أرامكو أفسدتنا بـ “البيدر” وفصلتنا عن ماء الأرض
نحن ـ السعوديين ـ لدينا معضلة “كيميائية” فيما يخصّ علاقتنا بالأرض. ليست لديّ دراسات، ولا إحصاءات، ولا أيّةُ عمدةٍ أسوّغ لنفسي وصفها بـ “العلمية.
ما لديّ هو انطباع.. لا غير.
تلك الكمّيات الهائلة من الأطعمة والمشروبات التي نحشرها في بطوننا آناء الليل وأطراف النهار.. السواد الأعظم منها آتٍ من غير بيئتنا وأرضنا…!
التحوّلات الحيوكيميائية التي تتمّ في أجسامنا تعتمد ـ في جانبها الغذائي ـ على مواد آتيةٍ من بلاد بعيدة، زُرعت في بيئةٍ تناسب أجساماً أخرى. أو تدخّلت الصناعة فيها وخُلطت بموادّ مؤذية لأسباب تجارية صرفة.
انطباعي يقول إن علاقتنا بالأرض تضعف يوماً بعد آخر، بتراجع علاقتنا الغذائية بها. صحيح إن سكّان الكوكب، إجمالاً، يعانون معضلة تراجع الطبيعي وتقدم الصناعي في الأغذية، إلا أننا ـ في السعودية ـ أشدّ نكالاً في هذه المعضلة.
نحن لا نشرب حتى ماء أرضنا. نشرب الماء المقطّر والمحلّى من البحر، والمعروض في المحلات. منذ عقود طويلة لم نعد نشرب ماء الأرض التي نعيش على ترابها.
لا أتحدّث عن الأمراض، ولا عن الاقتصاد، ولا عن السياسية. ما أتحدّث عنه هو علاقة جسدي الذي أحمله بالأرض التي أعيش عليها، وبما تُنبتهُ من طعام يصل إلى مائدتي كلّ يوم.
لمثل هذه الأسباب؛ أفرحُ فرح طفلٍ بمواسم فاكهة أرض بلادي وخضارها.. في الحدّ الأدنى هي من نبات الأرض التي سوف أُدفن فيها.
ثم جاءت أرامكو؛ فأفسدت حتى إحساسنا بماء أرض وطننا. كنّا نشرب ماء العيون و الضلوع “الميَازات” عذباً فراتاً. ثم صرنا نشرب من شبكات المياه الجوفية المرتبطة بـ “مواطير” في الأحياء..!
وكلّ ذلك ماء أرضنا ووطننا..!
لكن أرامكو “اخترعت” الماء المقطر.. “الماي البيدر.. البيلر”. فجاء به عمّالها إلى أسرهم. كان الواحد منهم يذهب إلى الظهران أو راس تنورة وفي يديه قربتان فارغتان.. يعود بهما مليئتين بـ “ماي بيدر”..!
وقد يُهدي الجار جارَه شيئاً من “الماي البيدر” في “غوري” وقت الحاجة..!
ومنذها؛ بدأنا نتخلّى عن شرب ماء وطننا. صرنا نشرب ماء الآلات. الماء المقطّر.. الماء الذي انتُزعت منه رائحة الأرض..!
حبيب محمود