[4] سارية وطن.. السيد حسن العوامي وسيرة في العمل الاجتماعي [18] بستان السيحة وسمر في الذاكرة
السيد حسن السيد باقر العوامي
سارية وطن
موالاة للحلقة سابقة
كلمته في حقل تكريمه الأول
عرضنا – في ما مضى من الحلقات – شيئًا من نشاطاته العديدة – وخطاباته التي كان يوجهها لبعض فئات المجتمع، المهتمين بالشأن العام، وبالأخص ما يتَّصل بقضايا البلد واحتياجاته؛ ولأن البلد الذي أحبَّه وخدَمه حدَّ التضحية؛ سخيٌّ بطبعه، سجيته ردُّ الجميل، وخِيمُه تقدير الأبدال؛ أبى إلا أن يكافئه قدر الممكن، ويردَّ له بعضَ ما أخذ منه، فانبرى بعض أبنائه النبلاء، في ديوانية القطيف برعاية راعيها المهندس الأستاذ عباس ابن الحاج رضي الشماسي – فأقاموا له حفل تكريم في مزرعة الوجيه الأستاذ جمال ابن الحاج عبد الله البيات بتاروت، في 28 رمضان عام 1429هــ 28 سبتمبر 2008م.
في تلك الليلة عاش وطنه ليلة من أبهج ليالي القطيف، ليلة تليق بقامته، ويستأهلها كعبه الشامخ، ومن الصور المعروضة هنا للحفل، والشخصيات المحتشدة فيه كمًّا ونوعًا؛ تتجلَّى قيمته، ومقامُه، ومكانته في نفوس مواطنيه، يشهد بذلك من حضر الحفل، أو شاهد صور الحشد الفخم الذي غصت به الصالة.
في هذا الحفل البهيج ألقى كلمةً رحَّب فيها بالمحتفلين، وعرض شيئًا من سيرته، فمن الخير أن يكون هو النموذج الثاني من خطاباته الكثيرة التي وعدت بعرض نماذجَ منها، ولأهمية الخطاب وكثرة المحطات فيه سوف أقاطعه في كثير من مفاصلها:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم – أيها الأحبة – ورحمة الله وبركاته، مباركٌ لكم هذا الشهر الفضيل ولياليه المباركة التي احتوت ليلةَ القدر، أسأله تعالى قبول الأعمال والغفران، إنه رؤوف سميع الدعاء.
يقتضي الواجب الإنسانيُّ والوطني والأخوي أن أشكركم أجمعين؛ لما تكلفتم من مشقة الحضور، وأشكر شكرًا جزيلاً، أعضاء الديوانية، الذين ألزموني بالتكريم، وإن كنت لا أستحسنه؛ لأن العملَ الوطنيَّ الاجتماعي ضريبةٌ على كل فردٍ قادر عليه.
بدأتُ النزول إلى الميدان عام 1368هـ، وأذكر إحدى بواكير العمل خطاب عن المرحوم حاج علي القصاب من أهالي تاروت وجماعة معه، لما منعوا – في رأس تنورة – والثقبة والظهران من الذبح بأنفسهم، وقيل لهم: إن عليهم استئجارَ مسلم باعتبار كونهم غيرَ مسلمين. واستمر العمل الوطني للمطالبة بالمستشفيات والمدارس والطرق والزراعة والحقوق وغيرِها، حتى كنا نطالب بفرق الإطفاء وعلامات المرور، وقد تجمَّعت لديَّ ملفات لكل وزارة ومؤسسة ابتداءً من الملك، فوليِّ العهد، مرورًا بالوزارات إلى إمارة المنطقة، وقد أخذها بعض الإخوة لتصويرها وحفظت في مكان، واستجد غيرها بمعاودة المطالب.
مرت القطيف بأدوار أربعة من الرجال حينما بدأتُ العمل الوطني، ودخلوا الساحة، من الدور الأول يجيء الدور الثاني، وبنهايته يأتي الدور الثالث.
وللحرص على العمل كتبنا تعهدًا بالمواصلة عليه، ويتضمن العمل كتابة الخطابات، والمضابط، والبرقيات، والوفود للاجتماع بالمسؤولين، ومواصلة ذلك. وبالنسبة لي بالإضافة للعمل العام والعمل للأفراد من كتابة مسودَّات الكتب لشؤونهم وشكاواهم، وكتابة لوائح الاعتراض على الأحكام، فثمة جانب آخر من العمل الوطني – الديني – الاجتماعي، ويضم لفيفًا من الشباب المؤمن. وقد واجهنا صعوبات كثيرة من البعض، ونُسبت إلينا اتهامات، وأُوذينا كثيرًا، ولكن ذلك هان في سبيل العقيدة، وتثقيف الناشئة. ويتمثل هذا العمل في إقامة الاحتفالات الدينية لاسيما في مناسبة مواليد الأئمة (عليهم السلام).
