شعراء القطيف المتشابهون…!

حبيب محمود

في تجربة بحثية منشورة منذ قرابة ثلاثة عقود؛ جمعتُ أكثر من خمسين اسماً من شعراء القطيف، أنتجوا أدبهم بين عامي 1370 و1410هـ. وقد اطلع المرحوم محمد سعيد المسلم على التجربة وكتب لها مقدّمة لم يُسعفني الوقت لإلحاقها بالنشر، وما زالت موجودة عندي بخط يده، رحمه الله.

وخلاصة رأي الأستاذ المسلم هي التركيز على “الكم”. إن 50 شاعراً في 40 سنة يُشير إلى الكثير من التساؤل حول “النوع”، والمستوى..!

كنتُ شابّاً في أوائل العشرين، متحمّساً، مقتنعاً بثراء القطيف ثقافياً وأدبيّاً، بل وكنتُ منافحاً عمّا يُغايرُ ذلك من رأي. وذلك طبيعيٌّ جداً في تفكير شابٍّ هاله تكاثر الشعراء، إلى حدّ وصل إلى تعليق متفكّه للصديق عبدالله عبدالمحسن على كثرة الشعراء في مسقط رأسي، فقد قال لي: في القديح، ادخل بيتاً، واترك بيتاً؛ فحتماً ستجد شاعراً بين كلّ بيت وبيت..!

الآن؛ وبعد العقود الثلاثة، يمكن جمع أكثر من 500 اسم في القطيف. ليس من الذكور فحسب، كما فعلتُ وفعل، قبلي، محمد سعيد المسلم والشيخ علي المرهون وعبدالعلي السيف؛ بل ومن الإناث كذلك. الألفية الجديدة منحت منصّات بلا حدود ولا أسقف لمواهبَ كانت محاصرة بالإعلام الورقي وصعوبات دور النشر، في العالم كله، ونحن جزء من هذا العالم.

وهذا يُشير إلى أن الوفرة “الكمّية” تراكمت بفعل الانتعاش المستمر في حيويته إزاء الشعر في مجتمع القطيف الشاعر بفطرته. القطيف خصبة ومُنتجة، ومفرّخة للمواهب. إلا أنها ليست مربّية ناجحة..!

التربية الثقافية الناجحة لا تنحصر في إتاحة المنصّات، وتسهيل النشر، والاحتفاء بالإنتاج. هذه وسائل وطرق يعبُرها الجميع، الموهوبون والأخداج، الناجزون والمتطفّلون، وكلٌّ منهم قادرٌ على الحصول على “اللقب” من محيطه الاجتماعيّ الذي يظنّ أن “النشر” امتحانٌ صارم لشاعرية الشاعر.

وفي بيئة كهذه؛ يختلط الاجتماعي بالثقافيّ، وينبهر الناس بـ “عدد” الدواوين المطبوعة لفردٍ، أو لزخم حضوره في المنابر المعتادة، أو بأخبار الفوز في مسابقات، حتى وإن كانت هزيلة، أو مؤدلجة..!

التربية الثقافية في حاجة إلى “نقد” نوعي يواجه الإبداع ويُصارحه. وما عندنا ـ في القطيف تحديداً ـ ليس أكثر من كتابات “تقريظ” يخاف كتّابها من ردة فعل الشاعر. وهذا الأخير؛ لا يُريد من الناقد إلا أن يكون “حلّاقاً” بلا مرآة. ونتيجة هذا كله؛ هو تشابه التجارب وتراكم التقليد على التقليد، والإصرار على الاستعراضات “الشكلانية” المُضحك بعضها. أليس في “موضة” القوافي المقيّدة إشارة إلى أن مهمة بعض الشعراء “الفنية” هي إثبات الإمكانية الصوتية في نهايات القصائد..؟!

هذا النوع من الهوس الصوتي؛ لا يدلّ على أكثر من وجود تنميط “شكلاني” لا يواجه نقداً، ولن يواجه نقداً من أحد. وعلى هذا النموذج تنسحب أشكال كثيرة من التناسخ والتناسل “الفني” الذي يكاد يخوي من جدارة التجربة الإبداعية، بتحوّله إلى نمط التشابه.

قد يكون لدينا 500 اسماً، رجالاً ونساءً. ولكن هل لدينا 5 شعراء يمكننا وضعهم على منصّة تمثلنا في محيطنا العربي بوصفهم ذوي تجارب خارجة على السائد المكرور..؟

إنني أتساءل..!

