آل زايد لـ”صُبرة”: الخلايا الجذعية فعالة لعلاج فقر الدم المنجلي.. بشروط 17% من سكان الشرقية يحملون المرض.. والجائحة أوقفت برنامجاً لإنشاء سجل للمرضى
حوار: فاطمة آل خضر
احتفلت المملكة، أواخر شهر أكتوبر الماضي، بالأسبوع العالمي لأمراض الدم الوراثية، وأبرزها مرض فقر الدم المنجلي (السكلسل)، الذي يعاني منه حوالى 0.26% من سكان المملكة.
قرابة 4.2% حاملين لصفة مرض الأنيميا المنجلية، لكن لا تظهر عليهم الأعراض، ويعتبر سكان المنطقة الشرقية الأكثر عُرضة للإصابة بهذا المرض، حيث يحمل حوالى 17% سمة المنجلي، و1.2% يعانون من المرض، حسب إحصاءات رسمية صادرة من وزارة الصحة.
ينتشر فقر الدم المنجلي بين سكان قارة أفريقيا وأميركا الجنوبية، وبعض دول آسيا ومنطقة الشرق الأوسط، وأبرز الدول والمناطق التي ينتشر فيها هي: المملكة، الهند، تركيا، إيطاليا، اليونان، أميركا الوسطى، الكاريبي.
شكل المرض الوراثي مصدر قلق كبير لمنظمة الصحة العالمية، منذ عام 1989 حتى 1993، بعد دخول حوالى 75 ألف مصاب إلى مستشفيات الولايات المتحدة الأميركية، ما كلف الدولة نحو 475 مليون دولار.
“صُبرة” حاورت استشاري أمراض الدم الوراثية في مستشفى القطيف المركزي، الدكتور عبدالله آل زايد، للتعرف على المرض الأكثر تهديدًا لسكان المنطقة الشرقية والمملكة، وكيف يمكننا اكتشافه باكراً؟ وتجنب توريثه لأطفالنا، فإلى نص الحوار:
تحسين حياة المصابين
لماذا يحظى مرض فقر الدم المنجلي باهتمام عالمي؟
أرى أن الاحتفال بالأمراض الوراثية، خاصة فقر الدم المنجلي، يزيد من وعي المجتمع بالعبء العالمي لها، وحض المؤسسات الصحية على الاهتمام بمرض أنيميا الخلايا المنجلية؛ لوضع برامج صحية على المستوى الوطني، وتشغيل المراكز المتخصّصة، لتسهيل الحصول على العلاج.
وهناك أمر آخر بالغ الأهمية؛ التوعية بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج؛ للحد من انتقال مرض الأنيميا المنجلية بين الأجيال.
لذا أطلقت المملكة حملة توعية واسعة عام 2005؛ لفحوص ما قبل الزواج، بهدف تقليل عدد الإصابات، وتعزيز الأبحاث الهادفة إلى تحسين نوعية حياة المصابين.
نصف المواليد المصابين في المملكة
مَن الدول الأكثر عُرضة للإصابة بالمرض؟
من خلال بحثي؛ قرأت إحصاءً منشوراً على الموقع الرسمي للمركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت، كشف أن أعلى نسب إصابة بمرض فقر الدم المنجلي في المناطق الاستوائية، خصوصاً في جنوب أفريقيا، والهند، وتتركز أعلى نسبة إصابة في منطقة الشرق الأوسط.
في حين يولد في الشرق الأوسط كل عام، حوالى 6 آلاف طفل مُصاب بفقر الدم المنجلي، نصفهم تقريبًا في المملكة.
خلايا منجلية
ما هو مرض فقر الدم المنجلي؟
مرض وراثي، يُصيب كريات الدم الحمراء، تتكون كريات الدم الحمراء من مادة أساسية اسمها “الهيموغلوبين” وظيفتها نقل الأكسجين في الدم، ولها أنواع عدّة، أهمها النوع الطبيعي A، إلا أن الكريات الحمراء لدى المصابين، تحوي نوعاً غير طبيعي من الهيموغلوبين، يُسمى المنجلي S.
