لابس عمامة يبيع الباذنجان في الشارع
حبيب محمود
ما فعله الشيخ لؤي الناصر؛ هو عين ما يفعله أيُّ رجلٍ معنيٍّ بأن يكون مستقلّاً حرّاً. ولكونه لابس عمامةٍ؛ فإن ما فعله صادمٌ جداً حين نقيسه بعقلية التفكير الجمعي المشغولة بمفاهيم “الشكلانية الاجتماعية”. هذه “الشكلانية” مهووسة حد الارتباك أمام ما هو مُغايرٌ للسائد في “عيون الناس”..!
“شيخ” يُزاحم باعة الخضار في الـ “حراج”، ويشتري بضاعته بالجملة، ثم يبيعها الناس بالمفرّق. وفي بسطة تُعاملها عقليتنا الجمعية على أنها باتت خاصة بـ “البنغالية” والآسيويين الآخرين.
تقول العقلية الجمعية خاصّتنا إن “الشيوخ”؛ هم: صاحب فضيلة، وصاحب سماحة، وعلاّمة، وحجة.. وصولاً إلى “آية الله”. وفي حياته ندعو له “دام ظله”، وفي وفاته ندعو “عطّر الله مرقده”.
ضبابية عقليتنا الجمعية، لا تراهم بشراً مثلنا، ولا تنتبه إلى أنهم تشغلهم حاجاتهم الطبيعية كما تشغلنا، الهورمونية والمادية والأدبية، وتضغطهم الأعباء كما تضغطنا، فيسعى كلٌّ منا ـ ومنهم ـ إلى رزقه حسبما ما يراه مناسباً له، وكلٌّ مُيسّر لما خُلق له. منّا موظف أسير راتب، ومتسبّب في بيع وشراء، أو صاحب صنعة أو حرفة تؤمّن ما يحمي ماء كرامته.
ما فعله الشيخ الناصر، حسب فيديو منتشر وتقرير للزميلة صحيفة “جهينة”؛ هو التحرّر من أسر أي ضاغطٍ مادّي يؤثّر في التفكير والرأي وطريقة التعبير عنهما.
عقليتنا الجمعية سوف تنشغل بتفسير الأمر ـ تاريخياً ـ فالأنبياء عملوا، والأئمة والصالحون اشتغلوا في الفلاحة والصيد والرعي والتجارة.. وهذا كله صحيح، وجديرٌ بأن يكون معياراً لقياس أمرٍ على هذا النحو. إلا أن القيمة الأخلاقية ذات عمق أشدّ في منظومة واقع طلاب العلم والمشايخ، في مجتمعنا بالذات.
حدّثني طالبُ علم وطالبُ مالٍ ـ كما وصف نفسه ـ أنه قرّر أن يكون مستقلّاً مالياً منذ اليوم الأول الذي دخل فيه الحوزة. فقد سأل زملاءه عمّا سوف يحصل عليه ـ مالياً ـ لقاء تفرُّغه التام للدراسة والتحصيل. فجاءه الجواب ضامناً له “ألّا يجوع”. عندها قرّر الرجل ألّا يعتمد على “الشهرية”، بل سعى إلى تأسيس عملٍ يتكسّب به، ويضمن له أن يشتري الخبز إذا جاع، والورد إذا اشتهى.
وحين عاد إلى الوطن؛ أسّس مشروعاً استهلاكياً، وهو اليوم من أنجح رجال “العلم والمال” في مجتمعنا، حسبما تُفيد معطيات السوق التي نعيش وسطها.
في رأي صاحبي؛ لا تنحصر الضرورات في الاحتياجات وحدها، بل تشمل الرغبات أيضاً. وما دام الأسلوب حلالاً؛ فما الضيرُ في أن تعمل في التجارة، أو في أيّ مهنةٍ أخرى تساعدك على عيش كريمٍ وحياةٍ مريحة. والأهمّ أن تضمن لك ألّا يضغط عليك أحد، أو تبني رأياً، أو تقدّم رؤية، وأنت على وجلٍ من تأثيرها في رزقك ورزق عيالك..؟
الشيخ الناصر “بائع خضار” اليوم، وقد يكون غداً “تاجر خضار”، وليس واجبنا أن ندعو له بالتوفيق فحسب، بل أن نشكره على شجاعته التي لم تحفل بـ “العقلية الجمعية”، ولم تُزعجه المقارنة بين هيئته “معمماً” على منبر، وبين هيئته بـ “غترة” بيضاء يبيع الباذنجان في الشارع.
أحسنتم أخ حبيب مقال رائع وموضوع مهم ونتمنى للشيخ التوفيق
العمل ليس عيبا ولا حراما
ما دام الانسان يأكل بكد يمينه فهو خير
وطالب العلم درس وتعلم على حساب ومن حق الامام ليأخذه مكانه في زمن الغيبة ويوجه الناس ويرشدهم لا ليعمل في التجارة
فعليه اولا أن يكون بدوره في التوجيه والارشاد ما استطاع إليه سبيلا ثم يلتحق باي مهنة شريفة شاء شرط ألا تخل بوظيفته الشرعية كطالب علم، وتحياتي لكل من يشغل نفسه بما يفيد وينفع.