تطوير الاحتفالات
أشرت في القسم (3) من الحلقة إلى ظروف وموجبات تكوينه لهذا اللفيف، أما عن الصعوبات، فأجد لها أسبابًا موضوعية، فمجتمعنا – آنذاك – معتاد على الاحتفال بالمناسبات الدينية على طريقته التقليدية، وهي أن يجلس إمَّا مُلاَّ يعرض السيرة النبوية، أو قارئ يعرف بـ(قاري النسخة)، فيقرأ قصة وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) أو وفاة أحد الأئمة من أبنائه (عليهم السلام)، وهي سير معروفة مألوفة لديه، ولا شيء غير ذلك. أللهم إلا مناسبات قليلة متباعدة أقيمت فيها احتفالات خطابية في ذكرى أربعينية بعض الشخصيات العلمية والاجتماعية الكبيرة كحفل الزعيم العلامة الشيخ علي بن حسن علي الخنيزي (أبو عبد الكريم)، عام 1362هـ، وذكرى العلامة الشيخ علي بن حسن الخنيزي (أبو حسن)، عام 1363هـ، والعلامة السيد ماجد العوامي عام 1367هـ، وذكرى أربعين الزعيم الوطني علي بن حسن أبو السعود، وأضرابهم، وأما من يحضرون تلك الاحتفالات، فكانوا – غالبًا -طبقة العلماء والأدباء والمثقفين وإن ضمت غيرهم، فقليل لا يعتد به.
تلك كانت صورة الوضع العام في الزمن الذي لملم السيد فيه ثلته، ولذا فوجئ المجتمع بنقلة لم يعهدها، فالملاَّ المتربع على المنبر، وقارئ النسخة الجالس القرفصاء استُبدلا بخطباءَ عِدَّة يتعاقبون على منصة، يتحدثون حديثًا غير مألوف، وشعرًا جديدًا “طرﮔـيّ”، ويخوضون في السياسة: محمد رضي الشماسي (رحمه الله) يتحدث عن (الجانب الاشتراكي في حياة الإمام علي “عليه السلام”)، وعدنان العوامي يهاجم اعتادوا أن يسمعوها لكن من الراديو أو التلفزيون، لا من الحسينيات([1]).
والحقيقة أن المعارضة والنقد لم تأت من الأميين، ولا من الناس العاديين، وإنما من طبقة الشيوخ والأعيان، أولئك هم الذين كان لهم الدور في سد الحسينيات أمام تلك الثلة فبدأ (طردها)، من قبل وكلاء الحسينيات في القلعة بلفظ الاعتذار الأخف وقعًا على النفس، ثم تبعتها الضواحي، فلم يكن أمامها إلا القرى، وإذ لا خيار مع الإصرار كُلِّف الفقير لله، كاتب السطور بالبحث عن مايكروفون يعمل بالبطارية السائلة، فالقرى -حتى ذلك التاريخ – لم تصلها الكهرباء، فقاده البحث إلى بلدية الخبر حيث المربِّي الأديب الأستاذ عبد الله أحمد الشباط (رحمه الله)، آنذاك كان يعمل نائبًا لرئيس بلدية الخبر، لم يبخل عليه بالمايكروفون، بل قام بنفسه وحمله بسيارته الخاصة إلى مستودع البلدة، وأخرج الجهاز ورفيقة حياته (البطاريته)، ومع أنه لم يكن له سابق معرفة به، فإنه بثَّ إليه شكاته من حرمانه من جريدته (الخليج العربي). استغرقت الرحلة من محطة السيارات بالقطيف إلى الخبر عبر الطريق الترابي المار بعنك وسيهات والدمام، فالظهران حتى الخبر من شروق الشمس صباحًا، وحتى بعد العشاء، ولو أن ذهابه لإحضار الجهاز سبق موعد الحفل بيوم لما أمكن الاستفادة منه، لكن ما يُثلج الصدر أن الحفل نجح، وكسب محضر المايكرفون صديقًا من أنبل من عرف، وهو أبو منذر الأستاذ الشباط (رحمه الله) ([2]).