عادةً خلايا الدم الحمراء مرنة ومستديرة، وتنتقل بسهولة من خلال الأوعية الدموية، لكنها عند الإصابة؛ تأخد شكل “المنجل”، أو الهلال وتُصبح جامدة ولزجة، مّا يؤدي إلى صعوبة مرورها في أوعية الدم الصغيرة.
علامات الإصابة
ما العلامات التي تدل على الإصابة بالأنيميا المنجلية؟
هناك علامات تشير إلى الإصابة بفقر الدم المنجلي، تظهر عادةً بعدما يبلغ الرضيع 4 أو 5 أشهر، نتيجة لانسداد مجاري الدم في أجزاء عدّة من الجسم.
والتشخيص كما بيّنت وزارة الصحة، عبرَّ موقعها الرسمي:
– فقر الدم الشديد.
– الدوار.
– متلازمة الصدر الحادة (ألم الصدر).
– قصور القلب.
– قصور الكلى المزمن.
– ارتفاع ضغط الشريان الرئوي.
لكن هذا المرض قد يتضمن مضاعفات خطرة، منها: تكوين حصوات مرارية، تضخم وقصور في الطحال، ضعف المناعة، تلف المفاصل خصوصاً مفصل الفخذين، جلطة الدماغ، أو الشلل النصفي، تقرّح في القدم، اعتلال شبكية العين، إضافة إلى اضطراب عمل غدد الجسم، وتأخر البلوغ.
عظام تتكسر.. دم محبوس
من خلال عملك اليومي؛ ما الأعراض الشائعة لدى المصابين في المملكة؟
هناك العديد من الأعراض التي تظهر لدى بعض المصابين في المملكة، ومن خلال عملي؛ أرى الكثير من المرضى الذين يعانون من الشعور كما لو أن عظامك تنكسر، ودمك محبوس، وكأن شفرة صدأة تقطّع داخلك.
عام 2015، كانت الفرق الطبية في مركز جونز هوبكنز (أرامكو السعودية) في الظهران، ترعى ما يصل إلى 150 حالة من حالات فقر الدم المنجلي، معظمها في خدمات الطوارئ الطبية، تأتي هذه الأعداد الهائلة نتيجة انتشار كبير للصفة الوراثية لمرض فقر الدم المنجلي في المنطقة الشرقية.
علاجات غير متوافرة بالمملكة
هل لهذا المرض الوراثي علاج؟ وهل علاجه متوافر في المملكة؟
قبل سنوات قليلة، لم يكن هناك علاجاً محدداً، نتيجة لنُدرة الدراسات العلمية التي أجريت على مرضى فقر الدم المنجلي، لكن العلاجات الدوائية للمرض مرت بعدة مراحل. كان المرضى يعتمدون على “الهيدروكسي يوريا” في منتصف التسعينيات، وبعض الأطباء يصفونه لمرضاهم حتى هذه اللحظة، لكن قد لا تعرفه غالبية المصابين.
عام 2017 أعلنت المنظمة الأميركية للأدوية والأغذية (FDA)، دواءً جديداً، هو “كريزنليزوماب” (Crizanlizumab)، الذي أثبت فعاليته في حماية الخلايا من الالتصاق بجدار الأوعية الدموية، بعد الانتهاء من مرحلة التجربة السريرية لمدة 52 أسبوعاً، لكنه غير متوافر في المملكة حتى الآن.
منتصف 2018؛ نُشرت دراسة عن استخدام علاج “إل-غلوتامين” على 230 مريضاً، ووجد أنه يقلل من عدد نوبات الألم بمقدار الربع تقريبًا: 3 من أصل 4، ويقلل من عدد مرات التنويم بمقدار الثلث: 2 من أصل 3، ولكن هذا العلاج غير متوافر أيضًا في المملكة حتى اللحظة.
