البحاري تودّع صديق “بنات العافية” وقائد فريق “التسجين” آل مغيص يترك عدته الزراعية ويترجل عن 75 سنة

القطيف: صُبرة
عاش ملتصقاً بالأرض والنخيل؛ ومات صديقاً لهما. ولشدّة ولعه بها كان يبكي في أسابيع مرضه الأخيرة، لأنه صار عاجزاً عن حمل عدته ومخالطة شركائه في خدمة الناس.
وصبيحة اليوم؛ كان خبر وفاته مصدر حزن في وسط فلّاحي القطيف المحليين الذين عرفوا “الحاج عبدالرسول” فلّاحاً أباً عن جد، أمضى أكثر من 7 عقود في سَيحة مسقط رأسه، بلدة البحاري بمحافظة القطيف، وشهد تحوّلاتها السريعة.
اسمه الرسمي عبدالله محمد حسين مغيص، وقد نشرت الزميلة “القطيف اليوم” نبأ وفاته ضمن خدماتها اليومية في نشر أسماء الموتى في المحافظة. لكنّ أثر رحيله اتّضح بسرعة، بين عارفيه الذين تعوّدوا أعمالاً تطوّعية صامتة، منه ومن فريق من الشبّان والكهول، خدموا مجتمعهم بهدوء.
فلاح من قرية
ليس من كبار القوم، ولا من مشاهيرهم، ولا من طبقة المثقفين. بل هو إنسان بسيطٌ جداً، وعفويٌّ كما هو حال “نخالوة” القطيف المتصالحين مع الأرض والإنسان. وعاش على رأس فريق من نظرائه؛ منذ أكثر من 50 سنة، متطوّعاً في تسجين النخيل، وتوفير جذوعها لمقابر القطيف، بل والمبادرة إلى حفر القبور بلا مقابل.
قد لا تبدو مثل هذه الأعمال ذات بال، لكنّ الدور الصامت الذي أداه آل مغيص وقرابة 40 متطوعاً من بلدة البحاري يعني الكثير للناس، حتى وإن لم يشعر به أحداً، حتى وإن ابتعد عن ضجيج “متطوعي الإعلام”.
من العامْلة
“عبدالرسول”.. “أبو نعمة”.. قال عنه رفيقه وابن مسقط رأسه شفيق العلي إنه “بكى قبل أسابيع، حين عرف أننا بدأ أعمال التسجين السنوية، وأسف لأن المرض أقعده عن المشاركة”. عانى الراحل من السرطان، ولم يُكتشف إلا متأخراً، وخضع للعلاج في مستشفى الملك فهد التخصصي طيلة 3 أشهر متتابعة، وصبيحة اليوم غيّبه الموت.
عاش الراحل حياة الفلاّحين المحليين منذ نشأته، لكنه التحق بوظيفة حكومية في مستودعات فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة، إلى جانب ممارسته الفلاحة، ضمن ما يُعرف ـ في القطيف ـ بـ “العامْلة”. و “العامْلة” فلاحون محترفون يُنجزون أعمالاً زراعية تركز على النخيل ومواسمها، مثل ما يُعرف بـ “الترويس”، وتجهيز النخيل للتلقيح، وكذلك “التنبيت” و “التحدير” و “الصرام”. وفضلاً عن ذلك؛ هناك ما يُعرف بـ “التسجين”..!
التسجين
تعن الكلمة إسقاط النخلة المسنّة وتقسيم جذعها إلى جذوع اصغر. والجذوع الصغيرة لا تُستخدم حالياً إلا في أسقف القبور وشواهدها. في الزمن السابق كانت تُستخدم ضمن مواد البناء. أعمال “التسجين” تطوعية، ولها عدة خاصة تُسمّى “العافية وبناتها”، وهي تتكون من فأس وقطع خشبية أُخرى تُستخدم في فلق الجذوع بدقة وحرفية.
الحاج عبدالرسول يقود فريقاً من المتطوعين في التسجين منذ سنوات طويلة. ويقول شفيق العلي إن أصغر متطوع في سن الـ 15. وهو يعمل معه منذ أن كان في سن الـ 13.
استمر الراحل في العمل حتى أجبره المرض العضال على التوقف، فيما استمرّ الفريق في العمل، وصبيحة اليوم وُضعت الخاتمة الحزينة لحياة فلاّح عاش للأرض.

من أرشيف الفوتوغرافي محمد الخراري:

من أرشيف فتحي عاشور:

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×