أمجد المحسن يعود إلى 200 سنة ماضية.. ويرسم شخصية رحمة بن جابر.. شعراً 54 بيتاً تغازل "مآلاتُ ملْحِ الأعصُرِ المُتقادِمَه".. وتحتفي بـ "ملح البحر"
القطيف: حبيب محمود
بعد قرنين من مقتله في حادثة تاريخية ملتبسة في البحر؛ يُطل رحمة بن جابر الجلاهمة؛ في مطولة شعر كتبها الشاعر أمجد المحسن، ونشرها اليوم في وسائل التواصل. المطولة المكوّنة من 54 بيت شعر؛ تحاول رسم بورتريه شعري للشخصية التاريخية التي حامت حولها روايات متضاربة، وصنّفها بعض المؤرخين بأنها تنتمي إلى قراصنة الخليج العربي في زمانها، في حين يُدافع عنها آخرون واصفين الجلاهمة بأنه زعيم لم ينل رضا المستعمرين البريطانيين؛ فسعوا إلى تشويه سمعته.
لكنّ الشاعر المحسن؛ يستوقف الشخصية التاريخية برؤية شاعرٍ، لا توصيف مؤرخ، ويشرّح ملامحها على طريقته، مثيراً أسئلة ملتبسة ـ بدورها ـ حول شخصية الجلاهمة.
المحسن قال لـ “صُبرة” إن اختياره هذه الشخصية بالذات؛ هو كون رحمة بن جابر “جزءاً من تاريخنا.. من سيرة الخليج”. وفي العامين الأخيرين؛ أظهر المحسن ـ وهو خرّيج تاريخ ـ اهتماماً شعرياً بشخصيات تاريخية خليجية، وسبق أن كتب في أبي البحر الشاعر جعفر الخطي في مرور 400 سنة على وفاته، والشيخ علي البلادي في الذكرى الـ 100.
ـ وحين سألته “صُبرة”: ما هي قصتك مع المئويات؟
# لا شيء…. مصادفات لا اكثر..
ـ وهل عليك أن تجغرف وتؤرخ الشعر لهذا السبب؟ ام لديك محرض آخر؟
# لا تاريخ في الشعر.. انما شعر، ظل البشر ومفردات المكان..
ـ لكنك قد تُرمى بكونك مدّاحاً متوسلاً التاريخ والجغرافيا؟
# فليذهب الى شعري الآخر إذا أراد.. غد الهوية لا تاريخها هدفي.. والناس وحدهم التاريخ والهدف
ـ ومن الشخصية الجديدة الآتية في شعرك؟
# سرا بين صديقين او للنشر؟
ـ ان قلت سراً سيبقى سراً. وإن للنشر سأنشر.
# دعها بيني وبينك…. وسأنشرها عندك ان قبلت.. القصيدة [الآتية] عن ……..
ـ هذا سر
# نعم وهي جاهزة… قل لي متى يناسب وسأبعثها لك..
وللنشر ماذا اكتب؟ هل هناك قائمة “ممدوحين” في الطريق الى القصائد؟
# لا..
ـ إذن؟
# لا ضرورة للاشارة الى هذا…
ـ حسناً.. والطبع والنشر.. ما الذي في الطري..؟
# كتاب قادم… ارجو ان ينشر قريبا…
ـ هو؟
فليكن كتابا قادما وكفى.
لا أنْجَرَ للغطروشة
مئتا سنة على رحمة بن جابر الجلهمي
1242-1442
أمجد المحسن
وموجَةِ بحرٍ في ثيابِ زفافها،
كتسبيحةٍ في آخرِ الليلِ ناعِمَه
.
تتبَّعتُها من أوَّلِ الشّوطِ، وانتهَتْ
إلَيَّ .. كعُشّ الطَّيرِ آوَى حمائِمَه
.
تعالَي إلى حِضني، فإنَّ قصيدةً
لأجلِكِ عندي، والقريحةُ غارِمَه..!
.
أهذا هو البحرُ الذي في نُقوشِهِ
مآلاتُ ملْحِ الأعصُرِ المُتقادِمَه ؟!