مؤخراً اعتمدت “FDA” علاجاً جديداً؛ فوكسيلوتور (Voxelotor)، الذي يمنع كريات الدم من البلمرة، وبالتالي منع التمنجل، بالمحافظة على زيادة حمل الهيموغلوبين لجزيئات الأوكسجين. ونشرت مجلة “نيو إنغلاند” للطب في شهر يونيو 2019، نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لهذا الدواء، الذي أثبت فعاليته في التخفيف من نوبات الألم، ورفع مستوى الهيموغلوبين، وانخفاض مؤشرات التكسر.
الاستغناء النهائي عن الأدوية
هل يمكن لمريض فقر الدم المنجلي الاستغناء عن الأدوية نهائياً؟ وما شروط العلاج بالخلايا الجذعية؟
بخلاف العلاجات الدوائية؛ هناك علاجات بديلة، تتمثل في زراعة الخلايا الجذعية، بشرط أخذها من مُتبرع له صلة قرابة من الدرجة الثانية أو الثالثة، وأن يكون غير مصاب. ولكن يخضع المريض لزراعة الخلايا الجذعية، إذا فشل العلاج الدوائي، أو في الحالات المزمنة. لكنني أشير إلى أنها تنطوي على بعض المخاطر.
هناك أيضاً علاجات غير دوائية، مثل الجيني؛ عن طريق استبدال الجين غير السوي للهيموغلوبين، بآخر سوي، فيتم التخلص من المشكلة الموجودة من جذورها، وذلك بتصحيح الخلل الجيني الموروث من الوالدين، لكنها قيد الدراسة العلمية.
سجل للمرضى
ما الدور الذي تقوم به المملكة لخدمة هؤلاء المرضى؟
ما يقرب من ثلثي البالغين المصابين بمرض فقر الدم المنجلي يُعانون من الألم يوميًا، كما أن عدد الحالات المصابة وتعقيدها قد أجهد خدمات الطوارئ الطبية المزدحمة في مركز الظهران الصحي، ما دفعهم إلى التعاون مع مستشفيات “جونز هوبكنز أرامكو الطبي”، من أجل افتتاح عيادة المعالجة الوريدية في أبريل 2017.
العيادة لا تعالج المرضى الذين يعانون من آلام حادة فحسب، بل توفر أيضاً خدمات الرعاية الطبية للمرضى الخارجيين، بما في ذلك علاج الألم المزمن والدعم الاجتماعي.
حالياً؛ تركز العيادات على خدمة مرضى فقر الدم المنجلي، وتوفير كادر طبي من الأطباء والممرضين للاهتمام في احتياجات كل مريض على حدى، لاستمرار الرعاية، وتحسين قدرة الطاقم الطبي على إعداد خطط علاجية مخصصة.
كان من المُقرر إعداد سجل لمرضى الأنيميا المنجلية (Registry)، وهو برنامج تابع لوزارة الصحة، لكن توقف بسبب جائحة فيروس كورونا المُستجد.
الرعاية الذاتية
كيف يقدم هؤلاء المرضى الرعاية الذاتية لأنفسهم؟
نُدرك أن هذا المرض يحتاج إلى رعاية ذاتية، وهي مُتابعة فحوصاتك الدورية بانتظام مع الطبيب، وعدم تخطي المواعيد، المواظبة على أخذ المضاد الحيوي وحمض الفوليك عن طريق الفم بشكل مُنتظم ودقيق، لزيادة الحاجة له، نتيجة لنشاط نخاع العظم لتعويض الانحلال المُستمر لكُريات الدم الحمراء.
هناك جانب وقائي يقوم به أطباء الأمراض الوراثية، بإعطاء المُصاب تطعيمات إضافية غير التطعيمات المُعتادة، لانخفاض فرص الإصابة بالالتهابات الجرثومية.