>ومن العمل الاجتماعي الحضاري البنَّاء قمنا – مع بعض الإخوة – بفتح مدرسة ليلية للأولاد ونهارية للبنات، وتعهدنا خطيًّا بتغطية رواتب المدرسات وشؤون المدرسة.
وكل النفقات لكل ما قمنا به من العمل بكافة أنواعه، فهو علينا حتى نفقات الوفود وأجور الفنادق وسواها، ومع آخرين قمنا بفتح مكتبة عامة بعد المطالبة بها والحصول على الموافقة<.
المدرسة الليلية، كانت فصولاً ليلية في مقرِّ المدرسة نفسها، المعروفة بمدرسة البحر، هذا يفهم مما دونه أخوه السيد علي في حديثه عن لجنة تشجيع الطلاب التي كونوها في تلك المدرسة، يقول: >كما أن أعضاءها قاموا بفتح مدرسة ليلية لتعليم الكبار في المدرسة نفسها، وكان رئيس اللجنة هو حسن بن صالح الجشي (رحمه الله)، ومن أعضائها الشاعر المعروف عبد الله ابن الشيخ علي الجشي، والشاعر المؤرخ محمد سعيد المسلم، وكاتب هذه السطور، وغيرهم. وبعد ثلاث سنوات، وبعد أن ثبَّتت المدرسة أقدامها، وتقبَّلها المجتمع، ولظروف خاصة حُلَّت هذه اللجنة<([3]).
وأما مدرسة البنات، فيوردها السيد علي بتفصيل أوسع فيقول: >لم تُفتَح مدارس للبنات في القطيف إلا في عام 1382هـ، وكانت بهجة [ابنته] مع مجموعة من بنات القطيف من أترابها يدرُسْن في مدرسة خاصة فتحها مجموعة من الآباء الشباب من أجل تعليم بناتهم، بعد أن لم يستجب للطلب الذي تقدم به الأهالي بفتح مدرسة للبنات، ولتعليم البنات في القطيف قصة طريفة يجدر بنا أن نستعرض، هنا، ملخصها.
قبيل اتخاذ الحكومة السعودية قرارًا بفتح مدارس للبنات في المملكة بسنتين؛ رفع مجموعة من المواطنين طلبًا للملك سعود (رحمه الله) بفتح مدرسة للبنات في القطيف، وبعد رفع الطلب بفترة قصيرة استدعت شرطة القطيف الأشخاص الموقعين على الطلب، أبلغتهم ما وردها بشأن طلبهم فتح المدرسة.
وبعدها كتبوا خطابًا مطوَّلا للملك يشرحون فيه الفوائد التي تعود على المرأة، والمجتمع، إذا ما تعلمت، وأوضحوا العلم فريضة، واستشهدوا بالحديث الشريف: {طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة}، وبعثوا بالخطاب للملك، إلا أن هذا الخطاب لم يأت عليه أيُّ رد، وعلى أثر ذلك قام بعض الشباب، الآباء، واستأجروا مكانًا، واتفقوا مع بعض الأساتذة، غير السعوديين، الذين يُدَرِّسون في مدارس الأولاد على أن تقوم زوجاتهم بتدريس البنات، وهكذا فُتِحَت في القطيف أول مدرسة أهلية للبنات، وكان في طليعة المؤسسين، الملتزمين بالصرف على هذه المدرسة من الشباب، هم: المرحوم حسن صالح الجشي، وسيد علي العوامي، وسيد حسن العوامي، ومحمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، والمرحوم عبد الواحد حسن الشيخ علي الخنيزي، وغيرهم، لا أذكر، الآن، أسماءهم، وبعدها بسنتين صدر قرار من قِبَل الأمير فيصل، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، يومذاك، بفتح مدارس للبنات في المملكة، وافتُتِحت أول مدرسة للبنات في الدمام والخبر، ولم تُفتَح في القطيف، وعُيِّن شخص اسمه علي الصقير مندوبًا لرئاسة تعليم البنات بالمنطقة الشرقية، ومقرُّه الدمام، وقام أهل القطيف بالإبراق لفيصل يطلبون فتح مدرسة للبنات بالقطيف موضحين أنهم كانوا أوَّل من طالب بذلك قبل أن تقوم الدولة بفتح مدارس للبنات، وجاءهم الرد بأنه ستُفتَح مدرسة في القطيف في السنة الدراسية القادمة.
