[2 من 3] دفاعاً عن الحق لا عن الرئيس الفرنسي: هل الغرب والإسلام في منافسة..؟

جهاد الخنيزي

في المضمر هناك أكثر مما في الظاهر وهذا ما يستدعي أن نسأل إلى أي درجة مثل خطاب ماكرون مواجهة جديدة مع الإسلام، وهل وصلت الرسالة إلى الأزهر والجماهير المسلمة استعدادا لمواجهة أوسع لن تقتصر على فرنسا. والمعادلة هكذا (الإسلام والغرب) في منافسة ـ ولن أقول صراعا وحربا ـ باعتبارهما مجالين مختلفين معرفيا وسياسيا وتقنيا وحقوقيا. وليست ذريعة الإسلاموية إلا وصولا للإسلام نفسه.

في الخلفية الذهنية هناك من قرأ خطاب ماكرون هكذا من قبل جماهير ومثقفين وسياسيين ولدينا تصريح من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصف ماكرون بالمستعمر. وهو اتهام خطير جدا في العرف السياسي.

نتوقع أن نراه يتصرف كرئيس دولة وليس كحاكم استعماري“.

ويسير في ركب الاعتقاد أنه يقصد الإسلام تصريح مجمع البحوث الإسلامية الأزهري

اتهم الإسلام اتهامات باطلة لا علاقة لها بصحيح الدين الذي تدعو شريعته للسماحة والسلام بين جميع البشر حتى من لا يؤمنون به“.

هل علينا أن نستشهد مرة أخرى بكلمات شيخ الأزهر التي تسير في نفس السياق والتي تتأسى على مسعاه لـ “تعزيز قيم المواطنة والتعايش مع حكماء الغرب” وكأنها تضيع في خطاب ماكرون الانحيازي ضد الإسلام.

إن التدشين لمشروع المنافسة بين دولة الإسلام غير المحددة إلا في الدين والجمهورية اللائكية العلمانية يأخذنا إلى استشعار أن الذهنية العامة ساكنة بمشروع التأويلات الخاطئة من الجانبين، والاستثارة المهيئة ثقافيا وسياسيا. وأن من استخدم الإسلاميين في التحولات ـ غربيا أو شرقيا ـ مازال يريدهم في مشروعه ومن انتهى منهم عليه أن يتخلص من تبعاتهم الثقيلة. وبحسب (مارلين لوبان) زعيمة اليمين الفرنسي

يجب أن نكون قادرين على تسمية ما علينا التصدي له. إن لم يكن بإمكاننا تحديد خصمنا فإننا لن يمكننا مقاومته. رئيس الجمهورية تحلى بالشجاعة الكافية للحديث عن الأصولية الإسلامية فمن المؤسف أن يتراجع بعد عدة ساعات“.

ومازالت إشكالية هل المقصود الإسلام أم الإسلاموية؛ جدلية بحسب منطق مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر

إلصاق التهم الزائفة بالإسلام أو يراه من الأديان كالانفصالية والانعزالية هو خلط معيب”

ليست إذا أخطاء خطابية من الطرفين بل انكشافا لعودة أجواء المنافسة في الدين والجمهورية اللائكية عبر جر الكلام إلى دائرة أوسع لعل من أسباب اشعالها افتخار ماكرون بمحاربته لدولة الخلافة وداعش والتطرف الإسلامي في دول أفريقية فوسع فضاء عمل الجمهورية في أرض الإسلام فثبت التهمة بخلق حالة عداء تنافسي سيجره إلى مواجهة مشروع الانعزالية والانفصالية والرمزيات الدينية المناقضة لمبادئ الجمهورية.

لا شك بأن نوعي الخطاب ينمان عن أزمة موجودة بين ضفتين جغرافيتين ثقافيتين متنافستين تاريخيا.

إحداهما: مسيحية علمانية ذات تراث يوناني روماني أنجزت نظاما سياسيا منذ القرن السادس عشر يفصل الدين عن الدولة بطريقة ما ويمجد العلم والعقل والإنسان وله نجاحات علمية وفلسفية عميقة ومتنوعة.

والثانية:

والثانية: ضفة الديانات والحضارات ونبوغ أوائل التمدن والعلم والفلسفة والحركات الفكرية التي توجت بدين (الإسلام) يملك تراثا متنوعا بين العقلانية والنصوصية السطحية، وتتبعه جماهير كبيرة ويحتل رقعة جغرافيا مهمة جدا. وهو على الاستعداد للنهوض حين يتحرر من القيود السياسية التي تكبله.

 

ومسألة الدولة الإسلامية أو الجماعات الإسلاموية مرتبط بطبيعة الدولة في كل ضفة أيضا، فإذا كان الغرب قد أنجز الحيادية العلمانية فإن الإسلام مازال مصرا على أنه دين ودولة معا ولا تنافي بين الاثنين رغم أن هذا التلازم نشأ من معضلة في التأويلات السياسية للسلطة منذ بواكير نشوء الفرق الإسلامية سواء في نمط السقيفة السياسي أو التجارب في دولة الخلافة الراشدة، ثم في الملك ونظرية الشرعية التي يحكم بها الحاكم التي اختلطت كثيرا بين نماذج الحكم باسم الله أو باسم النخبة (أهل الحل والعقد) أو باسم الأمة (الاجماع).

