرب، مبيناً أنه سيضطر للبحث عن البديل، وقد يكلفه ذلك حوالى 25 إلى 30 ريالاً.

لا يعرف جواد آل محسن، أسباب إغلاق نقاط التعبئة، يقول “إناً أقوم بالتعبئة من الأماكن المخصصة، و لا أعلم ما سبب الإيقاف الآن”.

يحتاج آل محسن إلى 6 قرب أسبوعياً، تكلف حوالى 100 ريال، لكنه يضيف “الأمر ليس متعلقا في الميزانية أو الوضع المادي، بقدر ما هو متعلق براحة المواطن، وتسهيل أموره، فالوضع صعب”.

يحمل عيسى العيد على عاتقه مسؤولية توفير المياه لخمسة أشخاص في منزله، بدأت علاقته مع ماء “البيدر” قبل أكثر من 15 سنة، حينها لم يكن الماء المُحلى الطبيعي متوفرا في المنازل.

يقول “في بادئ الأمر؛ كنت أملأ ما بين 4 إلى 5 قرب أسبوعياً، “فلقد كان استخدامه يتنوع بين الشرب والطبخ وبعض حاجيات المنزل، ولكن مع دخول الماء المُحلى اقتصر استخدام الماء البيدر على الشرب فقط، فأصحبت املأ قربتين فقط في الأسبوع”.

يضيف العيد “حالياً في الشهر الواحد، اشتري بما يقارب 200 إلى 250 ريالاً، ويعتبر هذا المبلغ  مكلفاً نوعاً ما، حيث أنه في السابق كان لا يتجاوز سعر صندوق الماء الواحد ثمانية ريالات، ولكن الآن فاق سعره 13 ريالاً، وهذا المبلغ يُعتبر مرهقاً إلى حد ما”.

خاوية بعدما كان يُستسقى منها. (عبدالمحسن آل عبيد)

مالح وضعيف

الحي الذي تسكنه عدوية علي لم تصله المياه المحلاة، تقول “الماء الذي يصلنا مالح وغير صالح للشرب والطبخ، إضافة إلى أنه ضعيف جداً”.

تضيف “نحن عائلة متوسطة الحال، وشراء الماء يشكل عبئاً إضافياً على ميزانيتنا، فنحن نستهلك 10 عبوات مياه معبأة سعة 250 مليمتراً للشرب كل أسبوعين، عدا قرب التعبئة الكبيرة التي نستخدمها للطبخ”.

تتمنى عدوية من المسؤولين “مراعاة أحوالنا، وأن يؤخذ بعين الاعتبار وجود عوائل وأسر لا طاقة لهم على دفع مبالغ إضافية لشراء المياه”.

ضغط على الميزانية

يقول عبدالله الربح “الناس هنا يعتمدون على خزان المياه، فيما مياه البيوت مالحة ولا تنفع للاستخدام، سواءً في الشرب أو الطبخ، وقد توسمنا خيراً عندما علمنا بتمديد أنابيب المياه المُحلاة إلى بيوتنا، لكن قبل أن تصل أو حتى يكتمل العمل فيها؛ تفاجأنا بخبر إقفال خزانات المياه في المنطقة كلها”.

وكحال البقية؛ يجهل الربح سبب اتخاذ قرار قطع الماء، لكنه يرى أنه “ستكون نتائجه مزيداً من الضغط على الميزانية، ولا أتصور أن بمقدور أصحاب الدخل المحدود احتمال هذه الكلف الإضافية، والتي قد تصل إلى 500 ريال شهرياً”.
في أزمة “البَيْدَرْ”؛ يستحضر عبدالله العبندي المسلسل الكويتي الشهير “ديوان السبيل”، الذي لعب بطولته الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا، وأُنتج عام 2001، ويقول معلقاً على ما نشرته “صُبرة” في تقريرها السابق “سبحان الله كأن عبدالحسين يعيش معنا”.

أزمة المياه تعصف بالأهالي. (معصومة الزاهر)

الحرمان من الماء

علي الزين يستغرب أيضاً هذا القرار، لافتاً إلى الاهتمام الرسمي بدعم المواطن وتوفير احتياجاته، وعدم الضغط عليه في معيشته، مُستدركاً بالقول “إن ما نراه اليوم من وزارة البيئة والمياه والزراعة بخلاف ذلك تماماً”، مخاطياً الوزارة “أين أنتم؛ يتم إغلاق خزانات المياه لأمور تجارية واضحة؟”.

يضيف الزين “يستفيد الناس من هذه المياه منذ أكثر من 30 سنة، وتأتون باجتهاد شخصي وتحرمون المواطن حتى من شرب الماء”، موجهاً رسالته “لأصحاب القرار بأن يوصلوا صوت المواطن بكل مصداقية لولاة الأمر”.