ولقد كان لموقف مندوب تعليم البنات الأستاذ علي الصقير المؤيد والمساند، مشكورًا، لطلب أهل القطيف الأثر المباشر في التعجيل بفتح مدرسة للبنات في القطيف، وهكذا فُتِحَت أول مدرسة للبنات في القطيف عام 1382هـ، وكانت نواتها المدرسة الأهلية التي أسسها أهالي القطيف واستلمتها منهم الرئاسة [العامة لتعليم البنات] ([4])<.
أما مقر مدرسة البنات هذه فكان في حسينية آل العوامي، ثم نقلت إلى حسينية آل الخنيزي، المعروفة بحسينية الزريب، وحين ضاقت عن استيعاب الطالبات استؤجر لها مبنى يملكه الحاج مهدي بن محفوظ القطري، يقع في الركن الجنوبي الشرقي من حي البستان، مقابل دروازة (بوابة) باب الشمال، وهو المبنى الذي ضمت فيه الدولة المدرسة إليها.
>وقمنا بتأسيس لجنة تشجيع الطلاب تتكفل بشؤون المعوِزين من ألبسة وحاجات مدرسية<.
لجنة تشجيع هذه يحدثنا عنها بتفصيل أكثر أخوه السيد علي فيقول:
> في عام 1367هـ، 1948م، فتحت الدولة أوَّل مدرسة ابتدائية بالقطيف للبنين، وكان الإقبال عليها ضعيفًا، وكان عدد كبير ممن التحق بها قد تجاوز سنَّ التعليم الابتدائي؛ إذ كانت أعمارهم تتراوح بين 12 – 16 عامًا، ولكنهم قُبلوا في الدراسة فيها تشجيعًا لغيرهم، ورأى الشباب أن يقوموا بخطوة تدفع الأطفال – ولاسيما أبناء الفقراء – إلى الإقبال على الالتحاق بالمدرسة، فكوَّنوا لجنة أسموها (لجنة تشجيع الطلاب)، وغرَضُها واضح من اسمها، وهو تشجيع الأطفال الصغار على الالتحاق بالمدرسة، والاستمرار في الدراسة، وقد قامت اللجنة بجمع التبرعات، كما صار أعضاؤها يدفعون اشتراكات شهرية، وقامت بتزويد الطلاب بما يحتاجون إليه من دفاتر، وأوراق, وأقلام, وكتب، كما أنها زودت الطلاب، الفقراء، بملابس جديدة، وكانت تقوم بذلك في أول العام الدراسي، وفي الأعياد.
ولقد نجحت الفكرة، وزاد عدد التلاميذ ازديادًا ملحوظًا، واشتد الإقبال على المدرسة، وصارت اللجنة تتعاون مع إدارة المدرسة في بحث مشاكل المدرسة، وحاجاتها، بعد أن حصلت على تصريح، بذلك، من إدارة التعليم بالدمام، وكان لتشجيع مدير التعليم بالمنطقة، آنذاك، الشيخ عبد العزيز التركي([5]) (S) أثره الفعال في إنجاح اللجنة؛ إذ أصدر أوامره لإدارة المدرسة بوجوب التعاون مع اللجنة، وانتداب اثنين من أعضاء هيئة التدريس لحضور جلسات اللجنة عندما تكون جلسات اللجنة مخصصة لبحث مواضيع تتعلق بالمدرسة والطلاب. وأصبحت اللجنة، وكأنها مجلس إدارة للمدرسة، وكان الأستاذ عبد الله أحمد شباط – الكاتب والأديب المعروف – أحد اثنين كانا يحضران جلسات إدارة اللجنة؛ لأنه، يومها، كان مدرِّسًا بهذه المدرسة. كما قامت اللجنة – بالاشتراك مع إدارة المدرسة – بالإعداد والإشراف على تمثيل المسرحيات، ومن جملة المسرحيات التي مثَّلها الطلاب مسرحية (وامعتصماه)، وقد حضرها أمير المنطقة، يومذاك، عبد المحسن بن جلوي، وبعض مدراء وأساتذة المدارس الأخرى من غير القطيف، ونجحت المسرحية نجاحًا باهرًا.