.
تأمَّلتُها تلكَ الزَّرابيَّ ما انطوتْ
ولا بُسِطَتْ.. إلا لتجلو رقائِمَه..!
.
زخارِفُ رَثَّ الدَّهرُ وهي جديدةٌ،
كأنْ ردَّها نسجُ البوارِحِ سالِمَه..!
.
ألا أيُّها البحرُ الذي ليسَ مثلُهُ
لِمثليَ بحرٌ، إنَّ رُوحيَ هائِمَه
.
صَحبناكَ يا هذا الخليجَ، اختبَرتَنا
طويلاً، وكنَّا لابنِ بحرٍ تراجِمَه
.
خَطَطْنا لهُ أسماءَهُ وصِفاتِهِ،
وخِطْنا لهُ قاموسَهُ ومعاجِمَه
.
أقولُ لشِعري: كيفَ شُكرُكَ جُودَهُ،
ولولا خليجٌ لم تقُمْ لكَ قائِمَه
.
وحَقَّ لمثلي أن يضمَّ هواءَهُ،
فإنَّ لقومي عصْفَهُ أو نسائِمَه
.
أحدِّثُه عنِّي، يُحدِّثني، كأنْ
طلاسِمُ في طَيِّ الأحاديثِ ساهِمَه
.
وأصدُقُهُ الرُّؤيا، لأنَّ بِقاعِهِ
عظاماً لأسلافي هنالِكَ نائِمَهْ
.
هنا حيثُ آبائي يُربُّونَ وقتَهُمْ
على نَصَبٍ، والمستحيلاتُ باسِمَه
.
مثاقيلُ مِن نثرِ اللآلي ووزنها،
إلى طاسةِ الطّوّاشِ يُحصِي غنائِمَه
.
ونحنُ سَبَرناهُ لأوَّلِ صرخةٍ،
ونحنُ عقَدنا بالأغاني تمائِمَهْ
.
خليجِيَ هذا من شواطي مُسنْدَمٍ،
إلى حيثُ روَّى البحرُ من سِيفِ كاظِمَهْ
.
وما لي أنا بالسندبادِ، وإنَّ لي
نواخِذةً، لا تُشترَى، ومعالِمَه
.
أساطيرُ في عرضِ المحيطِ وطولِهِ،
شُهودُ حكاياتٍ حَبَكْنَ ملاحِمَه
.
مسارُ أساطيلٍ، ومُلْفَى بيارِقٍ،
ومسرَحُ غاياتِ القُوى المتخاصِمَهْ
.
وكم أدمِرالٍ سارَقَ البحرَ لونَهُ،
وراكمَ في مِلكِ المحارِ جماجِمَه
.
فإنْ تَقرإ التاريخَ نقرَ غُرابةٍ،
فَلَمْ تَظْلِمِ التاريخَ، نفسُكَ ظالِمَه
.
تكُنْ مثلَ مَن لم يحسِن العوْمَ، دهرَهُ،
وأوسَعَ بحراً، لا يُبالي، شتائِمَه..!
.
ولا شيءَ مثل البحر يُرجعُني إلى
مداري .. إلى أكوانيَ المتناغِمَه
.
كما شرَّعتْ للبرِّ فُلكٌ ثقيلةٌ،
ونادى منادي النّاسِ: ها هيَ قادِمَه
.
أجيءُ إليهِ أنزلُ العِبءَ عندَهُ،
كما يجد المقطوعُ في البيدِ حاتِمَه
.
ولمّا جَلا هَمِّي طريقُ رحيمةٍ،
عطفتُ القوافي نحو شيخِ الجلاهِمَه..!
.
كأنِّي بهِ في رأسِ تنُّورةٍ وقدْ
ترامَى بهِ الحادي .. وألقى عزائِمَه
.
ومَن لم يثِقْ في البَرِّ أصبحَ قبرُهُ
هو البحرَ في أمواجِهِ المتلاطِمه
.