نقاط التوزيع كانت توفر المياه للمواطن والمقيم.

“صوت المواطن”

ويدعو يونس، الوزارة إلى إعادة فتح نقاط الماء، داعياً إلى الطلب من الوزير عبر بوابة “صوت المواطن”، “تخفيف العبء المادي والبيئي على الناس، من استهلاك العبوات الجاهزة، خصوصاً أن المياه المُحلاة لا تصل إلى غالبية منازل القطيف قبل خلطها بالمياه الجوفية”.

وكتب علي “منذ جاءت الشركة الوطنية للمياه؛ وصلت الفواتير إلى مبالغ خيالية، والآن جاء الدور على قطع المياه المُحلاة عن المواطن والمقيم الضعيف”، مطالباً بـ”فتح خزانات المياه من جديد أمامهما”.

ويشير أبو محمد في تعليقه إلى أن بعض القرى والبلدات والأحياء “لا توجد فيها مياه مُحلاة، مثل: المناخ، الخامسة والمنح، وللأسف أيضاً نُحاسب بتعرفة أو تسعيرة المياه المُحلاة”.

وتقاسمه الرأي “أم محمد”، التي كتبت “فليوصلوا شبكة مياه مُحلاة لجميع المناطق، وبعد ذلك ليلغوا نقاط التوزيع المجانية”.

تعرفة معقولة

يعتبر جعفر عبادي، القرار “خطوة غير جيدة وغير مدروسة”، متمنياً “إعادة النظر في القرار، وعودة الماء بشكل منظم، واستيفاء تعرفة معقولة”، لكنه في الوقت نفسه يستدرك “واقع الحال؛ أن كثيراً من الناس استغل الأمر، وأصبحوا يهدرون كميات كبيرة من الماء من دون أي اكتراث، ولو خاطبتهم؛ فربما يصل الأمر إلى عراك، ناهيك عن غسل السيارات من كثير من الشباب، وكلها مناظر غير حضارية”.

في السياق نفسه، يقول حسين آل خميس “في الآونة الأخيرة؛ قل استخدام الناس لهذه المياه، وأصبح أكثر المستخدمين لها من العمال الأجانب، وبعض الشباب يستخدمه لغسل السيارات”.

ويلقي باللوم على “الجهة المسؤولة عن المكان لعدم اهتمامها في نظافته، مما جعل الناس تعزف عن تعبئة الماء منه، والسبب الآخر كثرة انتشار شركات الماء”، لكنه يستدرك “سيؤدي قطع الماء إلى ارتفاع الأسعار نوعاً ما”.

نقطة توزيع المياه في أم الساهك.

مشقة وبهدلة

ويشير فاضل حسين، إلى أن الحصول على الماء أصبح فيه “مشقة وبهدلة”، لافتاً إلى أن أصحاب السيارات التي توصل الماء “يكلمك من طرف خشمه. الله يستر من الآتي”، متسائلاً “الشركة الوطنية للمياه إلى أين تسير؟”.

ويشاركه الرأي علي أبو حسين، بأن قرار إغلاق نقاط تعبئة المياه المُحلاة سيكون “عبئاً” على جميع سكان المنطقة، متمنياً “إعادة النظر فيه”.

حق للجميع

وكتبت “أم البنين” أنه “في كل الدول الفقيرة والمتطورة والخليجية المُجاورة؛ لاحظت وجود ماء مجاني في الشارع لمن يعطش وليس لديه المال، ولأن الماء مُباح وحق للجميع؛ لذا أرجعوه وطوروه أيضاً، وضعوا حنفيات جديدة، ومظلات تحترم المواطن والمقيم”.

ويرى حسن آل عبادي، أن القرار “سيتضرر منه الكثير من ذوي الدخل المحدود، الذين اعتمدوا مياه البَيْدَرْ مصدراً للشرب، والأسعار ستكون عبئاً جديداً على كاهل المواطنين، وستأخذ جزءاً ليس يسيراً من ميزانيتنا، ربما 450 ريالاً أو أكثر ستخصص للمياه شهرياً”.

البعض أساء استخدام مياه البيدر.

طبخ وشرب

يقول علي مهدي آل اعويشير “أنا ممن يحتاجون إلى هذا الماء، فأنا على قد حالي، وأحتاجه للطبخ، وأطفالي يشربون منه”، لافتاً إلى أن هذا القرار سيؤثر في ميزانيته “حتى لو كان المبلغ 200 ريال شهرياً؛ ففي هذا ضرر كبير علينا”.

يستخدم حسن آل خميس، ماء “البَيْدَرْ” منذ سنوات للطبخ والشرب، يقول “تفاجأت حين ذهابي إلى النقطة الأحد الماضي، بانقطاع الماء، كنت اعتقد بأنها مشكلة وسُتُحل، ولكنني تفاجأت بخبر انقطاعه التام للأسف”.