وقد قام بالتمثيل فيها كبار السن من الطلبة، واشترك معهم بعض صغار السن من ذوي المواهب الأذكياء، واستمرت اللجنة لمدة ثلاث سنوات، ثم حُلَّت من قبل الحكومة بسبب منافسة آخرين كوَّنوا لجنة أخرى لمنافسة اللجنة في قصة طويلة، ومؤسفة لا داعي لذكرها، وحُلَّت اللُّجنتان ولكن (لجنة تشجيع الطلاب) استطاعت – رغم قصر عمرها – أن تغرس في المجتمع – ولاسيما بين الطبقات الفقيرة – فكرة وجوب التحاق كل طفل بالمدرسة؛ إحساسًا بفائدة التعليم<.
من الذين مثلوا – كما يذكر المهندس الأستاذ زكي عباس الخنيزي – السيد جعفر الدعلوج، وعبد الرزاق اليوشع، وإن لم تخني الذاكرة عبدالعزيز أبو السعود أيضًا.
اﭼـيادٍ لك باطز اعيوني
مثل قطيفي يقال في هذه المناسبات، ومعناه مكايدة لك سوف أسمل عيني.لجنة تشجيع الطلاب هذه أسسها نخبة من الشباب الطموحين، وهؤلاء لم تكن آراؤهم ولا نشاطاتهم مقبولة لدى الأعيان والوجهاء الشيوخ، فضلاً عن أن تكون موضع ترحيب، من هنا تنبهت في الشيوخ غريزة تنازع البقاء، فأسسوا جمعية أخرى (ضرارًا) أسموها (المؤسسة الخيرية)([6]).
>وقمنا بتأسيس الجمعية التعاونية متعددة الأغراض.
وتأسيس نادي التآلف الرياضي بعدما خرج مجموعة من نادي البدر.
وقمنا بفتح مجلس الحي الذي تحوَّل إلى مركز الخدمة الاجتماعية<.
لأبي زكي كل العذر إن عرض له عارضٌ من نسيان، أو تشوَّشت ذاكرته بعض الشيء، فإن ما ازدحم به كاهلاه من أعباء الوطن وهمومه وقضاياه لتنوء به العُصبة، بله الفرد، فمجلس الحي الذي عناه، ولم يشكَّل في مركز الخدمة غيره، ليس هو مركز الخدمة، وإنما هو مجلس أهلي ينتخب أعضاؤه من الأحياء المشمولة بخدمات المركز، لكل حي عضو يمثله، ويقوم بدراسة أحوال المستفيدين من خدماته، وتقدير المعونة التي يستحقها طالبها، ولأن مركز الخدمة ومجلس الحي كان لهما دور هام وحيوي في تنمية الأحياء التي خدماها، فإنهما يستحقان أن أبسط الحديث عنهما بإسهاب، دون خشية، أو حرجٍ من كشف أسماء المشاركين فيهما.
في عام 1382هـ 1962م، افتتح في القطيف مركزٌ حكومي سُمِّيَ (مركز الخدمة الاجتماعية)، أبدِل اسمه – فيما بعد – بمركز التنمية الاجتماعية، وهو مركز تسهم في تمويله وإدارته وَزارات ثلاث هي:
وزارة الصحة، وتختص بتنفيذ البرامج الصحية، ولها مندوب يمثَّلها في تنفيذ تلك البرامج، وميزانية مقررة للإنفاق عليها.
وزارة المعارف (التعليم حاليًّا)، وهي تحتضن البرامج التعليمية والثقافية، ولها مندوب يمثلها وميزانية لتنفيذ برامجها.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، (وزارة الموارد البشرية والتمنية الاجتماعية حالياً) وهذه تتولى البرامج الاجتماعية، إضافة إلى الإدارة وإلى احتضانها برامج الوَزارتين الأخريين؛ ولأن مهام المركز تستهدف تنمية المجتمع اجتماعيًّا، وصحيًّا، وثقافيًّا، فلا غنى لها عن إشراك الأهالي في إدارة المركز وتنفيذ برامجه؛ لذلك شُكِّل – في المركز – مجلسٌ سُمِّي (مجلسَ الحي)، وهو هيئة أهليَّة مؤلفة من شخصيات اجتماعية، تتعاون مع المركز في تنفيذ مشاريعه الصحية والاجتماعية والثقافية (استبدل اسمه – فيما بعد – باللجنة الأهلية بمركز الخدمة الاجتماعية، ثم إلى لجنة التنمية الاجتماعية بمركز التنمية الاجتماعية)، وقد تعاقب على المركز عدة رؤساء أولهم عبد الحليم بوقس، حجازي من مكة المكرمة، ومحمد السعيلان (أظنه من روضة سدير)، ومحمد العصيمي (آل العصيمي يقطنون الزلفي والقصيم)، وعلي الهلال، من بلدة أم الحمام بالقطيف.