وراكبِ بحرٍ آخِذٍ من صِفاتِهِ،
وتعرفُهُا من رُوحهِ المتعاظِمَه
.
ولا أرضَ إلا فُلْكُهُ وشراعهُ،
ولا سقْفَ إلا غيمةٌ غيرُ دائِمَه
.
عليهِ علاماتُ الحِرابِ فصيحةٌ،
فرادَةُ ذئبٍ ليسَ يُخفي علائِمَه
.
توشَّحَ أختامَ الوقائعِ، لم يزلْ
يُدشِّنُ مِن كُرَّاسَةِ الهَولِ خاتِمَه..!
.
إذا قيلَ: صِفْهُ، أسرَعَ الوصفُ: “عينُهُ “،
فيالَكِ عيناً في الفوارِقِ حاسِمَه
.
كأنَّ اختلافاً عصمةٌ من تماثُلٍ،
مزيَّةُ مَن لا يُشبِهُ النَّاسَ عاصِمَه..!
.
يقولُ: الليالي دُرنَ بي مثلما الرَّحى،
وكاثَرْنَني دافَعْنَني غيرَ حاشِمَه
.
ولم ألْقِ بالاً لابن أنثى يلومُني،
وليسَ بحُرٍّ من أطاعَ لوائِمَه
.
أيا دهرُ أَوْلِمْ ما تشاء فإنّ لي،
وربِّكَ، رُوحاً لاختباركَ طاعِمَه
.
على أيِّ حالٍ كنتَهُ يا بن جابرٍ،
فهل كنتَ صنوَ البحرِ حتَّى تُزاحِمَه؟
.
ومثلُكَ لو مسَّ الثّباتَ وقوفُهُ..
تَمايدَ، لا يبغي سِوى الأرضِ عائِمه
.
فما “خورُ حسَّانٍ “بأمرِكَ عالِمٌ،
وما “قلعةُ الدَّمامِ” عنكَ بعالِمَه
.
كأنَّكَ مولودٌ من الموجِ، لم تُرِحْ
لإسكلَةٍ .. حتى تُعاوِدَ جاحِمَه..
.
ذرعتَ بهِ أحلافَهُ وعُهودَهُ،
مطاريشَهُ يومَ الوغَى وقواسِمَه،
.
وسايَفْتَ فيه الموتَ شرقاً ومغرِباً،
وطابقْتَهمْ عُربانَهُ وأعاجِمَه
.
ولم تتخيَّرْ غيرَ نفسِكَ وحدها،
تخيَّرتَها غُطروشةً واسمُها سِمَه..!
.
وما هيَ أخبارُ العَبيدِ ؟، تهرَّأَتْ
عظامُهُمُ في رحمةٍ غيرِ راحِمَه
.
أهذا صحيحٌ؟ أم تُرى إذْ تأسْطرَتْ
حكاياكَ.. زادوا بِلَّةَ الطِّينِ قاصِمَه؟!
.
أبا بشرٍ، المهرُ الذي طالما شكى
جموحَكَ.. خان الدَّهرُ فيكَ قوادِمَه
.
وما “دَيرةُ “الربَّانِ دونَ بصيرةٍ ؟،
وما ينفعُ الدربيلُ والعينُ غائِمَه ؟!
.
و” قصرُكَ من ساجٍ “، تقولُ، وربَّما
أطاحَتْ بهِ ريحٌ وهدَّتْ دعائمَه
.
تحدِّقُ عينُ الرِّيحِ في حدِّ جُوشِهِ،
تجاوزتَها…لكنْ لدهياءَ هادِمَه..!
.
ولم يبقَ للشيخِ العجوزِ سوى الذي
سيبقى لفتَّالٍ يفُلُّ هزائِمَه!
.
أأسطورةَ البرِّينِ، لستُ بمادحٍ،
ولا أنا هاجٍ، فالرواياتُ حاكِمَه
.
وحسبي بأنِّي أرقُبُ البحرَ ما وشَتْ
به الرِّيحُ، أو خَطَّ الزَّمانُ نمائِمَه..