‫3 تعليقات

  1. تساؤل جميل أستاذ حبيب
    وهل بعض اليساريين و اللادينيين الذين ينهقون هم غير مؤدلجين؟
    تساؤلك يبعث على العجب العجاب..
    ولكن يظل تساؤلا مشروعًا.

    فنيًّا شعراء القطيف تناطح سحاب المبدعين في العالم العربي وليس على مستوى وطننا الغالي ومملكتنا الحبيبة التي تضج بالإبداع في مدنها ومحافظاتها وإن اختلفت كثافة الإبداع ونوعه،
    فالمسابقات الأدبية التي أنت تستنقص من شأنها يحكمها أساتذة نقد و شعراء معروفون على مستوى الأبحاث الأكاديمية والجامعات.. وتشرف عليها مؤسسات عريقة،
    وهذا مؤشر على تميز وفرادة ولا أقل فلنقل حضور النص الشعري القطيفي في تلك المحافل، وليست تلك فقط بل حتى مساعي منتدايتنا في البلد سمعت – وأنت أعلم – أنهم يُشركون فيها مختصين أكاديميين و أساتذة جامعيين بل بعضهم بمرتبة برفسور في التخصص النقدي حتى يحكموا فعالياتهم. وتفوز القصيدة القطيفية، و لأنهم يسيرون وفق منهج وبنود وبطريقة علمية؛ يُقدم هناك الشاعر القطيفي الذي أنت تريد تأخيره جزافًا.
    ثم أنت بشخطة قلم وبمقال أبتر غير كافٍ ولا شافٍ تريد أن تهدم تلك الأمجاد- لو لم تكن الحبيب المثقف لما تركت ذكر كتابتك هذه من الثكل هههه –
    وعموما ذكر لي غير شاعر أن حركة النقد عندنا في المنطقة غير مضارعة لمستوى النصوص كميًّا ونوعيًّا،

    ثم نحن في الواقع لا نعرف نقاد في القطيف يحتفون بمنجز أهليهم، بل هناك أحد النقاد وليس خافيا على المهتمين شغله الشاغل محاولة تسخيف وتقزيم منتج أهله العمالقة الضخام في القطيف.. و للأمانة، لستَ ببعيد عن منهجه يا أستاذ حبيب إلا أن خطابك أكثر وعيا وتأدبا ويمكن الأخذ والرد منه، على عكس بقرة نقد ذلك الذي فقع لونها وأصبح هو وبقرته أو عجله ذو الخوار الذي يحسبه نقدا محلا للتندر في مجالس المثقفين.

    أنا اتفق معك أن ٥٠٠ اسمٍ (ولا تنصب تمميز العدد بعد المئة يا أستاذ؛ فأنت تتصيد أخطاء الآخرين الإملائية) ليسوا كلهم في مستوى واحد، لكن أين من يبين الطبقات ولو على نحو ما فعل ابن سلام الجمحي؟؟
    أو أين من يوازن بين شاعرين كالآمدي مثلا؟؟
    أو إذا كنت وجماعة النقد متتطورين شيئا ما فانظروا كيف احتفى إحسان عباس وصلاح فضل وجابر عصفور والغذامي وغيرهم ممن تناول منهجا نقديا حديثا وجعل عينته نصوص شعراء معاصرين.
    بل حتى هجوماتك وهجوم ذلك الناقد (أبو خوار النقد)
    خجولة ولا تكاد تبين.. يعني جهدك قبل 20عامًا في الجمع والتوثيق للشعراء في مرحلة ما أفضل منه الآن حتى بعد أن نضجت إلى حد أنك تكاد تصدر فتيا نقدية صادرة من ناحية صبرة المقدسة، وهذا سبق لم نجده عند أحد غيركم.
    ختاما
    أدعوك – أستاذ حبيب وكل العاملين في الحقل النقدي- للجد والاجتهاد وإنتاج رؤية متكاملة منصفة وموضوعية تؤسس حركة نقد واعية تعطي شيئا من الحكم الواقعي، ؤأؤكد على لفظ شيء من الحكم الواقعي لأنني عندما أطالع دراسات أدبية رصينة مكتوبة بمنهجية علمية، أجد في نتائجها عدم اليقين بل هو ما توصل إليه الباحث، ولربما جاء باحث آخر وبمنهجية أخرى يصل إلى نتيجة مغايرة.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×