توقيت حرج

حين لم يجد آل خميس الماء؛ اشترى علبة كبيرة (4 غالون) بسعر 6 ريالات، وقال “هذا يؤثر في الميزانية، لأننا سنستهلك تقريبا 6 علب أو أكثر في الشهر، وهذا سيكلف تقريباً 36 ريالاً أو أكثر”.

لا يقتصر استهلاك فضل حسن الفضل من الماء على “البَيْدَرْ”، فهو يشتري أيضاً، عبوات مياه، يقول “كان الماء يكلفني شهرياً حوالى 250 ريالاً، ومع اعتمادي على المياه المعبأة؛ فمن المؤكد أن ذلك سيؤثر على ميزانيتي، خصوصاً مع ارتفاع غالبية السلع الاستهلاكية”.

الأهالي يأملون في إعادة النظر في قرار قطع مياه البيدر.

مشكلة بيئية

ولعل حسين أحمد يكرر ما قاله الآخرون، بقوله “إغلاق المحطة سبب لنا متاعب، منها ازدياد المصاريف، كما أصبحنا مضطرين لشراء الماء بشكل مستمر بدل تعبئته في قوارير فارغة، كذلك كان عدد القوارير الذي كنا نقوم بتعبئتها أكثر من الذي نشتريه، وأيضاً القوارير التي نستخدمها ونرميها تسبب تلوثاً للبيئة، فهي مصنوعة من البلاستيك الذي لا يتحلل”.

ويشعر علي السليمان بالأسى “لثلاثة عقود؛ كنا نعيش في نعيم المياه المُحلاة، وهذا من حق الإنسان”، معتبراً إغلاق مياه “البَيْدَرْ” “من أسوأ القرارات”.

يقول “إن أسعار تعبئة المياه تتفاوت بين 7 إلى 14 ريالاً، وهذا يؤثر في الميزانية، وتأثيره سيكون أكبر على المدى البعيد”.

قصة جديدة.. مصاريف جديدة

ويطالب عبدالله مهدي، بعودة المياه، “فهناك من لا يستطيعون شراء المياه من البقالات التي استغلت الوضع ورفعت أسعار المياه”.

كذلك يعتبر عبدالله الحيبه، القرار “خطوة غير جيّدة وغير مدروسة”، متمنياً “إعادة النظر فيه”، يقول “لا أعرف ما الهدف من هذا القرار، ولكنه سيضر بجميع الأهالي، فمن الآن يجب علينا وضع ميزانية شهرية للماء، ويكفي ما يُعانيه المواطن من غلاء المعيشة والضرائب وغيرها.. والآن ظهرت قصة جديدة: الماء صار بفلوس”.

قطع المياه أدى إلى ارتفاع الأسعار في السوق.

البحث عن بدائل

فاطمة الخميس، التي تسكن حي التركيا في جزيرة تاروت، تستخدم سائقها لتعبئة الماء من مركز التعبئة في المجيدية، تقول “نحن 7 أشخاص نعيش في المنزل؛ أنا وأولادي، وزوجي متوفى منذ حوالى 7 سنوات، ونجلب الماء كل 10 أيام، بمعدل 6 قِرب، مقاس الواحدة براد الماء”.

وفي حال توقف هذه النقطة عن توفير الماء؛ ستكون الخميس مضطرة لشراء خزان وتعبئته، تضيف “هو لن يكون غالياً، ولكن لن يكون مثل الماء الذي يأتينا من النقطة. ولن يؤثر ذلك على ميزانيتي، فما سمعته من جاراتي أنه لا يكلف 100 ريال شهرياً. لكن أتوقع أننا لن نشرب منه، إذ سيكون للطبخ والاستحمام فقط، وإذا لزم الأمر لسقي الحديقة. وسنتعامل مع شركة ماء بالاشتراك السنوي، وقيمته كما عرفت 600 ريال”.

‫2 تعليقات

  1. نظرا لقرار اغلاق نقاط تعبئة المياه المحلاة في المنطقة
    ارجو التوجه الى وزارة المياه بالضغط والمطالبة باعادة فتحها من خلال بوابة صوت المواطن المربوطة بوزير المياه مباشرتا في الرابط ادناه
    لتخفيف العبئ المادي والبيئي على الناس من استهلاك العبوات الجاهزة خصوص وان المياه المحلاة لا تصل لاغلب منازل القطيف دون خلط مع المياه الجوفية
    ارجوا الشكوى مع اعادة الارسال لمن يهمه الامر

    https://www.mewa.gov.sa/ar/eServices/Pages/%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86.aspx

  2. تابعت المقال الى آخره وتوقعت انكم وفقتم في الحصول على رد من قبل احد مسئولي الشركة وتعليق على سبب قطع هذه الخدمة التي كانت متوفرة من عقود في جميع بلدات المحافظة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×