بعد فترة من تشكيل مجلس الحي؛ قام المجلس بتشكيل هيئة من الأدباء والشعراء سُمِّيت (الرابطة الأدبية)، تكونت من السادة الأساتذة:
الأستاذ الشاعر محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي.
أخوه الأديب عبد الله الشيخ علي الخنيزي (درس العلوم الدينية، فصار شيخًا، وعين قاضيًا لمحكمة الأوقاف والمواريث، بعد وفاة أخيه الشيخ عبد الحميد الخطي (رحمه الله).
الشاعر محمد سعيد أحمد الجشي (رحمه الله).
الأستاذ كمال محمد الفارس.
السيد عدنان السيد شرف العوامي (شفاه الله. يعمل مدرِّبًا في معهد التدريب الصناعي، ولم يكن يتعاطى الأدب).
الشاعر عبد الوهاب حسن المهدي (رحمه الله).
عثمان الياسين الخميس
كاتب هذه السطور.
الأخصائي الثقافي في المركز محمد الأسدي (سوري، عمله سكرتارية الرابطة)، وبعد إنهاء عقده عين مكانه عبد العزيز حسين (سعودي من الأحساء).
الأخصائي الصحي الأستاذ جعفر السويكت (شفاه الله).
تعدُّ هذه الرابطة ثالث هيئة أهلية رسمية في القطيف في العهد السعودي، على ما أعلم، فقد سبقتها لجنتان هما لجنة تشجيع الطلاب المار ذكرها، عام 1367هـ، 1948م، وهيئة رديفة سميت المؤسسة الأهلية لتشجيع الطلاب.
تنوعت نشاطات الرابطة الأدبية بين إقامة المسابقات المدرسية للطلاب، والندوات الأدبية والأمسيات الشعرية، أما المحاضرات فلم ينفذ منها سوى واحدة ألقاها الشاعر محمد سعيد الجشي في مدرسة الإمام زين العابدين.
أصدرت الرابطة مجلة أدبية، أسمتها (القطيف)، صدر العدد الأول منها في غرة رجب سنة 1385هـ، وكانت تطبع على آلة (الإستنسل)، لكنها لم تعمَّر، وكان عبد الوهاب (رحمه الله) حجر الزاوية فيها؛ فهو الذي دقق موادَّها، وصمم غلافَها بخط يده، وحمل غلافها التعريف التالي: (صحيفة دورية، تصدر عن الرابطة الثقافية بمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف – المملكة العربية السعودية)، كذلك أعدت لائحة تنظيمية لمشروع ناد ثقافي انتهى العلم بها عند رفعها إلى الوزارة.
بعد فترة من تكوينها أجريت انتخابات لتحديد المهام والمسؤوليات الإدارية، ففاز الشاعر محمد سعيد الجشي بمركز الرئيس، والأستاذ محمد سعيد الخنزي بمركز نائب الرئيس، والأستاذ كمال محمد صالح الفارس بمركز السكرتير، لكن هذا النتيجة لم ترق لبعضهم فرفضوها، وأشغلوها بالمكاتبات، إلى أن جُمد نشاطها.
أعيد تشكيل اللجنة الأهلية بعد ذلك، لكني لا أذكر عنها شيئًا إلا نشاطها منذ تاريخ التحاقي بها حوالي سنة 1397أو 1398هـ، في تلك الفترة كانت رئيسها الأستاذ محمد سعيد الشيخ محمد علي الخنيزي (أبي فؤاد، رحمه الله)، ونائبه الأستاذ حسن الحاج علي السنان، مدير الأحوال المدنية، والسكرتير الأستاذ سعيد سلمان العبد الهادي الحبيب، مدير مدرسة، والمحاسب الحاج عبد الحميد أحمد الناجي، موظف في الجوازات، واستقال وعمل تاجرًا، وأمين الصندوق الأديب مهدي محمد السويدان (رحمه الله) موظف في بريد القطيف، وأصبح مديره فيما بعد، والأخصائي الثقافي الأستاذ علوي ابن السيد باقر الخباز، والأخصائي الصحي هو الشاعر والمؤرخ الأستاذ سعود عبد الكريم الفرج. في هذه اللجنة أسند لي مركز رئيس اللجنة الثقافية، وبعد خروج الأستاذ حسن السنان أضيف لي مركز نائب الرئيس، هذه الدورة كانت ميزانية اللجنة أفضل بكثير من السابقة، وهذا ما مكنها من إنجازات كبيرة منها مشروع تحسين المساكن، فأزالت العشش والصنادق في منطقة خدماتها في ضواحي القطيف، وكانت تقيم معرضين للكتاب كل عام، بالإضافة إلى إقامة المسابقات بين الطلاب، وكان في مبنى المركز الخدمة مركز صحي، وحصلت اللجنة على موافقة بأن يخصص لها ريع رسم الختان ومقداره خمسة ريالات.