وهناك خلط واسع في الخطاب الإسلامي بين الدولة والسلطة فالدولة شأن إنساني أما السلطة فللإسلام رأي فيها بثها في نصوصه من حيث أسس عملها، وغاياتها، وأخلاقياتها.

هذا الخلاف حول دين الدولة، وحدود المسموح والممنوع في تدخل الفكر الديني في الدولة والمجتمع يثير الضفتين بطريقتين مختلفتين وتعتبر ضفة الإسلام التدخل في الخصوصية الإسلامية للمسلمين تدخلا في الإسلام، والمطالبة بإسلام فرنسي اتهام لجوهر الإسلام العالمي الذي لا يتحدد مع أننا نعلم بأن أغلب الدول الإسلامية تحكم بالمذهب الإسلامي وليس بالإسلام فقط.

أنتج هذا المخيال المنافسة وتخلى من قبل ماكرون عن اللائكية ـ ولو مؤقتا ـ حين بشر بأن الإسلام يعيش أزمة في كل دول العالم سيحلها سلطويا ليحمي الجمهورية واللائكية من تأثير الجماعات الإنعزالية الإسلاموية.

والأزهر فهم هذه المنافسة سريعا بحسب الخلفيات التأويلية كما ذكرنا في الحلقة الأولى وجاء الرد

تصرحات عنصرية تؤجج مشاعر ملياري مسلم ممن يتبعون هذا الدين الحنيف“ـ بيان مجمع البحوث الإسلامية في الأزهرـ

وهذه بلا شك تصريحات افتخارية (مليارين ودين حنيف) وتنافسية ضد لائكية الجمهورية الفرنسية التي استصغرها ماكرون بدون وعي حين جعلها فاشلة أمام فئة إسلاموية صغيرة تعيش في أحياء فقيرة، صورها على أنها تهدد دولة كبيرة ذات تاريخ سياسي عميق وصاحبة (فيتو) في مجلس الأمن.

وبطريقته في الخطاب لم ينتبه مرة ثانية إلى أن مقدار تدخل فرنسا في الإسلام ولو بعنوان الإسلاموية يوازي في الإثارة عند المسلمين مقدار تدخل الإسلام في المسيحية في المشرق عند الغرب. أن طرح مشروع إسلام معلمن بحسب مبادئ الجمهورية واللائكية ترعاه الجمهورية في التعليم ويدرس اللغة العربية والثقافة الإسلامية بمراقبة من السلطات المحلية أو الدولة ولا يحوي أي خصائص طائفية/ دينية هو ضد الحرية الدينية وضد مبدأ اللائكية الذي لا يتدخل في الدين لا أن ينظم الدين.

وفي الواقع يوصلنا مشروع ماكرون إلى وضع شبيه بالمذهب الإسلامي الفرنسي على طريقة الفرق في الإسلام والمسيحية. وماكرون سيحميه ـ بحسب ادعاءاته ـ من التدخلات الخارجية لحكومات ومؤسسات إسلامية تتبعها يظهر فيها تأثير الإسلام التركي والجاليات المغاربية والإفريقية المسلمة. ومما يثبت صحة دعواه المواقف المضادة له في البرامج النقاشية على المحطات الفضائية، والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تفتخر أن الإسلام ينتشر في أوروبا وفي جمهوريته وتتهجم على اللائكية العلمانية.

إذن نحن أمام واجهة لصراع بين الغرب والإسلام يبدو فيه الغرب علمانيا وحقوقيا للإنسان ومأزوما جمهوريا ولائكيا مع فئة إسلاموية مدعومة خارجيا، ويبدو فيه المسلمون مأزومين حين تنتقد التيارات المنتسبة لهم فيعممون التهمة للإسلام. ويتحول الغرب في نظرها إلى انقلابي لا حضاري، وتحريضي لا يتسق مع ما يدعو له الإسلام من تعايش إنساني.

هل يجعلنا هذا النقد والنقد الآخر هائجين أو مستوعبين لما نحن عليه من ضعف وعيوب. إذا قلنا نعم للاحتمال الثاني فنحن في الواقع نسير خطوة إيجابية نحو وعي ما نريد أن نكونه وأكثر قدرة على محاورة الغرب وماكرون معا والانتقال من المنافسة إلى تثاقف عميق. وإذا كنا مجرد هائجين كما الحالة العامة فهذا يدل على أن معالجاتنا لمسألة الغرب والإسلام ستبقى إشكالية معقدة ثقافيا وسياسيا ومعرفيا وفلسفيا بل وأجناسيا في الحالات التي ينظر كل منهما إلى الآخر بتعالي حضاري.

اقرأ الحلقة السابقة

[1 من 3] دفاعا عن الحق لا عن الرئيس الفرنسي

تعليق واحد

  1. مع الاسف ، المقال لا يرقى الى مستوى مفكر اسلامي.
    لم اود ان ينحاز الكاتب الى تفكير علماوي ليبراوي ، ولا تمجيدا للغرب المسيحي.
    فدولة فرنسا أباحت تقريبا كل شيء على وجه الارض ما عدى حرية المسلمین ، والحقد الصهيوصليبي.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×