احترم طقوس الآخرين.. يحترموك
الشيخ علي الفرج
“لماذا لا يعرف الناس المذهب الحقّ مع أنّ الحقّ جلي وأوضح من الشمس!!”.
تساؤل سمعته من أحد المسؤولين في البقيع، ونحن نزور قبور الأئمة (ع)، وخطر ببالي – كأغلب الناس الذين يخطر ببالهم-: في اعتقادنا نحن أنّ الحقّ جلي وأوضح من الشمس.
لكنّني بعد عودتي إلى مقرّ سكني، فكرت تفكيراً جدّياً، وبالتأمل في بعض آيات القرآن الكريم اكتشفت قاعدة قرآنية عظيمة، هي قوله تعالى: (كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ)، ومعناها: أنّ الله لما خلق جميع البشر أودع في نفوسهم سمة الإعجاب لدرجة اليقين التام بأنّ أعمالهم هي الصواب المطلق، وما عداها من أعمال يقوم بها غيرهم باطلة وغير مقبولة.
وهذه الحال تنطبق على كلّ بقعة في جميع أنحاء العالم، سواء كانت الفرقة أو الجماعة شيعة أو سنة أو زيدية أو إباضية، وغيرها من المذاهب، بل تتسع الدائرة لتشمل جميع الديانات من مسيحية أو يهودية أو زرادشتية، وغير ذلك من ديانات ومذاهب.
وعودة إلى النص الكامل للآية الشريفة: (ولَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)) أي احترموا جميع البشر بما يأتون به من طقوس، وبما يقدّسونه من رموز؛ لأنّنا إن استهزأنا برموزهم ومقدّساتهم، ردوا علينا الصاع صاعين استهزاءً وهجوماً عنيفاً، إن لم يصل بهم الأمر إلى التعدّي على الذات المقدّسة، كما هو صريح الآية.
وقد جاء في صحيحة أبي بصير نقلاً عن الإمام الباقر عليه السلام: إِنَّ رَجُلًا مِنْ تَمِیمٍ أَتَى النَّبِیَّ ص فَقَالَ أَوْصِنِی فَکَانَ فِیمَا أَوْصَاهُ أَنْ قَالَ لَا تَسُبُّوا النَّاسَ فَتَکْسِبُوا الْعَدَاوَةَ لَهُمْ.
إنّ التنبيه على مسألة احترام رموز الآخر ومقدّساته أمر مهم وضروري، وحتى يكون لهذا الأمر استجابة من عموم الناس، لا يكفي أن يتصدّى له كاتب، مثل كاتب هذا المقال، أو غيره ممن لديهم حظوة ومكانة في مجتمعهم، بل ينبغي أن يصدر من جهات أعلى، كمراجع الدين في فتواهم، وقد أفتى بعضهم بوجوب احترام المذهب الآخر، وليتهم كثّفوا الفتاوى ووسعوا نطاق احترام الديانات، وهذه فتاوى ثلاث ندرجها هنا نموذجاً لمواقف علماء الشيعة تجاه رموز أهل السنة ومقدّساتهم، وفقاً لشبكة تقريب (http:/www.taghribnews.com/ar/report)
– السيد علي السيستاني: سبّ الصحابة مستنكر ومدان ويخالف ما أمر به أهل البيت عليهم السلام.
– الشيخ مكارم شيرازي: لا يجوز شرعاً توجيه أيّ إهانات لمقدسات الآخرين.
– الشيخ وحيد خراساني: يجب ألا نعادي أتباع المذاهب الأخرى، يجب ألا نسيء إلى مقدساتهم، ولا يجوز لعن وسبّ رموزهم؛ لأنّ هذا يؤدي إلى ابتعادهم عن أهل البيت ومعارفهم.
ونرجع للقاعدة القرآنية الحسّاسة فهي من الأمور الواجبة وجوباً شرعياً على احترام الرموز؛ لأنّ عبارات هذه الآية دالة على حرمة سب رموز المذهب الآخر لقوله: (ولَا تَسُبُّوا..).
ويخطر في البال أيضاً هذا التساؤل: هل يكفي الانبهار والإعجاب بخطٍّ أو بمذهب أو بديانة لوجود بعض الكرامات وأشباهها، هل هذا دليل على صحة هذا الاعتقاد؟.
هذا غير كافٍ عند الله، إذ لم يوجد دليل واضح ومبرهن على صحة الاعتقاد ووجود الكرامة، وذلك لوجود الكرامات لجميع الديانات، فتسمع في القنوات – وأقصد كلّهم – مثلاً: أنّ شخصاً مات وبعد سنوات فتح قبره فرأى أهل القرية جسده طرياً.. هل هذا يبرهن صحة هذا المذهب؟! فلو صح أن يكون دليلاً عند الله، لصحت جميع الديانات، وإنّما الكرامة تحدث لصفاء قلب الإنسان، بأيّ مذهب كان يتعبّد.
وخلاصة الكلام، أنّ الآية الشريفة: (كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ)، توضح أنّ أغلب البشر يقطعون أو يطمئنون بصحة اعتقاداتهم، كما تقطع أنت أيّها القارئ، بصحة اعتقاداتك، فلست مميّزاً عن غيرك بحيث تعطي لنفسك الحقّ في ذم وشتم رموز الآخر، وفي الوقت نفسه لا تقبل منه الإساءة لرموزك، فالواجب إذاً أن تحبّ للآخر ما تحبّه لنفسك، فاحترم الآخرين، يحترموك.
[وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ]
وهكذا [كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهِمْ فَرِحُونَ]…