عن وقعة “الچلب” أتحدث
علي الخنيزي
وقعة (الچلب) الأخيرة مثال جيد جداً لنقف عنده أخيراً ونقول (لربما) ما يجب أن يقال وأن نعيد رسم الحدود والإطارات ونضع النقاط على الحروف ونُظهر المستخبي ونقولها بصراحة، فالكُرة التي تتدحرج من بضع سنين بدأت الآن بالتضخم كثيراً وبات تأثيرها مقلقاً على المجتمع كمجتمع بشري وعلى مستقبل الدين الإسلامي في المنطقة، وفي سلامتنا النفسية والجسدية كأفراد.
اللغط الحاصل جراء هذا الاختلاف التافه والبسيط جداً إلى الحد الذي لا يرقى لأن يمزق لحمتنا أو يفرق شيعتنا ويبعثر شعثنا، بغض الطرف لحظةً عن تأثيراته الأخرى، هو ليس حديثاً جديداً قد تولد للتو أو حديثاً عابراً لا “يهش أو ينش”، ولن يكون الأول ولا الأخير، وأظن أن رد فعل المجتمع في هذا وغيره بتباينه قد ساهم برسم صورة واضحة للحاضر والمستقبل القريب وإرسال تنبيه مدوي للجميع، حتى بات البعض في السِر قلقين على وجودهم،
كشاهد عيان كان يقف جانباً يتفرج على هذا المشهد وكل المشاهد التي سبقته خلال البضع سنوات الماضية، وكمجرد رأي من عامة هذا المجتمع، سوف لن أقوم بأي شيء أعجوبي ليس باستطاعة أحد، بل سألعب دوري البديهي والبسيط جداً وهو شيء واحد لا غير، سآخذ سبابتي وأشير بها إلى عدة نقاط تتراءى لي جلية في فضاء المشهد، وأتمنى أن لا يثير إصبعي عصبية أحد فيتسرع بأي فعل غير مدروس و يزيد الطينة بلة.
*نحن لا نؤمن بنفس الدين:
بقدر ما أن هذه الكلمة فظيعة الوقع على الكثيرين إلا أنها الحقيقة الصرفة التي أظن أنه يجب أن يدركها الجميع أخيراً، ويضعونها أمامهم ما يكفي من الوقت لتأملها وتفهمها ثم لربما يتعاملون مع بعضهم من منطلق “عيسى بدينه وموسى بدينه”، أو لكم دينكم وليَ ديني، هذه الحقيقة المسكوت عنها ككثير من الحقائق التي ندعي أننا لا نراها ونتجاهلها هي كالنار التي تشتعل وتكبر بصمت خلف الجدران، فتأتي سماحتك تخاطب مجتمعاً بأكمله باختلاف مرجعياته و مدارسه الفكرية ومذاهبه العقائدية، وتفترض سلفاً أنهم يتبعون رسالتك فتستهجن على مكون آخر من مكونات المجتمع الذي تعيش فيه، قيامهم بما تمليه عليهم أو تسمح به عقيدتهم وقناعتهم الفكرية وتكفله قوانين دستور الوطن ومساحة الحرية الشخصية فيه وحقوق الإنسان على هذا الكوكب، لا بد لك من أن تعرف إلى من توجه هذا الحديث وهذا الإفتاء وتفرضه على أي شريحة، إذ أن الدين الإسلامي به عدة مذاهب و المذاهب بها عدة مدارس ومرجعيات، وبعض الأحكام مختلفٌ عليه اختلافاً جذرياً بين مرجع وآخر، هذا يعني أننا لربما لا نعتقد بذات النسخة التي تعتلي المنبر و تتحدث من منطلق ما تمليه عليك، إذن لربما لا بأس لو خصصت بحديثك من يتبعون نسختك في ذات المجلس وأوضحت عدم رغبتك بالتدخل في معتقدات الآخرين واحترامك لحقهم الذي منحهم إياه الله باتباع المرجع الذي إليه يطمئنون.
ما تؤمن به أنت ليس بالضرورة هو ما أؤمن به أنا وما يلزمك أنت لست أنا بالضرورة مُلزماً به، وتنصلنا من هذه الحقيقة وتجميلها ووضع السكر عليها لا يحلها أو يسهم بأي فائدة لا إلى الدين ولا إلى المجتمع وأفراده، ولا يخدم أي حق نعرفه، بغض النظر عن اختلافنا حتى في ماهية الحق هذه الأيام.