حين انضمامي إلى اللجنة كانت لديها قطعة أرض اشترتها من البلدية بسعر رمزي مشروط بالبناء عليها في مدة محددة، وكان على وشك نفاد المدة، ولأني موظف بالبلدية وعلى دراية بنظمها آنذاك أفهمتهم بوجوب التحرك كيلا تضيع الأرض، ولأن البناء يحتاج إلى مبالغ كبيرة، فلا بد من القيام بحملة تبرعات، وهكذا كان، وتم بعون الله وتوفيقه بناء الروضة النموذجية الحالية، بحي البحر (رسميًّا الحي الأول)، ثم بناء دور ثان بمبنى الروضة صمم بحيث يقام فيه معرض الكتاب، ومسرح، وصالة متحف. لكن جدت بعد ذلك أمور كان من نتيجتها تقييد نشاط اللجنة، فتخلى عنها معظم الأعضاء حتى آل أمرها إلى أن أجر الدور العلوي على معهد لتعليم الكمبيوتر.
>إن العمل الوطني ليس نزهة بَحْرِيَّة أو في حديقة ذات أشجار وثمار ومياه وهواء عليل مع الخلَّص من الإخوة، إنه عمل مجهد فكريًّا وجسديًّا ونفسيًّا وماليًّا ويحتاج وقتًا كبيراً. وبالنسبة لي ستون بالمئة من الوقت كان مكرَّسًا إليه. . .
انتهت الأدوار الثلاثة وجاء الدور الرابع دور الطليعة ودور المثقفين الواعين، دور أرباب الديوانية أصحاب هذا الحفل وإخوانهم، لذلك أوصيهم – ونفسي – بمواصلة العمل، فإن الوقت – الآن -أحوج من ذي قبل، وأكثر حسَّاسية، وفيه اتهام وتحدٍّ، ولا يخلو من الوجه المريب. فعلينا – جميعًا – الوقوف صفًّا ويدًا واحدة، ونبذ الخلاف، وتحمل ما يوجّه من نقد أو تجريح أو سواه. فلتكن المواقف متواصلة بحكمة وروية وأسلوب علمي رزين.
إنني إذا تحدثت عن عملي الوطني والأدوار التي مرت بي وقمت بها، وما لاقيت؛ لم أكن لأرفع عَلَم المباهاة، وحبّ الظهور، وإذا كان أحد يصرّ على ذلك فله رأيه، وليست هذه أول ولا آخر مرة للاتهام.
قصدتُ من هذا البيان أن يعرف ويدرك الجميع أنه مطالب بحق الوطن والمواطنة، فعليه تقديم ما عليه من الحقوق للوطن الغالي، وهو أمر يثاب عليه من الباري تبارك وتعالى، فحب الوطن من الإيمان. ولقد ودِدت أن أذكر أسماء أشخاص لكل مرحلة من مراحل العمل إيفاءً لحقهم وتقديرًا لمواقفهم، غير أنني خشيت أن أنسى البعض فأقع في حرج، وربما أبخسهم حقهم. مرة أخرى أشكر لهذا الجمع الكريم حضورَه واستماعَه راجيًا الغضَّ عما جاء في هذه الكلمات من نقص أو غيره، مثبتًا الشكر الكبير لأرباب الديوانية، وأطالبهم بتحمل المسؤولية واستمرارها بقدر همتهم ونشاطهم وشعورهم الوطني، فهم أكفَاء مخلصون قديرون. والسلام على الجميع ورحمة الله وبركاته، وكل عام وأنتم بخير.