*رجال الدين ليسوا الأعلم في المجتمع:
يبدو، ومع كل الاحترام وخالص الاجلال والتقدير لكافة المجتهدين الساهرين العاكفين طلاب العلم حراس العقيدة والدين الساعين بالخير لرعاية الناس ومصالحهم ولَم عصبتهم وهدايتهم لصلاح نفوسهم والآخرين، أنهم لم يعودوا المتفردين بالعِلم والمعرفة، لقد ابتلانا الله بأمة تقرأ وتكتب وتبحث وتتجرأ على التفكير وتتخطى كثيرا من رجال الدين في علومهم حتى صار بعض العامة يصححون لبعض الشيوخ وصار بعض الشيوخ يتحدث بأقل من مستوى معرفة العامة، هذا للأسف أدى للبدء في إشاعة صورة غير جذابة للمنبر في المجتمع الذي يتطور ويتحدث يوم بعد يوم في حين أن المنبر الذي كان ولا زال له الفضل في توعية وإرشاد أجيال وأجيال وهداية واجتذاب قلوب الناس من شتى الملل والنِحل لم يظهر أي مواكبة واحتواء لتقدم قوالب عقول الناس ونفوسهم؛ إلا بعض الجهود الفردية اليتيمة والتي يُعقر بعضها ويوأد في مهده، ما يؤدي بالتأكيد شئنا أم أبينا إلى نفور الشارع العام من الالتفات إلى المنبر والأدهى، وهو الحاصل فعلاً، أن يكون بعض رجال الدين هم من يمارسون تنفير الناس من دين الله وحملهم على التشكيك فيه واستصغاره واستنقاصه إذ أن كثير مِن مَن يعتلون منابره والمفترض بهم أن يكونوا الأعلم في كل جوانبه لم يعودوا بذاك القدر الباعث على الثقة من العلم، و لزيادة الطين بلة أمسى بعضهم ليس حتى على ذاك القدر من الخُلق والأخلاق وهم اللذين يفترض بهم أن يكونوا حملة رداء النبي الأكرم الذي قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فعن أي أخلاق تتحدث يا مولانا؟
* إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿١١٩ آل عمران﴾:
كرر الله جل وعلا هذا الخبر للناس في منزل كتابه الحكيم ككل أمرٍ ربانا المولى عز وجل على أهميته القصوى، وأنا بفهمي القاصر هنا أفهم من أن الخالق علا شأنه يخبرنا بأنه العليم بما في داخل نفوسنا جميعاً ثم أنه وحده العليم بهذه الدواخل، وحده القدير على الاطلاع على ما فيها من أفكار ونوايا ورغبات ومعتقدات، فلربما لا بأس لو توقفنا جميعناً عن ممارسة أدوار إلاهية وادعاء قدرات تفوق قدراتنا جميعاً، ولا بأس لو توقفنا جميعاً عن الدخول في النوايا وضمائر الآخرين.. ولا بأس بأن نحمل إخوتنا على سبعين محمل بل حتى سبعة ألاف، وما يضر؟! لا شيء تماماً، ما الذي حدث؟ حتى لم نعد نحاول احسان الظن ببعضنا!!، على الأقل أولئك اللذين يدّعون أنهم يتبعون دين الإسلام ويمثلونه!!
*الإنسان سفير ما يؤمن به:
في سفارتك لما تؤمن به لا مفر لك شئت أم أبيت على أن تلعب أحد دورين لا ثالث لهما، إما أن تحبب الآخرين إليه أو تنفر الآخرين منه، حين نمارس قذف الآخرين وتراشق الاتهامات والتسقيطات.
إن أحداً منا لا يخدم أي جهة يدعي أنه يتبعها فلا أحد بكامل قواه العقلية سيتبع أو يقتنع بحديث جهة يحتقره ويكرهه ممثلوها ومتبعوها!! كما لا أحد من الخارج سيفكر باتباع جهة يرى اتباعها يرتعون في مستوى أخلاقي وفكري دون الجذاب في أفضل ما يمكن أن نقوله عنه!!
تحاول المجتمعات المواكبة لعجلة الدهر، اليوم مناقشة الحجة بالحجة، وتمثيل مذاهبها الدينية والفكرية بألمع صورة فكرية وأخلاقية متسلحة بكل أدوات الحاضر من مهارات تحدث ومناظرة إيجابية محترمة، حتى بات بعضها يجذب المسلمين أنفسهم، في حين أن دعاة هذا الدين وأتباعه اللائي من المفترض أنهم المثال الحي على جماله وكماله ولاعبي دور المسوق فيه وشواهد الجذب فيه لا يحسنون استخدام أساليبهم ولا تمثيل دينهم،
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران 159).
*عدد اللا دينين أكثر مما تتخيل:
في الحقيقة هذا أول شيء أتذكره عند اصطدامي بأي حدث غريب في المجتمعات العربية والإسلامية وبالخصوص مجتمعي الذي أعيش فيه (القطيف)، فمجدداً أتمنى عليك أن لا تبث مواعظك وآياتك ورواياتك للجميع على أنها قانون ملزم للجميع، وعدم إيمانهم بما آمنت به لا يعني أنهم حتماً وبالضرورة والتأكيد يرغبون في الفجور والفسوق والتلذذ بالنواهي والمحرمات إنما كثيرٌ منهم من أهل الخير والعطاء والبذل، لكن أحداً من أهل الدين لم يمتلك القدرة و المقومات لأن يقنعهم بما تقبل به عقولهم البريئة، شخصياً صرفت من عمري خمسة عشر سنة أتحدث معهم وأناظرهم وأجادلهم حتى صادقتهم و جالستهم ورحت وأتيت معهم، حتى أدركت جهل الأسطوانة المشروخة القديمة التي كانت تعاد وتكرر على الملأ بالعزف على مغلوطات تم تكهنها لا أكثر ولم تساهم إلا بزيادة أعدادهم واقناعهم بأنهم على حق، فإن اعتقدت أنك تؤمن بالحق و يؤرقك ضميرك لمساعدتهم و هدايتهم فعلاً { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125).
أحي الكاتب على هذا المقال
الناس في جلجلة و العروس تبي ريل..
العالم في زمن الكرونا و تبعات الكرونا على المجتمع
وهذا جلب يمزق نسيج مجتمعنا.. و و و
القاعدة التي غفل عنها الكاتب.. ثابتة على مستوى كل المراجع.. لا تدعي علما لا تفقه فيه حتى مع اسلوب الشيخ الجاف.