رفاقه في المسيرة، من هم؟
خشي أن لا يتذكَّرَهم جميعًا فأعرض عن ذكرهم جميعًا، وهم معروفون، البلد يعرفهم، وإمضاءاتهم تكشفهم، وقعوها على صحائف كثيرة كتبوها إلى المسؤولين، أغلبها لديه، وبعضها بحوزتي مضمنة كتاب (علي بن حسن أبو السعود – مراسلاته ووثائقه). أما أنا فلي رسالة متواضعة وجهتها لهم عن طريق الشيخ عبد الخطي (رحمه الله) في بعض ما ذَكر من الإزَم، أختم بها هذه الوقفات:
أَبَا عَادِلٍ، هَلْ لِلشِّكَايَةِ مُسْمِعٌ
فَنَشْكُوْ؟ وَهَلْ لِلدَّمْعِ بُقْيَا فَنَجْتَرُّ؟
طَمَا السَّيْلُ بِالْأَوْجَاعِ، وَانْدَمَّتْ الصُّوَى
وَهَاجَ أَتِيُّ اللَّيْلِ، وَاعْتَكَرَ الْبَرُّ
فَكَيْفَ بِنَا وَالْعِيْسُ مَذْعُورَةُ الْخُطَى
يُفَزِّعُهَا نَوْءٌ، وَتَغْتَالُهَا صِرُّ؟
فَإِمَّا سَرَتْ فَالَأُفْقُ مِنْ حَوْلِهَا لَظًى
وَإمَّا ضَحَتْ فَالدَّرْبُ مِنْ تَحْتِهَا غَمْرُ
وَأَنْتَ بِوَجْهِ الرِّيْحِ تَهْدِيْ زِمَامَهَا
وَلَا عَوْنَ إِلَّا اللَّهُ وَالصَّفْوَةُ الْغُرُّ
تَخُبُّوْنَ فِيْ الْأَشْوَاكِ تَحْدُوْنَ عِيْسَكُمْ
تُعِيْنُونَ فِيْ اللَّأْوَاءِ، لَكِنَّكُمْ نَزْرُ
فَجِزْتُمْ مَدًى أَدْنَاهُ أَنْ يُوْطَأَ الْغَضَا
وَتُسْتَمْرَأَ الْبَلْوَى، ويُسْتَعْذَبَ الْمُرُّ
وَفِيْ الْأَرْضِ – لَوْ شِئْتُمْ – حِبَاءٌ لِنَاهِزٍ
وَقَيْدَ الْخُطَى فِيْهَا لِمُسْتَرْفِدٍ بَحْرُ
فَمَا غَرَّكُمْ جَاهٌ، وََلا هَزَّكُمْ غِنًى
وَلَا صَدَّكُمْ – أَنْ تَسْتَبِيْنُوْا الْهُدَى – وَفْرُ
وَلَكِنَّهُ فَيْضٌ مِنَ الدِّيْنِ وَالتُّقَى
وَنَبْضٌ مِنْ الْإِحْسَاسِ يَشْقَى بِهِ الْحُرُّ
([1]) بعض القصائد التي ألقيت في تلك الحفلات نشرت في كتاب شعراء القطيف، للشيخ علي بن الشيخ منصور المرهون بطبعتيه: الأولى، طبعة مطبعة النجف، النجف، العراق، 1385هـ, من الماعصرين القسم الثاني من الجزء الأول. والطبعة الثانية، دار المصطفى، بيروت، بدون تاريخ.
([2])انظر: عبد الله أحمد شباط والنقش على الحجر، رحلة يراع، عدنان السيد محمد العوامي، دار أطياف للنشر والتوزيع، ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 1440هـ، 2018م، ص: 85 – 91.
([3])السيد علي العوامي، سيرته بقلمه، مقدمة لبرنامج التاريخ الشفوي المصوَّر للملكة، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض.
([4])الحركة الوطنية شرق السعودية، السيد علي العوامي، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 2015م، جـ2/361.
([5])عبد العزيز التركي: أول مدير للتعليم بالمنطقة، وله اليد الطولى في انتشار التعليم فيها، وقد نُقِل – بعد ذلك – ملحقًا ثقافيًّا بلندن، وبقي في هذا المنصب سنوات طويلة حتى وافته المنية عام 1405 هـ، 1985م.
([6])انظر: التعليم في القطيف – توثيق الجهد الأهلي المبكر، جعفر محمد العيد، مجلة الواحة، بيروت، العدد: 53، ربيع 2009م، ص: 152 – 168..
اقرأ الحلقات السابقة
[وثائق وصور] وقف ضدّ “الضائعون” والمتلبّسين بالدين.. وساند تعليم المرأة
الراحل العوامي وضع تشخيصاً لواقع طلاب العلم والخطباء وكفاءة وكلاء المراجع